إشراقات

عدم العدل بين الناس يعد من صور أكل الأموال بالباطل

09 نوفمبر 2017
09 نوفمبر 2017

المواطنة في الإسلام -

إعداد – نادر أبو الفتوح -

في لقائه معنا يؤكد الشيخ أحمد البهي من علماء وزارة الأوقاف المصرية، أن تعاليم الشريعة الإسلامية تهدف لبناء المجتمع على القيم والأخلاق النبيلة، وأداء الأمانة من أهم القيم التي حثت عليها تعاليم الإسلام، بهدف أن تكون العلاقة بين أبناء المجتمع المسلم قائمة على الطمأنينة، وعدم الخوف من ضياع الممتلكات، وقد أمر الإسلام بالالتزام بأداء الأمانة في المعاملات، وأكد على ضرورة التحلي بهذه الفضيلة، في التعامل مع المسلم ومع غير المسلم، فالأمانة من الأخلاق الحميدة، التي يجب أن تنتشر في المجتمعات إذا ما أرادت التقدم والرفعة، وبغياب هذه الفضيلة من المجتمع سوف ينتشر الطمع والجشع بين الناس، وتسود الفوضى، لذلك حث الإسلام على أدائها، والنبي الكريم صلى الله عليه سلم يقول في حديثه الشريف: (أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك)، والمسلم عليه أن يتعامل بهذه الأخلاق الطيبة مع جميع الناس، أيا كانت دياناتهم، وذلك حتى تكون الأمانة، هي الصفة التي تجمع كل المواطنين، داخل المجتمع الواحد.

ومن أهم مبادئ الشريعة الإسلامية يأتي حفظ المال، وهو المبدأ الذي حرص الإسلام على ترسيخ وجوده في المجتمع، لما له من أثر كبير في جعل المواطنين يشعرون بالطمأنينة على أموالهم وحقوقهم، أيا كانت عقائدهم أو دياناتهم، ولأن ذلك سيعمل على تعظيم قيم المواطنة الحقيقية لدى الفرد والمجتمع، ومن ثم سيشعر كل إنسان بالطمأنينة على أمواله، مما يشجعه على إقامة مشروعات وأعمال تعود بالنفع عليه وعلى جميع أفراد المجتمع، لأنه يتعامل وفق علاقات يسودها مبدأ الحفاظ على حقوق الآخرين، والإسلام يحرم أكل أموال الناس بالباطل، لقول الله تبارك وتعالى في محكم آياته: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا»، وتحمل هذه الآية الكريمة دعوة صريحة لرد الأمانات إلى أهلها، كما أن الإسلام حذر من أكل أموال غير المسلمين بالباطل، أو الاستيلاء على هذه الأموال، وحذر أيضا من خداع أصحابها، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الشريف: (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

ويشير الشيخ البهي، إلى أن النبي الكريم صلى الله عليه سلم، قد علمنا درسا في رد الأمانات إلى أهلها، حتى لو كان هناك خلاف مع أصحاب هذه الأمانات، فعندما هاجر صلى الله عليه وسلم، من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، ترك سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مكة، وكلفه بأن يرد الأمانات إلى أهلها، لأن أهل مكة، كانوا يطلقون على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم «الصادق الأمين»، وكانوا يتركون عنده الأمانات، ورغم أنه صلى الله عليه وسلم قد تعرض للأذى منهم، وهاجر إلى المدينة المنورة، إلا أنه ترك سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لرد هذه الأمانات إلى أصحابها غير المسلمين، وهذا دليل على أن رد الأمانات والحقوق إلى أصحابها، من القيم النبيلة التي حملتها لنا الشريعة الإسلامية، وأمرت برد هذه الأمانات حتى لو كان أصحابها غير مسلمين. وأكد على ضرورة أن نستفيد من سيرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، في التعامل مع الناس جميعا، لأنه صلى الله عليه وسلم، جعل عدم رد الأمانات علامة من علامات النفاق، فقال في الحديث الشريف: (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: (إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ)، ومن كل هذه التوجيهات النبوية الكريمة، نرى أن المسلم عندما يرد الأمانات إلى أهلها، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، فإنه يلتزم بتعاليم الشريعة الإسلامية، التي أمرت بذلك، وفي الوقت نفسه فهو يطبق نموذجا من نماذج المواطنة، التي تحقق الاستقرار في المجتمع.

ويرى أن أداء الأمانة ليس فقط رد الودائع أو الأموال، لكن أداء الأمانة أمر يلازم الإنسان في كل تصرفاته، ومن صور أداء الأمانة إعطاء الأجير حقه، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الشريف: (أَعْط الأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ)، كذلك فإن عدم العدل بين الناس، يعد من صور أكل أموال الناس بالباطل، وهو ضياع للأمانة، وإذا وسد الأمر لغير أهله، فإن هذا يؤدي إلى ضياع الأمانة، ويخل بمفهوم وقيم المواطنة، التي تتطلب اختيار الأصلح، وشهادة الزور تعد من صور ضياع الأمانة، وغيرها من السلبيات التي تنتشر في المجتمع، وتتطلب تصحيحا للمفاهيم، وخصوصا في التعامل مع غير المسلمين، لأن البعض قد يستحل أموالهم، وهذا مرفوض، لأن أموالهم لها حرمة، كحرمة أموال المسلمين تماما، كذلك فإن من صور أداء الأمانة، العدل بين الناس في العمل، وهذا أمر واجب.