1155954
1155954
المنوعات

أوراق نقدية تبحث في «جبرين وشاء الهوى» بالإسكندرية

06 نوفمبر 2017
06 نوفمبر 2017

الإسكندرية، العمانية: تناولت عدة أوراق بحثية ومداخلات قدمها نقاد ومهتمون رواية «جبرين وشاء الهوى» للدكتور سعيد السيابي ضمن أمسية استضافها مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية بالتعاون مع بيت الغشام.

وتحدث في الأمسية كل من الأستاذ الدكتور عبدالرحيم الكردي والباحثة فاطمة عبدالله والكاتب محمد بن سيف الرحبي بمرافقة عرض صور عن حصن جبرين قدمه المصور عبدالله بن خميس العبري، وأدار الأمسية المشرف على المختبر الروائي منير عتيبة.

وأشارت الباحثة فاطمة عبدالله إلى تماسك لغة السرد وانسيابية الحكاية عبر مستويات عدة جعلت من الرواية عملًا أدبيًا رصينًا يغرف من المكان أسطورته فتتحول إلى دهشة مرسومة بعناية، مع احتفاء بالحب خلف الحصون التي قد تستطيع كبح جماح قلبين ترصدا بعضهما البعض بأسوار داخلية عميقة، وفي كل مرة ينهض جدار بينهما يمنع حالة الالتقاء، مع الالتفات إلى محور الزمن في هكذا إشكالية.

ورأت فاطمة عبدالله أن المؤلف كان محقًا حين ذكر أنه «يخاطب الحواس» فهو دومًا يرى أن «قيمة الكنوز الباطنة ملك لمن يبحر فيها ويزيح عنها الغبار، وأن «الألفة مع المكان بين الجسد والروح فيها كيمياء تذيب الحدود والفواصل في الأمكنة المحبوبة»، مشيرة إلى أن المؤلف تهرب من الاعتراف بفنية عمله والخشية من التصنيف بمعنى تحت أي شكل أدبي يندرج، وربما كان تخوفا اجتماعيا من أن يعتقد قارئون أنه تجربة شخصية للكاتب، مشيرًا إلى أن الرواية تزخر بمناقشة صور للقهر الممارس على المرأة العربية، كما أن الرواية تمتلئ بالأسئلة الكبرى التي من خلالها ينعكس قهر خفي في النفوس سواء كان مرجعه الانصياع لعادات يريدنا الكاتب أن نراجع تاريخها على مهل لنضعها على جمر الفحص لنتبين الجوهر الثمين منها فنحتفظ به وننعم به، والرديء منها فنتخلص من أسره وتبعيته حتى لا نكون كالبطل والبطلة.

وفي ورقته تناول الأستاذ الدكتور عبدالرحيم الكردي عنوان الرواية باعتباره العتبة الأولى لفهم العمل الأدبي، موضحا كلمة جبرين كونها حصنًا عمانيًا، مشيرًا إلى العبارة الفرعية «وشاء الهوى» يمكن أن تقرأ أيضا «وشَّاء» بتضعيف الشين فتكون الكلمة وصفًا للقصر، مضيفًا إن «الرواية ليست مزدحمة بالشخصيات ولا بالأحداث، وليس فيها بنية درامية معقدة، فهي تعتمد على شخصيتين رئيسيتين فقط، وعدة شخصيات ثانوية وباهتة» منوهًا بأن «أبرز مظهر في الرواية هو أسلوبها الشاعري الشفاف الذي يكاد يصل إلى مرحلة الشعر المنثور، ليس في المستوى اللغوي فقط بل في المستويات البلاغية والسردية، مما جعل شعرية السرد تتعالى على خصوصية الشخصيات وتلفها في إهابها، فالأسلوب اللغوي الرفيع يشبه السيمفونية المتواصلة الحلقات المنبعثة من خارج خشبة المسرح، والشخصيتان الرئيسيتان تتناغم حركاتهما مع هذه الموسيقى، ولا يظهر أي أثر لهما في الأسلوب فالأسلوب في الرواية متشابه في جماله وخصائصه البلاغية رغم أنه منسوب لهما وبضمير المتكلم لدى كل منهما، فلا فرق بين الأسلوب المسوق على لسان الرجل أو المسوق على لسان المرأة». وقال الكردي: إن هذا النوع من روايات اللوحات القلمية لا يشترط فيه أن يلتزم الكاتب بقوانين الرواية الواقعية في تحليل الشخصيات وتطورها وواقعيتها، بل يكفيه الاعتماد على أسس أقرب إلى قوانين الصورة الشعرية واللوحة الفنية والمسرح الشعري، لأن الصدق فيها ليس قائمًا على اكتشاف الواقع عن طريق الإيهام به، بل عن طريق التعبير عنه بواسطة التصميم الفني، وهذا هو المنطق الفني الذي سوف نتبعه في التعامل مع هذه الرواية الجميلة؛ لأننا لو تعاملنا معها حسب منطق الروايات الواقعية التقليدية فسوف نكون كمن يدخل البيت من غير بابه، إذ لو فعلنا ذلك لحكمنا على البطلين مثلًا بالسذاجة والسطحية لعدم تعمق الكاتب في تحليل الشخصيات، ولحكمنا على تصرفاتهما بأنها غير مبررة من الناحية الواقعية، لشيوع عامل الصدفة«»، مختتمًا ورقته بالقول «أيًا كان الأمر فإن الكاتب استطاع أن يصنع من هذا العالم البسيط، وبهذه الأدوات السردية رواية جميلة وشائقة وعلى درجة عالية من الجودة الفنية». وتحدث محمد بن سيف الرحبي عن خصوصية المكان الذي تمثله الرواية، من حيث الحضور التاريخي لحصن جبرين في الذاكرة العمانية، واشتغال الكاتب د.سعيد السيابي على شخصية هامشية هي الحارس ليمنحه دور البطولة لمبنى أراده بانيه بلعرب اليعربي ليكون قصرًا له يعيش فيه حياته، وليس قبرًا يضم رفاته. وأشار الرحبي إلى أن المؤلف يختار اقترابه من الحصن /‏‏ القصر بطريقة الراوي الراغب في اقتطاف زهرة الحكاية من الهامش، لا من المتن، من حارس المكان لا من أصحاب السطوة، من ذلك الرجل الذي لا يتكئ على قطائف الأرائك في الغرف الفخمة، بل يتكئ على بندقيته واقفا أمام الباب الخارجي، الرجل المفتون بالحب لا بالحرب، بذاكرته يتبعها من أجل امرأة غامضة عبرته، لا بذاكرات السيوف والبنادق تحترب من أجل سلطة.

وتحدث الدكتور سعيد السيابي عن تجربته في كتابة روايته الأولى والتي استمرت سنوات عدّة قبل أن يدفع بها إلى مؤسسة بيت الغشام لطباعتها، مشيرًا إلى أن التجربة الشخصية دافع مهم لتحديد هوية الرواية حيث ينطلق المحفز الداخلي للاشتغال على ما هو قريب من الذات وتداعياتها النفسية.

كما تحدث عدد من الحضور عن الرواية بمداخلات أبانت عن إعجابهم برواية عمانية اقتربت من التاريخ العماني، علما أن مختبر السرديات بالإسكندرية يقوم بتوزيع نسخ رقمية على أعضائه من كل رواية بصدد مناقشتها.

وفي ختام الجلسة، قام مدير عام مؤسسة بيت الغشام بتسليم درع المؤسسة إلى مشرف مختبر السرديات الروائي منير عتيبة.