أفكار وآراء

هل من خطة سلام أمريكية للشرق الأوسط؟

04 نوفمبر 2017
04 نوفمبر 2017

إميل أمين -

كاتب مصرى -

[email protected] -

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والولايات المتحدة الأمريكية تلعب الدور الأول والمتقدم في الشرق الأوسط، وقد ترسخ هذا الدور بعد ضمانها لاتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979، وعليه بات السؤال هل سيقدر لواشنطن من جديد أن تكون راعيا للسلام في المنطقة هذه الأيام ؟

المعروف أن الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» كان قد أشار أثناء حملته الانتخابية إلى إمكانية حلول السلام الذي طال انتظاره ، وقال المراقبون وقتها إن الرجل لو فعلها لأضحى وعن حق «القيصر الأمريكي» الذي لا ينازع.

وفى الواقع بدأ ترامب شهور إدارته الأولى بنشاط ظاهر للعيان في سعيه، وقد كلف صهره ومستشاره المقرب جاريد كوشنير بهذا الملف، ما يعني أن الرجل مهتم بالفعل بالتوصل إلى حل.

وهنا يعني لنا أن نطرح سؤالا جوهريا: «هل لدى إدارة ترامب اليوم خطة فعلية مرتبطة بجدول زمني لإنهاء الصراع والتوصل إلى حل يرضي الطرفين وإن كان الجميع يعلم تمام العلم أن هذا أمر ليس باليسير؟

منطلق هذه القراءة اللبس الشديد الذي جرت به الأخبار مؤخرا ، وعليه نحاول هنا فض الاشتباك بين أبعاد الأزمة... ماذا عن هذا؟

في نهاية أكتوبر 2017 كانت صحيفة «يسرائيل هيوم» الإسرائيلية تتحدث نقلاً عن مسؤول أمريكي أن ترامب يعتزم طرح مبادرة سياسية شاملة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الفترة التي تمتد حتى نهاية ديسمبر القادم.

ووفقاً للمسؤول الأمريكي فإن ترامب لا يعتزم الخوض في مفاوضات طويلة الأمد مع الطرفين كما فعل سابقه في البيت الأبيض، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تعثر المفاوضات ووصولها لطريق مسدود، فهو يدرك أنه إذا منح الطرفين فسحة من الوقت للمفاوضات سيماطل الطرفان في ذلك.

علامة الاستفهام هنا هل يمضي ترامب وراء النموذج الذي خلفه وراءه «جيمي كارتر» بمعنى هل سيدعو على سبيل المثال أبو مازن ونتانياهو إلى كامب ديفيد أو إلى أي موقع أمريكي لتبدأ مسيرة سلام جديدة يمكن أن تبلور حلولاً جذرية على الأرض؟

وبالقرب من السؤال المتقدم هناك آخر أشد عمقاً وأن لم يخل من فكر البراجماتية ومفاده هل مجاناً يسعى ترامب سعيا حثيثا في هذا السياق أم أن الرجل يريد بالفعل نجاحات سياسية خارجية تدعم موقفه الأمريكي الداخلي الضعيف لأسباب عدة؟

تقول الصحيفة الإسرائيلية عن المصدر الأمريكي أن ترامب بنفسه هو من سيقود تطبيع العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وسيعقبها حديث أوسع عن العلاقات بين العالم العربي برمته وبين إسرائيل.

يكاد المرء هنا أن يشك في أن ترامب يسعى لتقديم فكرة التطبيع كأداة استقطاب لإسرائيل للمضي قدما في العملية السلمية من جهة، ومن جهة أخرى فإن أبو مازن لن يجد نفسه وحيداً في الميدان، بل محاطاً بدول عربية ، تستطيع أن تقدم له العون والاستشارة عندما يريد.

ويراهن أيضاً ترامب على المشاعر الدينية اليهودية في الداخل الإسرائيلي ، وعنده أن إسرائيل لا يمكنها أن تتوقع مبعوثين سلميين أفضل من ثلاثة مبعوثين يهود متدينين يعتمرون قبعات دينية على رؤوسهم، في إشارة لكل من السفير الأمريكي لدى تل أبيب «دافيد فريدمان» والمبعوثين «جيسون غرينبلات» و«جاريد كوشنر».

لم تكن صحيفة «يسرائيل هيوم» وحدها هي التي تحدثت عن الخطة الأمريكية للسلام، فقد أكدت الأخبار عينها القناة التلفزيونية الإسرائيلية الثانية، والتي كشفت في تقرير لها عن المزيد من التفاصيل وان تشابهت الروايات في المتن، كالقول على سبيل المثال إن إدارة ترامب تسعى إلى تقديم مقترح لترتيب الأوراق في الشرق الأوسط باسره، وليس في إسرائيل وفلسطين فحسب، والخطة المرادة تنتهي بحمل الدول العربية إلى طاولة المباحثات من أجل تطبيع عربي شامل مع إسرائيل.

القناة ذاتها ونقلا عن مصادر أمريكية تشير إلى أن الخطة ستكون مختلفة تماما عن ما طرح في السابق منذ بيل كلينتون وجورج بوش وحتى إدارة أوباما.

هل يعني ما تقدم أن هناك سيناريو معد ومحكم الأعداء والتصور لدى الرئيس الأمريكي للمنطقة وسلامتها؟

هذا ما يؤكده مسؤول مقرب من الحزب الديمقراطي في الداخل الأمريكي ، قال إنه سمع رسالة من البيت البيض تشير إلى وجود تصور فعلي .

على أن المفاجأة التي أدهشت الكثيرين مؤخراً هي نفي البيت الأبيض التقارير الصادرة حول العناوين المركزية للمبادرة الأمريكية لإحياء عملية السلام في المنطقة، فقد قال البيت الأبيض «إن التقارير التي صدرت حول المساعي السياسية التي تبذلها الإدارة الأمريكية غير دقيقة، بل وإن بعض التفاصيل المذكورة تحتوي على معلومات مغلوطة».

هل هذا النفي يعني أنه لا توجد خطة سلام أمريكية بالفعل للمنطقة؟ بالقطع لا، فالسطرين السابقين لم ينفيا بالمطلق، بل إن الصيغة المستخدمة هنا ربما تميل إلى تأكيد جوهر الموضوع، دون الالتفات كثيراً إلى التفاصيل، والتي عادة ما تسكنها الشياطين كما يقال، ولهذا فإن إدارة ترامب تحاول أن تستبقى القصة كلها في إطار من السرية كي لا يكون تسريب أي معلومات عنها مسألة تستجلب ضرراً يعوقها.

في هذا الإطار لا يمكن للمرء أن يتجاهل أو يتغافل الرؤية الأمريكية للقيادة الفلسطينية، إذا يرى ترامب أن أبو مازن طرف جاد ومهتم بالتوصل إلى اتفاق، حتى وان كان الإسرائيليون لا يرغبون في سماع هذا الكلام، بل إن الأخيرة تقطع بأنه لو كان الأمريكيون يعتقدون أن الوضع مختلف لما أضاعوا كل هذا الوقت لطرح مبادرات لحل النزاع.

وعلى الجانب الإسرائيلي يمكننا أن نلاحظ أن حكومة نتانياهو تدرك أن ترامب لن يتوانى عن دعم اسرائيل أمنياً ويتحدث نتانياهو عن ذلك دائماً، وهو مطمئن إلى ذلك.

أما السؤال الواجب طرحه: «هل متابعة الشأن الإسرائيلي يشير إلى وجود خطة أمريكية بالفعل لإحداث سلام بين الجانبين؟»

لعل الذين تابعوا في الشهرين الماضيين الحوارات التي جرت بين نتانياهو ووزرائه قد أدركوا أن هناك بالفعل شيئا ما يتبلور على الأرض، والمفارقة أن نتانياهو كان قد حذر أو أنذر وزراءه من مقاصد ترامب إذ أخبرهم أن الرئيس الأمريكي الحالي هو في الأصل رجل أعمال وليس رجل سياسة أو مفكر مؤدلج، وكونه رجل أعمال فانه يتوقع أن يجعل ممن يرفض التواصل لأي اتفاق بان يدفع الثمن، وقد شدد نتانياهو على أن التعاون مع الرئيس الأمريكي أضحى أمراً ضرورياً ، ما يمكن أن يؤدي إلى خلافات عميقة داخل الائتلاف الحاكم، يقود لاحقاً إلى انهياره، ومن ثم الدعوة إلى انتخابات جديدة أي تسويف ومحاولة كسب مزيد من الوقت.

ومهما يكون من أمر التسريبات الأخيرة، فإن دور الولايات المتحدة الأمريكية لا بد منه، إذ لم يثبت بالدليل القاطع أن هناك قوة ما حول العالم، لها من المنعة السياسية والنفوذ ما يمكنها من جمع الطرفين إلا الولايات المتحدة، غير أن هناك بعض العقبات في الطريق يمكن أن تقود الشرق الأوسط إلى مسار الحرب لا السلام، الأمر الذي ولابد له من أن يؤثر سلباً على أي خطط للسلام هنا أو هناك... ماذا عن ذلك؟

ربما تكون حرب جديدة في المنطقة كفيلة بان تذهب أحلام ترامب في أن يسجل اسمه في سجل القياصرة الأمريكيين أدراج الرياح، والحرب التي نتحدث عنها أشارت إليها مجلة الفورين بوليسي الأمريكية ذائعة الصيت الأيام القليلة الماضية، وأهمية هذه المجلة تحديداً هي أنها صادرة عن مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، أحد أهم وأقدم المراكز السياسية والبحثية الأمريكية التي تشكل عقل صانع القرار الأمريكي سواء في الخارجية أو البيت الأبيض. المجلة التي نحن بصددها تشير إلى أن الوسط السياسي الإسرائيلي مشغول اليوم بموضوع الحرب المقلبة مع لبنان وحزب الله كما أن إسرائيل تدرس سيناريوهات الحرب المختلفة والأسباب التي ستشعلها.... لكن لماذا الحرب؟

بحسب المجلة الأمريكية فإن الطبقة السياسية الإسرائيلية على أنواعها تؤكد أن تحريك ونقل «حزب الله» لترسانته وصواريخه الدقيقة والحديثة إلى الحدود الجنوبية المحاذية لإسرائيل ستكون الشرارة الأولى لبداية الحرب، والتي سترد إسرائيل من خلالها بقوة وبأشكال وتكتيكات تختلف عن حرب عام 2006.

المجلة عينها كشفت عن السيناريوهات المختلفة للحرب استناداً إلى التقارير السرية المسربة عن مناورات الجيش الإسرائيلي ومن بين هذه السيناريوهات الأكثر افتراضا هو اعتماد إسرائيل القوة الفائقة والضربات المسبقة التي ستجبر الخبراء العسكرين في «حزب الله» إلى خوض حرب تقليدية مشابهة لحرب الاجتياح الإسرائيلي في عام 1982.

السؤال الختامي هل الولايات المتحدة وإدارة ترامب تدرك بعد الإشكالية وكيف أنها تنهي إلى وقت طويل مسألة خطط السلام سيما إذا اشتعلت النيران في أثواب الشرق أوسطيين؟

المجلة الأمريكية تصدم من يقرأها إذ تشير إلى أن الموقف الأمريكي ضعيف بسبب افتقارها للاستراتيجية في المنطقة ما سيصعب إيقاف الحرب في حال اشتعالها بين البلدين.

هل الإجراءات الأمريكية والتصريحات واستراتيجية ترامب الجديدة ناحية إيران وحزب الله تقودنا إلى القول إن هناك احتمالات جدية لأن تترك واشنطن لإسرائيل القيام بدور من أدوار الحرب بالوكالة؟

مهما يكن من شأن الجواب المعروف مسبقاً ولا شك، فإن الضحية هنا ستكون مسألة السلام، وبخاصة انه على الرغم من المصالحة الظاهرة للعيان بين حماس وفتح، إلا انه وسط الحرب التي يمكن أن تندلع تبقى احتمالات دخول حماس كطرف في الحرب واردة وبقوة، ما يعني تعميق الأزمة ، سيما إذا تعاطت إسرائيل عسكرياً مع قطاع غزة من جديد، وهو سيناريو وارد، وبخاصة بعد رفض إسرائيل المصالحة بين الفصيلين الفلسطينيين ، كما أن حكومة نتانياهو مصممة على الخلاص من ترسانة حزب الله المسلحة والصواريخ تحديداً التي تعتبرها مهدداً لأمنها القومي.

هل يمكن لخطط ترامب أن تنجح؟

المؤكد أن نتانياهو وحده من يمتلك مفاتيح إشعال المنطقة لا سلامها.