أفكار وآراء

مقارنة بين برامج التنويع الاقتصادي

04 نوفمبر 2017
04 نوفمبر 2017

د. محمد رياض حمزة -

تساهم تقارير المتابعة الصحفية التي تنشرها وسائل الإعلام العمانية وكذلك الخليجية بالثناء على الجهود التي تتواصل في وحدة دعم التنفيذ والمتابعة لمخرجات تعزيز التنويع الاقتصادي «تنفيذ» وتوضيح مخرجات عملها الدؤوب التي تشتمل على 77 مبادرة ومشروعا. بالإضافة لمجموعة من المبادرات تندرج تحت فريق بيئة الأعمال للشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص والبالغ عددها 14 مبادرة ومشروعا. وعدد من المعالجات لتعزيز بيئة الأعمال في السلطنة وتسهيل الاستثمار وجعل السلطنة ملاذا آمنا لها من خلال مما تتمتع به من عوامل استقرار سياسي وجذب اقتصادي وانفتاحها على محيطات وبحار العالم مستفيدة من موقعها الاستراتيجي.

البيانات الرسمية تؤكد إن تطبيق برنامج التنويع الاقتصادي يتم وفق خطة عملية منهجية، ويقوم على جمع وتحليل البيانات والمعلومات، ومتابعة وتقييم مؤشرات الأداء الرئيسية، وتحديد جهات التنفيذ وإدارة المشاريع، من خلال فرق عمل من الكوادر العُمانية والخبراء المتخصصين من داخل وخارج الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط، بحيث يشمل قطاعات محددة في المرحلة الأولى تشمل (السياحة، والصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية) إضافة إلى الممكنات الداعمة وهي قطاع سوق العمل، وقطاع التمويل، فيما ستغطي المرحلة الثانية من البرنامج قطاعي (الثروة السمكية- التعدين). ويمكن قراءة ما تقدم بأن هدف برنامج التنويع الاقتصادي- تنفيذ مشاريع في قطاعات محددة من شأنها عند إنجازها أن تمكن السلطنة من تجاوز الأزمات المالية التي يسببها تذبذب أسعار النفط. ومن هذا المنطلق تبنت الجهات الحكومية البرنامج الذي يعتبر واحدا من البرامج الوطنية التي انبثقت من الخطة التنموية الخمسية التاسعة التي بدأت اعتبارا من بداية العام الحالي 2016 وحتى نهاية عام 2020م. بمعنى أن لدى البرنامج ثلاث سنوات في الخطة التاسعة للعمل على تنفيذ المشروعات التي قد يتواصل تنفيذها لخطة التنمية الخمسية العاشرة (2021ـــ 2025).

ومنذ انطلاق البرنامج تم تحديد ثماني خطوات: الأولى (التوجه الاستراتيجي). والثانية المختبرات (حلقات العمل). والثالثة (الأيام المفتوحة). والرابعة (خارطة الطريق). والخامسة (وضع مؤشرات الأداء الرئيسية). والسادسة (التطبيق). والسابعة (التحقق من صحة النتائج). والثامنة (نشر النتائج). ثم نشر ما تم التوصل إليه من نتائج من خلال تقارير دورية ومشاركتها مع المجتمع. وبالجهد الحثيث الذي شمل معظم المؤسسات الحكومية المعنية تواصل العمل في تنفيذ الخطوات الأولى بنجاح. ولابد أن يتواصل العمل، بذات الهمة، على وضع كافة الخطوات موضع التنفيذ.

في متابعة لمبادرات مماثلة للبرنامج الوطني العماني للتنويع الاقتصادي « تنفيذ» أطلقتها دول ناشئة ونفذتها بنجاح وتمكنت من تحويل اقتصاداتها من الركود إلى النمو المستدام. فتنظيم حلقات العمل والمختبرات التي سبقت التنفيذ ما كان يقتصر على رسم الخطوات التمهيدية. بل كان يتضمن تكليف فرق عمل متخصصة لدراسة أسلوب تمويل المشروعات المستهدفة وضمان تمويلها، حكوميا، استثماريا وطنيا أو أجنبيا. فالإعلان عن تنفيذ أي مشروع يتضمن ما رصد لتنفيذه من المال، فضلا عن كافة التسهيلات. فكانت النتائج إنجازات ضاعفت الناتج الإجمالي لتلك الدول.

فكل من ماليزيا وسنغافورة تمكنتا من تحويل اقتصادهما من متخلف إلى اقتصاد مستدام النمو. فانتهجت ماليزيا نموذجها في تنفيذ مشروعاتها التنموية بالاعتماد على الاستثمارات الأجنبية بنسبة عالية، وبدأ اقتصادها بخطة مدروسة لنقل التكنولوجيا وفق برنامج تصنيعي خاص سمي بـ«التصنيع العنقودي» وذلك بربط وحدات إدارته وتمويله بالوحدات الإنتاجية والنشاطات المتصلة بها، وجاءت بثلاثة عناصر: (الصناعات والموردون وخدمات الأعمال) بالانسجام مع المؤسسات الحكومية المسؤولة عن تنفيذ وصيانة البنى الأساسية والمؤسسات الاقتصادية التي تشمل تنمية الموارد البشرية والتقنية والخدمات الداعمة والتمويل والتأمين ونظام الحوافز. وكان أي من المشاريع التي يعلن عن تنفيذها تشفع بضمانة تمويلية إما حكومية أو من القطاع الخاص واعتادت البنوك المبادرة في الدعم التمويلي، إلى جانب ذلك عملت الحكومة الماليزية على توفير بيئة العمل المناسبة لجذب الاستثمارات من خلال استكمال البنى التحتية التي تتطلبها المشاريع وتيسير قوانين العمل للشركات داخل ماليزيا ومن خلال حوافز الاستثمار إذ أدى الاستثمار الأجنبي الى دفع الأداء الاقتصادي وخاصة الصناعي، ولم تتوقف فوائد الاستثمار إلى إقامة صناعات على الأرض فحسب وإنما هذه الاستثمارات تدفع الى استثمارات أخرى وهو ما يعرف بمضاعف الاستثمار. وكان الدعم المالي للمشاريع سواء جاء من داخل ماليزيا أو من مستثمر أجنبي كان معززا للثقة بجدوى تمويل مشاريع أخرى.

أما النموذج السنغافوري للتنمية الاقتصادية فيختلف عن النموذج الماليزي، إذ بدأ بتحويل الاقتصاد إلى قاعدة للصناعات التحويلية الموجهة نحو التصدير. وكانت المدخرات الوطنية هي الممول الأول لهذه المرحلة ثم جاء دور الاستثمار الأجنبي مما ساعد على تراكم رأس المال ورفع حصة الاستثمار في الناتج العام من 10% عام 1960 إلى 40% في الثمانينات طبقاً لتقارير البنك الدولي. كما عززت سنغافورة من القيمة المضافة لمنتجاتها من الصناعات الخفيفة مثل النسيج، والملابس، والمواد البلاستيكية إلى صناعات متطورة كالإلكترونيات، والمواد الكيميائية، والهندسة الدقيقة، وعلوم الطب الحيوي. بالإضافة إلى ذلك، مضى هذا التطور جنبا إلى جنب مع زيادة كبيرة في الخدمات، وخاصة الخدمات المصرفية. وفي عام 2014 تجاوزت قيمة الناتج المحلي الإجمال 288 مليار دولار أمريكي.

ويمكن أيضا الاستشهاد بجهود حكومة السلطنة بدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي جاءت تنفيذا لتوصيات ندوة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي عقدت في رحاب سيح الشامخات بولاية بهلا في شهر يناير من عام 2013م. عملت هيئة تقنية المعلومات على دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال عدد من المبادرات والمشاريع المهمة، من ضمنها برنامج تسجيل وتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في مجال تقنية المعلومات، والذي يعمل على إيجاد قاعدة بيانات سليمة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة ذات الصلة بتقنية المعلومات والاتصالات في السلطنة. غير أن الذي عزز عمل الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هو إنشاء «صندوق الرفد» الذي جمع برامج التمويل الثلاثة: برنامج سند، وصندوق موارد الرزق، وبرنامج المرأة الريفية، وذلك بهدف تمكين الشباب والشابات من تأسيس وتطوير مشروعاتهم الصغيرة والمتوسطة. ويبلغ رأس مال الصندوق الذي يتمتع بالاستقلال المالي والإداري ٧ ‎ملايين ريال عماني. فبين عمل الهيئة التنظيمي والإسناد المالي من صندوق الرفد يتواصل نجاح أداء الهيئة في خدماتها للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.

في موقع «تنفيذ» على شبكة «الإنترنت» للتعريف بالبرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي نُشرت توطئة مُحكمة عن المبادرة ومضامينها من مسبباتها إلى نتائجها. ولم ترد فيها أي إشارة إلى أسلوب التمويل لتنفيذ المشروعات الواعدة سوى عبارة «تحديد نسبة من الاستثمارات الرأسمالية غير الحكومية بحيث لا تقل عن 80%». بمعنى أن إسهام الحكومة في تمويل تلك المشروعات لن يتجاوز 20%. وإن القطاع الخاص الوطني والاستثمارات الأجنبية ستسهم بالنسبة المالية الأكبر في تنفيذ المشروعات الواعدة. ولابد أن يكون العمل جاريا مع القطاع الخاص والتسهيلات للاستثمارات الأجنبية بصيغة «المحطة الواحدة»