أفكار وآراء

«مسعود عقيل».. صائد المنتمين لداعش في ألمانيا

03 نوفمبر 2017
03 نوفمبر 2017

سمير عواد -

تعتمد المخابرات الألمانية في محاربتها للإرهاب على معلومات من اللاجئين أيضاً. السوري مسعود عقيل سلم الشرطة الألمانية قائمة بأسماء أعضاء ينتمون لـ«داعش»، لكن البعض يشكك في هذه المعلومات رغم ثقة وسائل الإعلام الألمانية بكلامه، حيث لم يحظ لاجئ سوري آخر باهتمام وسائل الإعلام الألمانية، لأنه أمضى فترة طويلة في سجون داعش ودون مذكراته وجمع أسماء الذين عانى الأمرّين على أيديهم.

احتجز السوري مسعود عقيل (24 سنة) لفترة طويلة في ملعب لكرة القدم في معقل داعش في الرقة، وهناك قضى مائة يوم في سجون «داعش» تنقل خلالها بين أقبية تعذيب 7 سجون. وحتى سبتمبر 2015 كان قد أمضى 280 يوماً إلى أن تم الإفراج عنه ضمن صفقة تبادل وبعدها هرب إلى أوروبا. وكان لديه ما يكفي من الوقت للتعرف على أعضاء من تنظيم «داعش». وفي أوروبا ادعى أنه تعرف على بعضهم.

وتمكن على الأقل من جمع معلومات دقيقة عن 3 منهم، وتابع بحثه على الإنترنت وأعد قائمة تضمنت عشرات الأشخاص سلمها للشرطة الألمانية. عمل السوري «مسعود عقيل» طيلة سنتين كمصور صحفي في سوريا، وكان يعد تقارير يتضمنها الشريط الوثائقي «قائمة مسعود»، الذي أنتجته قناة التلفزة الألمانية الموجهة لخارج ألمانيا «دويتشه فيللي». كما نشر كتاباً عن تجربته تضمن معلومات تعتبر هامة لهيئة حماية الدستور الألمانية- المخابرات .

وقد أنشأ جهاز المخابرات الداخلية خطاً هاتفياً مخصصاً لتلقي المعلومات من مخيمات اللاجئين، وقد وصلته حتى الآن مئات الأدلة من المعلومات التي قدمها طالبو اللجوء في عموم ألمانيا. «ننطلق في الكثير من الحالات من وجود أدلة دامغة، يجب دراستها وتتبع خيوطها»، كما قال هانس – غيورج ماسن رئيس المكتب الاتحادي لحماية الدستور أخيرا، مضيفاً أن «80 بالمائة من المعلومات شبه مؤكدة».

وهذا يعني أن الأمر لا يتعلق بمجرد تكهنات، وإنما بخطر حقيقي يتمثل بوجود مجموعات إرهابية لـ«داعش» مكلفة بعمليات في أوروبا. ويضيف ماسن بالقول إن «هناك 20 شخصاً على الأقل ممن تعرفنا على هوياتهم يخططون فعلياً للقيام بعمليات إرهابية. أما الآخرون فهم من عناصر داعش الذين أرادوا الابتعاد عن ساحة المعركة وربما اقترفوا جرائم حرب خطيرة، فأتوا إلى هنا كلاجئين من أجل تنفيذها ببساطة».

يقول «مسعود عقيل» أنه عاش معزولاً إلى أبعد حد على مدى شهور عدة في أحد مخيمات اللجوء في شمال ألمانيا عام 2016. والمثير في الأمر هنا «هو أن مسعود قال إنه تعرف على جلاديه هناك»، كما يقول المحلل السياسي غيدو شتاينبيرج من معهد العلوم والسياسة في برلين.

وتستعين المحاكم الألمانية أيضاً بشتاينبيرج، الخبير في شؤون الشرق الأوسط ، لتقييم العديد من القضايا المتعلقة باللاجئين. والمعلومات التي تقدم بها «مسعود» حسب رأيه ليست الوحيدة. «خلال موجة اللجوء من الشمال السوري بين عامي 2014 و2015 حيث دخل العديد من أعضاء التنظيمات المسلحة إلى أراضي ألمانيا».

ويضيف الخبير الألماني بالقول: «ومن هذه التنظيمات داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية . كما أن هناك حالات كثيرة تعرف فيها سكان مخيمات اللجوء على عناصر من «داعش» وأبلغوا السلطات الأمنية الألمانية عن عناصر مفترضين وأحياناً حقيقيين من داعش».

لكن في النهاية لا توجد أي ضمانات على صحة هذه المعلومات، كما يقول شتاينبيرج، الذي يعبر عن شكوكه بهذه المعلومات بعكس رئيس المخابرات الداخلية.

ويحذر الخبير الألماني بالقول: «كم كثير من المعلومات التي يقدمها اللاجئون ليست سوى وشايات أو بيانات غير صحيحة، ولهذا السبب يجب التعامل بحذر مع هذه الاتهامات».

منذ الحرب الباردة جمعت وحدة تابعة لجهاز المخابرات الخارجية في جمهورية ألمانيا الاتحادية وبرلين الغربية معلومات من اللاجئين، وبشكل خاص من الكتلة الشرقية آنذاك. وكانت التحقيقات معهم تتم من خلال وحدة مرتبطة بمكتب المستشارية مباشرة. وكان مخبرو هذه الوحدة يعملون مع المؤسسين الأمريكيين لها، عمل مشترك دام عقوداً من الزمن ونتج عنه أيضاً التزود بمعلومات لنظام ما يسمى بحرب الطائرات بدون طيار الذي كان يعمل بشكل غير شرعي على الأراضي الألمانية.

لهذا السبب تم عام 2014 إغلاق مكتب التحقيقات الرئيسي بعد الضغوط التي مارسها البرلمان الألماني آنذاك. واليوم تقوم هيئة حماية الدستور بهذه التحقيقات. والى جانب المكتب الاتحادي للهجرة يشارك في التحقيقات جهاز المخابرات الداخلية. وحتى عام 2019 سيتم إنشاء 250 مكتباً للتحقيقات. «وهو أمر ضروري»، كما يقول رئيس هيئة حماية الدستور ماسن.

لكن الحصول على المعلومات من اللاجئين يواجه انتقادات خصوصاً فيما يتعلق بمناطق النزاع في سوريا والعراق. «وذلك لأسباب لها علاقة بالمصالح السياسية»، كما يقول فولفغانغ كاليك الأمين العام للمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، ويحذر من الاعتماد على تلك المعلومات دون التحقق منها.

فمن بين اللاجئين هناك أعضاء من مختلف أطراف الصراع في سوريا، «ويريد هؤلاء تصفية حساباتهم كما هو الحال بعد نهاية كل حرب من الحروب»، حسبما يقول كاليك.

ويمثل المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان إضافة إلى منظمات أخرى أعضاء سابقين من الشرطة العسكرية السورية تحت اسم «القيصر» وهؤلاء هربوا معهم الكثير من الصور التي تظهر التعذيب الذي يحدث في سجون سوريا .

وبالتعاون مع مجموعة «القيصر» رفع المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان دعاوى قضائية ضد بعض كبار ضباط المخابرات السورية والشرطة العسكرية أمام المدعي العام الألماني في كارلسروه أدت الى إجراء عمليات بحث مطولة منها تطابق الصور مع المعلومات المتوفرة حولها .

«المعلومة الخاطئة قد تقود بسرعة إلى اتهام الأبرياء ووضعهم تحت المجهر أمام السلطات الأمنية في أوروبا»، كما يقول كاليك. ويتابع: «أخشى من استغلال المعارضين لسياسة الهجرة للمتهمين بين السوريين على الرغم من أن غالبية هؤلاء اللاجئين ضحايا للعنف».

أما اللاجئ السوري «مسعود عقيل» فإنه متشبث بقناعته بسبب معاناته في سجون داعش وأكد في تصريحاته الصحفية أنه سيتابع مهمته إلى النهاية. ويقول في هذا السياق إن «محاربة داعش هي بالنسبة لي واجب». وقد حذر في أحد اللقاءات الصحفية الأخيرة من أن ما يدفعه إلى ذلك أيضا، هو شعوره أن داعش أصبح بيننا في ألمانيا وأوروبا. ويخشى العديد من المسؤولين الأمنيين الألمان والأوروبيين أن يكون على حق. فمنذ وقت يخالجهم الشعور بأن الكثير من مقاتلي داعش إما في الطريق إلى أوروبا أو دخلوها مع اللاجئين، بعد الهزائم التي تعرضوا لها في الموصل وأخيرا في الرقة وأصبحوا بحاجة ماسة إلى ملجأ جديد.