صحافة

الرسالة : 100 عام علـى مأسـاة فلسطـين

03 نوفمبر 2017
03 نوفمبر 2017

في زاوية أقلام وآراء كتب غسان مصطفى الشامي مقالا بعنوان: 100 عام على مأساة فلسطين، جاء فيه:

منذ مائة عام وفلسطين تعيش آلام وجراحات مدملة، وتحيا واقعا احتلاليا مأساويا منذ الاحتلال البريطاني لأرض فلسطين بعد تنفيذ اتفاقيات تقاسم الوطن العربي بين الدول الاستعمارية الكبرى ما سميت اتفاقية (سايكس - بيكو) عام 1916م لتكون أرض فلسطين من نصيب بريطانيا – الدولة الاستعمارية في ذلك التاريخ- ومنذ أن وطأت أقدام البريطانيين أرضنا فلسطين حتى بدأوا بتقديم المساعدات لليهود الصهاينة من أجل تمكينهم من احتلال أرض فلسطين، ومنحهم وزير الخارجية البريطاني اللورد آرثر بلفور وعد بلفور المشؤوم في الثاني من نوفمبر عام 1917م ومنذ ذلك الوقت ألزم الصهاينة القوى الاستعمارية الكبرى بالتعامل مع هذا الوعد والمساعدة على تنفيذه، وبدأ الصهاينة حينها يكثفون الهجرات إلى أرض فلسطين، وينشئون التجمعات التعاونية الزراعية؛ وذلك ضمن خطط السيطرة على أرض فلسطين.

وبطبيعة الحال قاوم الفلسطينيون الهجرات الصهيونية إلى فلسطين، وقاوموا الاحتلال البريطاني وإجراءاته الإجرامية بحق الفلسطينيين، ورفض الفلسطينيون والعرب مخططات بريطانيا الخبيثة لتمكين الصهاينة اليهود في أرض فلسطين ووضعهم في أرفع المناصب الحكومية.

والتاريخ يسجل الثورات الفلسطينية ضد الاحتلال البريطاني وضد استمرار الهجرات اليهودية الصهيونية إلى أرض فلسطين، وأبرز الثورات ثورة البراق التي حدثت في مدينة القدس في التاسع من أغسطس عام 1929م وإضراب عام 1936 الذي استمر لمدة ستة أشهر وهو أطول إضراب خاضه الفلسطينيون ضد المحتلين، وبعدها تواصلت الثورات والمظاهرات ضد الاحتلال البريطاني حتى حرب نكبة فلسطين وتزايد عمليات القتل والتدمير بحق الفلسطينيين التي خاضتها العصابات الصهيونية من أجل تهجير وطرد أكبر عدد من الفلسطينيين من أرضهم وإحلال اليهود الصهاينة.

وبعد مرور مائة عام على وعد بلفور المشؤوم تخرج علينا رئيس وزراء بريطانيا تيرزا ماي، لتعلن افتخارها بهذا الوعد، واحتفال بريطانيا بهذه الذكرى. لا أدري أي وقاحة سياسية هذه عندما تفتخر رئيسة وزراء بأكبر جريمة قتل وإبادة وتطهير عرقي في التاريخ الحديث المعاصر؛ بدل أن تكفر بريطانيا عن أخطائها وتعتذر للفلسطينيين وللعالم عن الخطأ التاريخي تعلن أنها ستقيم الاحتفالات في الذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم.

إن فلسطين والفلسطينيين ما زالوا يعانون الويلات والنكبات جراء هذا الوعد التاريخي المشؤوم الذي غرس الكيان السرطاني في قلب الوطن العربي ليكون خنجرا مسموما يبث الفوضى والنزاعات والخلافات بين أبناء الوطن العربي، ولم يشهد الوطن العربي أمنا واستقرارا يوما منذ احتلال أرض فلسطين.

إن بريطانيا دعمت الحركة الصهيونية بكل قوة من أجل احتلال فلسطين وتنفيذ وعد بلفور المشؤوم، وأصدرت حكومة الاحتلال البريطاني مئات الأوامر العسكرية والقرارات من أجل تمكين اليهود من السيطرة على أرض فلسطين وقدمت لهم كافة المساعدات المادية والمعنوية، وكذلك كرست بريطانيا جهدها لتسهيل إقامة الوطن القومي اليهودي من خلال الاعتراف بالوكالة اليهودية والتعاون معها في كافة المجالات، وفتح أبواب الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والتسهيل لليهود لامتلاك الأراضي بشتى الوسائل، والضغط على الفلاح الفلسطيني لبيع أرضه، وتهيئة الفرصة أمام العصابات اليهودية للتدريب على القتال والتزود بالسلاح اللازم؛ وفي المقابل كانت بريطانيا تتخذ إجراءات عنصرية منها الإعدام والسجن للفلسطينيين العرب سكان البلاد الأصليين والأكثرية وتحرمهم من كافة الحقوق والواجبات والوظائف الإدارية وشراء الأراضي والحريات بهدف التمكين لليهود لاحتلال أرض فلسطين.

لقد منح البريطانيون اليهود الوعد الذهبي الذي يبحثون عنه منذ سنين، وهم يرسلون الهدايا والوفود للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني للسماح لهم بالهجرة إلى أرض فلسطين، ومن ثم تصبح فلسطين وطنا قوميا لهم، ونحن نتذكر كلماته المسطرة في تاريخنا بمداد الذهب «انصحوا الدكتور هرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين، فهي ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية، ولقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت دولة الخلافة يوما فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن، أما وأنا حي فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الخلافة، وهذا أمر لا يكون. إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة».