أعمدة

نوافـذ :هل الثنائيات أكثر قربا؟

03 نوفمبر 2017
03 نوفمبر 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يتحدثون عن تشابك العلاقات صغيرها وكبيرها، تبسيطها وتعقيدها، قربها وبعدها، وما يندس بين ثناياها من تفاصيل صغيرة (بنائية التركيب أو معولية الهدم) ويذهبون بعيدا حيث المصالح والتقاطعات، ويعودون بعد ذلك محملين بخيبات أمل، أو بإشراقات أمل أكثر، هذا هو ديدن الناس في حيواتهم الممتدة على مستوى الفرد أو الجماعة، منذ النشأة الأولى، ولا يزالون سائرين عن نفس هذه الوتيرة بعلاتها وإخفاقاتها، بنجاحاتها ومكتسباتها، تستوقفهم بعض المواقف الصادمة، فيهرولون الى القيم وضعف بناءاتها، والى التربية وضعف رسائلها، والى العرف -أحيانا- وضعف التمسك به أو الإيمان بأهميته، وينزلون ظروف العصر وتأثيراتها، وربما يحملونها المسؤولية الكبرى، ربما هروبا من واقع المسؤولية، وربما انسحابا من المواجهة.

يتحدثون عن النفاق، هذا (معول الهدم) التاريخي؛ بلا منازع في حياة الناس، ويخافون من المنافق، ويتسارون في غيابه، ولا يعلنون رفضهم لسلوكه الشاذ، ولذلك لا يؤمن منه، ولا من ضحكاته، ولا من بكائياته، ولا من سروره، ولا من أحزانه، ويدركون بخطورة مجموعة الصور المعروفة في ثالوث العلاقات؛ التي يحملها بين يديه في حضرتهم، ومع ذلك يبادلونه الابتسامة، متجاوزين حقيقة أنفسهم الرافضة لسلوكه، ويوقنون أن مجموعة الصور تلك تنقلب، بعد غيابه عنهم؛ بقدرة قادر؛ الى سهام مصوبة قاتلة، قد تستثني البعض منهم، وقد تأتي عليهم جميعا.

هذا الحال؛ عندما يكون هناك طرف ثالث يعبث بالثنائيات النظيفة القائمة بين الناس، فالثنائيات يمكنها أن تتصفى نواياها، ويمكنها أن تخلص أفعالها، ويمكنها أن تتعزز مقاومتها، وبإمكانها أن تتعاضد قواها، ويمكنها أن تتهادى نتائج فوزها، وأن تتحمل نتائجها خساراتها، فالثنائيات أقرب الى الصدق، وأبعد عن النفاق، ومن هنا يأتي التشجيع في عمل الخير بعيدا عن الأعين المتلصصة، والأعين المتربصة، والألسن المترعة بتقصي حقائق الآخرين، والثنائيات مشاريع بناء قائمة تعزز من اللحمة الاجتماعية، ولا تهدمها، تعلي شأنها ولا تربك مكوناتها، الثنائيات هي البقاء، وهي النماء.

عندما نقترب أكثر الى أنفسنا، يقل العبث، فأنت ونفسك وفقط، إن أخلصت لها؛ ساعدتك على تجاوز مظان الحياة الكثيرة، وإن عبثت بهذه العلاقة القائمة، فقد فتحت على نفسك -حسب التعبير الرمزي- «أبواب جهنم» أعاذكم الله منها، ذلك أن مجموع المهادنات التي تتم مع النفس؛ تفضي الى مجموع من المكاسب، صحيح أن النفس «لوامة» تأمرك بارتكاب الحماقات، أحيانا، ومن ثم تلومك، ولكنك يمكنك ان تقسو عليها، وتعيدها الى مسارها الذي تريد «وإذا ترد الى قليل تقنع» لا تتهيبوا من محاسبة أنفسكم، واجهوها بقناعاتكم، وبمواقفكم الرافضة للفعل المهين، يقينا تجدونها خاضعة بين إرادتكم.

نتعرض يوميا الى مواقف صادمة، وقاسية، فتردنا الهزيمة الى الخلف مسافات طويلة، ونشعر أنفسنا أننا أضعنا الطريق، وأن كل مكاسبنا في هذه الحياة منذ وعينا بها أصبحت صفرا، ومن هنا نبدأ في استنفار أنفسنا لمقاومة هذه الشعور العارض؛ الذي حل علينا بهالته المستقصية فينا كل نسمة أمل يمكن أن تجبر عثرتنا هذه، ونبدأ من جديد في تجلية مساراتنا، وفي نفض التراب العالق على أهدافنا، هنا نظن أننا واثقون من أنفسنا، وأننا سائرون حيث النهايات الآمنة، ولا أتصور غير ذلك، وعلينا أن نغلف هذه العلاقة الثنائية بيننا وبين أنفسنا، وأن لا نربكها بعلاقات ثلاثية التأثير الى الحد الذي يلغي مواقفنا وقناعاتنا، وقدرتنا على تصويب مساراتنا في هذه الحياة، فأي طرف آت من خارج هذه الثنائية ندخله بإرادتنا في هذه المساحة فأغلب التكهنات تقول: انه سيعيدنا الى مربعنا الأول، إن لم يمر بهذه الفلترة، وربما سيفرض علينا التزامات ليس بمقدورنا أن نقوم به، فنعود من جديد الى حالة من عدم الرضا، وكثرة الشكوى، فاستمسكوا بعلاقاتكم الثنائية مع أنفسكم أولا، ومن ثم رحبوا بالآخرين.