إشراقات

احترام آداب المسجد

02 نوفمبر 2017
02 نوفمبر 2017

سلوك طفل مسلم -

القاهرة /‏ أماني أحمد -

المسجد يكمل بناء المجتمع المسلم، ويقوى أركانه ويعمق في النفوس الإحساس بالفضائل التي غرستها الأسرة في أبنائها، بل يغنيها وينميها ويوجهها إلى تحقيق الغاية الكبرى للمجتمع المسلم كله، وهى هداية الناس إلى الحق وإلى الخير وإلى ما يصلح لهم دنياهم وأخراهم.

الأسرة المسلمة تنجب الأبناء وترعاهم، وتغرس في نفوسهم الفضائل، وتدفع عنهم الرذائل، ثم تدفع بهم إلى المسجد لتتكامل تربيتهم الإسلامية. البيت يعلم الأبناء والمسجد يعلم الأبناء والآباء جميعا.

يقول الدكتور على عبد الحليم محمود في كتابه «تربية الناشئ المسلم»: كل من يتأمل في تاريخ الخطوات الأولى لبناء الدولة الإسلامية، بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، يدرك أن أول الأعمال التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم هو بناء المسجد. والمسجد تدريب للمسلمين على الضبط والانضباط، فإذا صاح المؤذن الله أكبر ترك المسلمون جميعا كل ما هم فيه من عمل واتجهوا إلى المسجد إذ الدعوة موجهة من الله سبحانه، وإجابتها إجابة له سبحانه، الله أكبر من كل عمل، ومن كل أمر، ومن كل شيء، وما ينبغي أن يصرف المسلمين عن إجابة دعوته شيء.

إن المسجد يشارك البيت في تربية الأبناء وتعليم شؤون دينهم ودنياهم، وهو وقاية للإنسان المسلم من الشيطان فقد روى الإمام أحمد بسنده عن معاذ بن جبل رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إن الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم يأخذ الشاة القاصية والناحية فإياكم والشعاب، وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد» .

وللمسجد أدب إسلامي في دخوله وفى الصلاة فيه وفى المكث به قبل الصلاة أو بعدها، وفى الاعتكاف فيه والخروج منه. فلدخول المسجد أدب يتمثل في أن يدعو الداخل بدعاء ورد في السنة، فقد روى أبو داود بسنده عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا دخل المسجد:«أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم». قال : «فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم».

أو يقول الداخل في المسجد دعاء آخر رواه الإمام مسلم بسنده عن أبى حميد رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند دخول المسجد: «اللهم افتح لي أبواب رحمتك».

ومن أدب المسجد أن يصلي من دخله ركعتين قبل أن يجلس، فقد روي البخاري بسنده عن أبى قتادة السلمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس».

أما أدب الجلوس في المسجد فيجلس الإنسان حيث ينتهى به المجلس، ولا يتخطى رقاب الناس، وأن يجلس فيه هادئا خفيض الصوت، وأن يكون على وضوء، بكل ذلك وردت الأحاديث النبوية في كتب السنة. روى البخاري بسنده عن أبي واقد الليثي قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فأقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس، وأما الآخر فجلس خلفهم، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم: فأوى إلى الله، فآواه الله، وأما الآخر: فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر: فأعرض فأعرض الله عنه».

وروى البخاري بسنده عن السائب بن يزيد رضي الله عنه، قال : كنت قائما في المسجد، فحصيني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، قال : من أنتما – أو من أين أنتما-؟ ، قالا : من أهل الطائف، قال : لو كنتما من أهل البلاد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ومن أدب المسجد ألا يباع فيه شيء، ولا تنشد فيه ضالة، ولا تتناشد فيه الأشعار. وروى الترمذي بسنده عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد ضالة في المسجد فقولوا: لا ردها الله عليك».

إن الناشئ المسلم عليه أن يذهب إلى المسجد لأداء الفرائض أو لمدارسة العلم، وهو متقيد بهذه الآداب، لأن البيت المسلم الذي نشأ فيه قد حصنه وعلمه.

هذا واجب الناشئ المسلم بل واجب كل مسلم، فإن المسلم لا يتكامل إيمانه إلا بالتردد على المسجد والمواظبة على حضور الجماعات. فقد روى الإمام أحمد بسنده عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان» وزاد ابن ماجة : قال الله تعالى: «إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله».

وحدد الإسلام أمورا كثيرة وأشياء أو خصالا لا يجوز أن تمارس في المسجد، إذ ورد في تحريمها أو كراهيتها أحاديث نبوية شريفة منها ما رواه ابن ماجة بسنده عن ابن عمر رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «خصال لا تنبغي في المساجد: لا تتخذ طريقا. ولا يشهر فيه سلاح . ولا ينبض فيه بقوس . ولا ينشر فيه نبل . ولا يمر فيه بلحم نيئ . ولا يضرب فيه حد. ولا يقتص فيه من أحد. ولا يتخذ سوقا».

وعلى الناشئ والمسلمين عامة أن يتعهدوا المسجد بالنظافة والتطهير والتطييب، وإخراج أي أذى منه. فقد روى ابن ماجة بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أخرج أذى من المسجد بنى الله له بيتا في الجنة».

وكثير من المساجد في العالم الإسلامي فيها مكتبات وكتب وعلينا أن نعود الناشئ المسلم على أن يسهم في تنظيف هذه المكتبات وتلك الكتب وتنظيمها ورعايتها.

إن الناشئ المسلم إذا قام بهذا العمل فإن المسلم الإيجابي الفاعل الذي يقدم من العمل ما يرضي به الله تبارك وتعالى، وما يجعله هو راضيا عن نفسه أهلا للحصول على ثواب الله في الدنيا وحسن جزائه في الآخرة.