أفكار وآراء

كردستان العراق بعد استقالة بارزاني

01 نوفمبر 2017
01 نوفمبر 2017

عبد العزيز محمود -

بعد فشل رهانه على الاستقلال، وفقدان الأراضي المتنازع عليها في كركوك، بما في ذلك حقول النفط الرئيسية، وقاعدة كيه-وان الجوية العسكرية، قدم الزعيم الكردي مسعود بارزاني استقالته من رئاسة إقليم كردستان العراق.

ولم تكن الاستقالة مفاجئة، فالضغوط الداخلية والخارجية، لم تتوقف لإجبار الرجل على الاستقالة، حتى من أقرب حلفائه، الولايات المتحدة، بعد أن تمخض الاستفتاء الذي أجراه حول استقلال الإقليم والذي انتهى بموافقة ٩٢٪ من الأكراد عن نتائج كارثية.

فالمجتمع الدولي باستثناء إسرائيل رفض الاعتراف بالاستفتاء،وكذلك الحكومة الاتحادية في بغداد، التي اعتبرته غير دستوري ، وحركت قواتها للسيطرة على الأراضي المتنازع عليها، بما فيها حقول النفط الرئيسية، والأراضي المستصلحة من قبل الأكراد، والتي ليست ضمن منطقة الحكم الذاتي لإقليم كردستان.

من جهة أخرى لوحت إيران وتركيا بالتدخل العسكري خوفا من أن يؤدي قيام دولة كردية في شمال العراق إلى إثارة الأقليات الكردية بداخلهما.

وفي ظل أزمة داخلية وإقليمية قرر برلمان كردستان العراق في 17 أكتوبر الماضي تجميد صلاحيات بارزاني مما دفعه في 29 أكتوبر لتقديم استقالته عبر رسالة تليت في جلسة خاصة للبرلمان.

وبهذه الاستقالة ينهي بارزاني ١٢ عاما قضاها رئيسا لإقليم كردستان العراق، حيث تولى الرئاسة لأول مرة في يونيو ٢٠٠٥، وأعيد انتخابه في عام ٢٠٠٩، ثم تم التجديد له مرتين متتاليتين من قبل البرلمان.

وعقب الاستقالة وافق برلمان كردستان على مشروع قانون يقضي بتوزيع صلاحيات بارزاني على السلطات في الإقليم، لحين تحديد موعد لاحق للانتخابات الرئاسية والتشريعية التي كان مقررا اجراؤها أول نوفمبر الجاري، وتأجلت بسبب الأوضاع السياسية والعسكرية التي أعقبت الاستفتاء علي الاستقلال.

استقالة برزاني لا تعني نهاية دوره السياسي، بعد أن قرر العودة لصفوف البيشمركة دفاعا عما وصفه بمكتسبات الشعب الكردستاني، وذلك من خلال موقعه الجديد، كرئيس للمجلس السياسي الأعلى للقيادات الكردية، وهي هيئة مبهمة تشكلت عقب الاستفتاء، لتكون منصة للعب دور سياسي أساسي دون منصب رسمي.

وفي ظل هذه الأجواء تواجه كردستان العراق الآن أزمتين سياسيتين: الأولى في علاقتها مع الحكومة الاتحادية في بغداد، والتي تبدو عازمة على وضع نهاية لاستقلال الإقليم، والثانية نتيجة الصراع المشتعل حاليا بين الفصائل الكردية حول كيفية التعاطي مع التداعيات الراهنة، وفي مقدمتها من الذي ينبغي ان يقود حكومة الإقليم، لحين إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة.

وهي انتخابات يتوقع أن تفاقم الصراع الدائر بين بعض مكونات الشعب الكردستاني، والتي أصبح همها الأول الحفاظ على خصوصية الإقليم، واستعادة الأراضي المتنازع عليها في كركوك بما فيها حقول النفط، وكذلك المناطق الكردية في ديالي ونينوى.

وفي ظل هذا المناخ الملتهب يتبادل الحزبان الرئيسيان: الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل طالباني، الاتهامات حول النتائج الكارثية للاستفتاء، مما يعني احتمال نهاية الهدنة بينهما عبر تقاسم السلطة والثروة منذ عام 2003.

ويتهم فصيل بارزاني بيشمركة الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني بتسليم كركوك دون قتال للجيش العراقي، من خلال مفاوضات سرية.

وعلى الجانب الآخر يتهم فصيل طالباني سياسات بارزاني خاصة فيما يتعلق بطريقة إدارته للإقليم والاستفتاء على الاستقلال بأنها لم تكن مدروسة، وتسببت في الوضع الراهن، فيما ينذر بتجدد الصراع المسلح بين الطرفين، والذي اندلع بين عامي 1994 و2003، وانتهى باتفاق لتقاسم السلطة عقب الغزو الأمريكي للعراق.

ومن جانبها دعت حركة جوران (من أجل التغيير) بقيادة عمر سعيد علي والتي تطرح نفسها كبديل ثالث، للديمقراطي الكردستاني والوطني الكردستاني، لتشكيل حكومة إنقاذ وطني بمشاركة الأحزاب الكردية الرئيسية، بعد حل الحكومة الحالية التي يتقاسم مناصبها الوزارية حزبا بارزاني وطالباني.

وطالبت الحركة بارزاني بالاعتذار العلني عما وصفته بالفشل في إدارة الإقليم المثقل بالديون والذي يعاني من أزمة مالية، بسبب ارتفاع الدين الخارجي لـ 30 مليار دولار، وبطالة تتجاوز 20%، وجدل حول توزيع عوائد النفط (500 ألف برميل يوميا يستفيد منها 1% فقط من السكان)، فضلا عن وجود 4.1 مليون لاجئ بسبب الحرب علي داعش.

وفي محاولة لحل الأزمة يدعو الرئيس العراقي فؤاد معصوم، أحد مؤسسي الاتحاد الوطني الكردستاني مع الرئيس الراحل جلال طالباني، إلى تجميد نتائج الاستفتاء والدخول في حوار بين بغداد واربيل، لكن الحكومة المركزية في بغداد تصر علي إلغاء الاستفتاء، وليس تجميده، قبل إجراء أية مباحثات.

من جهة أخرى دخلت واشنطن على الخط، من خلال دعوتها لحلفائها في بغداد واربيل للتعاون، من اجل إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل ١٦ أكتوبر الماضي، حين سيطر الجيش العراقي على كركوك، وهو ما ترفضه بغداد التي تصر على فرض سيطرتها علي مطارات كردستان العراق (مطاري أربيل والسليمانية) والسيطرة على معبري الخابور وجيهان على الحدود مع سوريا وتركيا للحصول على التعريفة الجمركية وبسط سلطة الدولة المركزية.

وتحاول واشنطن القيام بدور الوسيط من خلال مفاوضات غير مباشرة تجري حاليا في الموصل، بهدف الحفاظ علي خصوصية إقليم كردستان العارق، وحتى يستمر التعاون بين الجانبين، في الوقت الذي تخوض فيه القوات العراقية والبشمركة معركة استعادة آخر معقل لداعش في القائم علي الحدود مع سوريا.

وتحاول واشنطن اللعب بورقة استقالة بارزاني، لتسهيل الحوار بين الأكراد والحكومة المركزية في بغداد، والعمل علي تصعيد قيادات كردية أكثر واقعية من بينهم نيجرفان برزاني (ابن شقيق بارزاني) ورئيس وزراء كردستان منذ عام ٢٠١٢، ومسرور بارزاني (نجل مسعود بارزاني) مستشار مجلس الأمن القومي للإقليم، وبافل طالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني وقباد طالباني نائب رئيس الوزراء.

وتحاول واشنطن بهذه الوساطة التوصل إلي حل وسط، يقضي أولا بقيادة مشتركة من بغداد واربيل لقاعدة كيه وان الجوية، حتى لا يستفيد من الأزمة الراهنة تنظيم داعش، وحتى لا يستثمرها لصالحهما كلا من تركيا وإيران.

لكن رئيس وزراء العراق حيدر العبادي يصر على استعادة السيطرة العراقية علي كافة المطارات والمعابر الحدودية والتي خضعت لسيطرة البيشمركة منذ عام 2014، بهدف التأكيد العراق بلد واحد، بينما يسعى الاكرأد للعودة الى خصوصية كردستان، المنصوص عليها في دستور عام 2005

كما يطالب الأكراد بانسحاب الجيش العراقي من كركوك، التي تضم 40% من احتياطي نفط العراق، ويعتبرونها بمثابة القلب في أي وطن في المستقبل، وسط شعور بالمرارة من الموقف الأمريكي ، برفض الاعتراف باستفتاء الاستقلال، الذي نظم في 25 سبتمبر الماضي، وبإعطائها الضوء الأخضر لحليفها حيدر العبادي لإرسال قوات الجيش المدعومة بالحشد الشعبي للسيطرة على كركوك وسنجار وخانقين، وهي أراض متنازع عليها، بين بغداد وأربيل.

وتصر بغداد على إلغاء نتيجة الاستفتاء أولا قبل إجراء أية مفاوضات، كما تصر على استعادة حقول النفط، خاصة وان كركوك تضم ٤٠٪ من احتياطيات العراق من النفط، والإيرادات الجمركية عبر المعابر التي كان يسيطر عليها قوات البيشمركة منذ عام ٢٠١٣.

وإزاء التشدد العراقي، من جانب رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي يستعد لخوض الانتخابات التشريعية مطلع العام المقبل، هدد الزعيم مسعود بارزاني بأن الأكراد وقوات البيشمركة سيدافعان عن كرامة وهيبة كردستان إذا واصلت بغداد لغة التهديد.

وأيا كان الوضع، في ظل الوساطة الأمريكية الجارية حاليا بين الأكراد والحكومة المركزية في بغداد، فمن المؤكد أن كردستان العراق بعد استقالة بارزاني لن تكون كما كانت قبل استقالته.