sharifa
sharifa
أعمدة

وتر : هزمني دمع عينيك يا علي

01 نوفمبر 2017
01 نوفمبر 2017

شريفة بنت علي التوبية -

من العيون التي هزمتني عيون علي، ومن الدموع التي أوجعتني دموع علي، وأنا الزائرة العابرة التي ما كانت تظن أن هناك من سيوقظ الوجع النائم في قلبها، وأن هناك من سيعرّي الحنين المستتر تحت أجنحة روحها لأحيا كل ذلك الانكسار بلحظة كنت أظن قبلها أني تجاوزت حدود الهزيمة وعبرت ممرات الوجع، لكن الدمعة المكابرة في عين علي أيقظت الوجع الغافي وأدمت الجرح الذي كنت أظنه قد اندمل، وفتحت نوافذ الحنين على مصراعيها في غرف الروح المنكسرة أجنحتها بفقد من رحلوا.

في إحدى ممرات المستشفى بقسم الأطفال للأورام السرطانية التقيت بعلي ابن الرابعة عشر من العمر، قادماً من غرفة العلاج، يسير والدمعة في عينيه تنسكب مطراً من سحائب مثقلة بالوجع، علمت بعدها أن علي عرف بطريقة أو بأخرى أن السرطان قد انتشر في جسده، وهو الذي كان ينتظر نتائج الفحوصات الأخيرة بقلب مطمئن واثق بقدرته على هزيمة السرطان، وأنه سيكون المنتصر في الشوط الأخير من اللعبة كما ينتصر دائماً على أعدائه في لعبة (البلاستيشن)، لكن السرطان كان له بالمرصاد وهو يخطو خطوة الواثق في درب حلمه لتحقيق ما تمنى أن يكون.

أكتب عن علي وعن أصدقاء علي المصابين بالسرطان، أكتب عن عمّار البطل المبتسم الضاحك في وجه الألم وعن شذا وعن فاطمة وعن قيس وأحمد وعن كل أولئك الأطفال الأبطال الراقدون بخفة وبياض ملَك على تلك الأسرّة البيضاء يقاومون أوجاعهم بابتسامة ساحرة، متحملين حرقة الكيماوي في أوردتهم الصغيرة، محتفظين بجمال طفولتهم رغم وحش السرطان الغارس أنيابه في أجسادهم الصغيرة. أكتب عن تلك الأمهات الرابطات على قلوبهن صبراً ووجعاً وهن يقضين الأيام الصعبة مع أطفالهن في غرف العلاج متشبثات بخيط الأمل المعقود بالدعاء لأن يشفي الله أطفالهن، وأكتب ربما لأتخلص من تلك الهزيمة التي تلبستني وذلك الانكسار والتشظي الذي مزق روحي وأنا أقف أمام علي وأستعيد الشعور بالعجز نفسه الذي عشته قبل سنوات حينما وقفت وقفة العاجز المخذول أمام معاناة سُعاد مع المرض حتى رحلت لأعيش هزيمة فقدها.

كانت سعاد هنا في يوم من الأيام، لكنها رحلت والسرطان لم يرحل ولم يكتف بمن أخذ، فما زال السرطان موجوداً ينتقي ضحاياه بعناية، فكم مؤلم أن نكون عاجزين أمام ألم من نحب، حيث لا شيء أشد وجعاً في القلب ولا هزيمة أكبر من أن تنهمر دمعة ألم من عين طفل يعاني.