abdullah
abdullah
أعمدة

رماد : الرؤى والأحلام

01 نوفمبر 2017
01 نوفمبر 2017

عبدالله بن محمد المعمري -

نصف عينٍ مغمضة، تُسدل ستار الأحلام، تُبعثر بعضًا من تفاصيل أيامٍ قادمة، لم تكن يومًا تخطر على بال صاحبها، سوى في أحلامه، ذلك أنها من نسج خيالاته، هروبا من واقعه، يطمئن بها قلبه، وتستكين بها جوارحه، وتهدأ نفسه وتستريح.

أما النصف المفتوح من عينه، يرقب الواقع، الذي يمقت بعضا منه، في سكون نظرته له، الصمت لما يرى حكمته التي يحفظ بها الكثير مما يشعر به من جمالية الحياة، ليجاري ما يريد من هذا الواقع بما لا يريد، وليكون لبصره الكلام حينما يسكن لسانه فاه بلا حركة، فالصمت أبلغ حديث مع ذاته، يقوّي بهذا الصمت عزيمته، لعله ذات يوم يخرج عن صمته، إن كان لكلامه وقع على واقعه.

ما بين نصف عينه المغمضة والنصف الآخر، مزيج من الحلم والواقع، ليصنع منهما عالمه، ينسج تفاصيل ما لا يرى بما يرى، وما يحلم به باليقظة، فيكوّن عالمًا أجمل في عينه، يعيش تفاصيله بما يحقق على أرض الواقع، وفي أحلامه كل ما يتمنى. تصدقُ في عينه سريرته، وتعظُم قيمة الحياة، ليس فقط لأجله، بل لأجل من حوله، أحبوه أم كرهوه، الحب والكره هنا سيّان بالنسبة له، المهم هو أن يقدم الحبّ في القول والعمل، وإن أخفق في أحدهما، اكتفى بالآخر على أقل ما مَنح لا ما مُنح.

فالصورة جميلة في عينه دائمًا، صافية الرُّؤى، واضحة الألوان، حتى وإن تحددت ألوانها بالأبيض والأسود، تظل جميلة في عينه بما تحتوي عليه من تفاصيل تشكل نصف الجمال إن لم يكن كله، وليجد فيها ضالته المسجونة خلف قضبان الأنا التي تحرر منها منذ طفولته، حينما لم يستطع أن يمتلك لعبته الخشبية، وقدمها قربانا لابتسامة أخيه، فاحتوى ذاته منذ تلك اللحظة.

تشكلت في عينه الرؤى مع الأحلام، وسارت في طريق ملؤه النور، الظلام فيها هو فقط من يسكُبه على ظل مسيره، بما كسبت يداه، و إن لم تتحقق رؤاه، اكتفى بأحلامه، وإن هجرته أحلامه سعى لتحقيق رؤاه، في تبادل يكسبه الرضى بالحياة. فلله القَدير الشكر والحمد أن خلق الرؤى والأحلام لتُبصر النفس الحياة، وتعيشها بالأمل.