الملف السياسي

لا للتخلي عن القيم والمهنية

30 أكتوبر 2017
30 أكتوبر 2017

طالب بن سيف الضباري -

كاتب صحفي -

أليس دور الإعلام الحقيقي، في واقع الأمر، هو الحماية لمصالح الشعوب، والحرص على استقرارها ؟ فالإعلامي الذي يجد في الإعلام المنحرف أسرع وسيلة للكسب المادي لا تستبعد أن يدفع هو نفسه ثمن ذلك يومًا ما.

في الوقت الذي تتطلع فيه الشعوب العربية أن يكون إعلامها العربي حريصًا على وحدة وتماسك دوله، وترسيخ القيم والمبادئ التي تدعو إلى التعاون والتكاتف في درء ما يحيط بدولة ما من مخاطر وأطماع خارجية والعمل على تهدئة الأوضاع السياسية والخلافات المستوردة، يعمد البعض منه إلى تبني وجهات نظر تسهم في ازدياد وتيرة الانقسام بين الشعوب وتأليب بعضهما على الآخر عبر مجموعة من الأقلام والأصوات التي تحاول أن تستخدم المغالطات التاريخية لصالح طرف دون آخر سواء في جانبها الطائفي أو التاريخي أو الجغرافي أو القبلي أو غيره.

إنَّ لغة الخطاب الإعلامي السائد الذي يتبعه بعضا من إعلامنا العربي حول ما يمر به الوطن العربي من أزمات متعددة سياسية واقتصادية، لم يكن في المستوى الذي كانت تتطلع إليه الشعوب، بل أصبح وسيلة لتأجيج نار الفتن والأحقاد وبثها بين الشعب الواحد في البلد الواحد، أو بين دولة شقيقة وأخرى. فوصل إلى درجة من الخطورة التي يتوجب معها حراكًا وطنيًا جماعيًا رافضًا لمثل هذه التوجهات الهدامة، والتي لا يجني منها سوى المزيد من توسيع دائرة الخلاف المؤدية، لا سمح الله، إلا إلى ضياع للمقومات التي اعتمدت عليها المسارات النهضوية والتنموية خلال السنوات الماضية.

صحيح هناك العديد من وسائل إعلامنا العربي يحاول هو الآخر جاهدًا أن يكون على مستوى المسؤولية الوطنية في دعم الوحدة العربية وتوحيد الشعب العربي ومعالجة الأزمات بأسلوب عقلاني، إلا أن ما يتبعه الإعلام المضاد لهذا التوجه من أساليب وما يملكه من أدوات في جانبه التقني ومساحة الانتشار يعتبرا أكثر تأثيرًا على المتلقي، خاصة في بعض الدول التي تمر بظروف صعبة، أو بتحولات، دفعت أو تدفع بها نحو دائرة العنف أو المواجهات المسلحة بشكل أو بآخر. فكم من وسيلة إعلامية في الواقع تعدت الخطوط المسموح بها ليس مهنيًا وإنما أخلاقيًا، وتجاوزتها من أجل خدمة أطراف تسعى إلى السلطة، أو الاستيلاء على مفاصل ومقدرات دولها، أو تحقيق المزيد من المكاسب المادية، على حساب شعوب تتطلع إلى الأمن والاستقرار والحرية وتقود أوطانها نحو المزيد من التقدم والتطور الحضاري، فكلنا يدرك ما ساهم به الإعلام غير المسؤول في القضاء على عدد من الدول، وحولها إلى ساحات للصراعات المسلحة، فأصبح ما حققته من إنجازات في مختلف المجالات أثرًا بعد عين. وتحولت بعض من قراها وأراضيها إلى مقابر جماعية لمواطنين لا حوله لهم ولا قوة، يدفعون ثمن أخطاء ارتكبها غيرهم، وحولها إلى مواد إعلامية سامة كل جملة منها تحمل رصاصة تقتل كثيرين من الأبرياء دون ذنب.

لا شك أن هناك مجموعة من النخب الإعلامية والثقافية والفكرية في الوطن العربي الكبير وكذلك مؤسسات المجتمع المدني تشعر بالأسى، وهي تتابع الحالة التي وصلت إليها بعض دولنا العربية نتيجة الانفلات الإعلامي لبعض الأقلام الصحفية والمحطات الإذاعية والتلفزيونية وتتطلع إلى أصحاب الضمائر الحية في عالمنا العربي، وفي العالم أيضًا، للتدخل لوقف هذا الانفلات واتخاذ الإجراءات التي تحمي بها تحقيق المزيد من الأمن والاستقرار والسلم في محيطنا العربي، أو العالم أجمع. فهل فعلًا نحن مدركون كإعلاميين لمسؤوليتنا تجاه الأمة، وليس تجاه فرد أو مجموعة أفراد يسعون إلى السلطة ؟ أليس دور الإعلام الحقيقي، في واقع الأمر، هو حماية مصالح الشعوب، والحرص على استقرارها؟ فالإعلامي الذي يجد في الإعلام المنحرف أسرع وسيلة للكسب المادي، أو لتزييف الواقع والترويج للفتن، لا تستبعد أن يدفع هو نفسه، ثمن ذلك يوما ما عن طريق نفس من استغله أو دفع له أو شجعه على السير على هذا الطريق.

إننا نعيش اليوم في عالم أصبحت فيه الكلمة ذات تأثير فاعل خصوصًا مع الانتشار السريع للتقنية، وما أفرزته من وسائل إعلام مصغرة متحركة، مع المواطن العربي، الذي جعلت منه بعض الحكومات كائنا ممسوخ الإرادة سهل الانقياد والتأثر والانجراف، وراء ما يزينه له الإعلام المنحرف من أوهام لتحقيق آماله وتطلعاته، حيث إن الشواهد للأسف الشديد التي يعايشها باستئثار البعض بخيرات وطنه، وغياب عدالة التوزيع فيها عديدة وتضاعف من درجة الاحتقان لديه، وتلك من بين أهم مداخل التأثير إعلاميًا لاستخدامه كوقود يشعل به نار الفتنة.

إنَّ إعلامنا العربي المسؤول في ظل الوضع الراهن، إن لم يكن أكثر وعيًا واستعدادًا وحداثة وإمكانيات مادية وبشرية لمواجهة الإعلام المضاد، سواء على مستوى القطر الواحد، أو إعلام معاد بتمويل خارجي، ستزداد نكبات الأمة، وستتسع دائرة السيطرة الخارجية على ثقافة بلدانه، وعلى إرادتها السياسية، بل وقد يتم الدفع بها نحو مسالك ودروب لا تتفق مع رؤاها ولا مع قرارها السياسي الخاص بها، لذا نقول لتلك الأقلام التي ترتمي في أحضان من يرفع سيفه في وجه المجتمع العربي، لا لتأجير الخطاب الإعلامي، ولا للتخلي عن المبادئ والقيم والأخلاق المهنية.