أفكار وآراء

الاتصال الحكومي. . من هنا نبدأ!

29 أكتوبر 2017
29 أكتوبر 2017

أ.د. حسني نصر -

سعدنا كثيرا الأسبوع الماضي بالتظاهرة الإعلامية الكبيرة التي شهدتها القاعة الكبرى بالمركز الثقافي بجامعة السلطان قابوس، والتي جمعت تقريبا الإعلاميين من مختلف وسائل الإعلام وكل المهتمين بالعمل الإعلامي في السلطنة، للإعلان عن قيام أول مركز للاتصال الحكومي في السلطنة، وهو مركز اتصالات الخدمات الحكومية، من خلال منتدى التواصل الحكومي الذي استمر يومين.

والواقع أن المنتدى المهم والمركز الجديد الأكثر أهمية كانا بالتأكيد نتاج عمل متواصل وجهود كبيرة ومبادرة رائدة من الأمانة العامة لمجلس الوزراء التي استجابت لتوصيات الدراسات العلمية ولحاجة المشهد الاتصالي العماني، بكل تفاصيله، المتزايدة لوجود مركز مرجعي يتولى تنسيق الجهود الاتصالية سواء بين دوائر الإعلام بمختلف الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية بعضها البعض من جانب، وبينها وبين وسائل الإعلام ومنصات النشر المختلفة من جانب آخر. أصبح إذن لدينا مركز للاتصال الحكومي يمكنه أن يقوم بدور ومسؤولية الناطق الرسمي باسم الحكومة والمعبر عن سياستها ورؤيتها لمختلف الأحداث والقضايا، والحامل لمبادراتها وحملاتها الاتصالية والتوعوية. وقد دشن المركز في افتتاح المنتدى حساباته على شبكات التواصل الاجتماعي التي من المتوقع أن تحمل رسائله ورؤاه إلى المواطنين والمقيمين، وتوفر له في المقابل صورة عامة عن اتجاهات الرأي العام، إذا فرضنا جدلا أن مشاركات المواطنين على هذه الحسابات تعبر عن الرأي العام. والاهم في تقديري أن المركز سيكون النموذج المحتذى للإدارات الإعلامية في مختلف مؤسسات الدولة في التعامل مع وسائل الإعلام التقليدية منها والجديدة.

نعلم أن المسؤولية كبيرة خاصة في ظل تطور وسائل الاتصال، وزحام الأحداث والقضايا التي تحتاج إلى مواكبة سريعة بالكلمة والصورة والوسائط المتعددة التفاعلية، ولكن دعونا أولا نتفق على أن هذا المركز لم ينشأ لكي يحل محل مراكز الاتصال الحكومية المنتشرة في عدد كبير من المؤسسات، كما أن حساباته على شبكات التواصل الاجتماعي لن تأخذ مكان حسابات تلك المؤسسات او تسيطر عليها، كما أن وجوده لن يكون على حساب ما تم إنجازه على صعيد الحكومة الإلكترونية، مثل البوابة الإلكترونية للخدمات الحكومية (عماننا) التي تمتلكها وتديرها وتشرف عليها هيئة تقنية المعلومات. ولذلك كان من الأفضل - من وجهة نظري - أن يخلو اسم المركز الجديد من كلمة «خدمات» ليكون فقط «مركز الاتصال الحكومي» حتى لا يتداخل الاسم مع اسم البوابة الإلكترونية التي أشرنا إليها، والتي تهدف إلى ان تجمع تقريبا كل الخدمات الإلكترونية التي تقدمها المؤسسات الحكومية في سلطنة عمان. في ضوء ذلك يمكن القول إن مهمة المركز الجديد لن تقتصر على إدارة مجموعة من الحسابات الخاصة به على شبكات التواصل الاجتماعي أو التواصل المباشر مع وسائل الإعلام برسائل وحملات إعلامية محددة، وإنما سيكون عليه أن يلعب دورا إشرافيا وتوجيهيا في المقام الأول كأن يضع دليلا للاتصال الحكومي تلتزم به مختلف مؤسسات الدولة و يتابع تنفيذها له ويقيم أدائها، بشكل دوري منتظم، وهو ما عبر عنه بدر الهنائي المدير العام للاتصالات بالمركز الجديد عندما قال في تصريحات صحفية «أن المركز يعمل الآن على وضع معايير موحدة سيجرى تعميمها على كل المؤسسات الحكومية تحقق افضل المعايير للتواصل مع المجتمع وتقديم الخدمات الإلكترونية وتقديم خدمة زبائن متميزة».

وفي تقديري أن نجاح المركز سوف يعتمد بشكل أساسي على قدرته على وضع المعايير الموحدة للاتصال الحكومي، أو بالأصح دليل عمل للاتصال الحكومي سواء تم هذا الاتصال على مستوى الاتصال الشخصي او الجمعي او المؤسسي او على مستوى وسائل الإعلام الجماهيرية او على شبكات التواصل. ومن شأن هذا الدليل أن يحدد بدقة معايير النشر الحكومي في هذه الوسائل، التي يمكن أن تشمل محددات ومقاييس واضحة لإنتاج الرسائل الإعلامية وتحريرها وإخراجها وتحديثها بما يتناسب مع كل منصة من منصات النشر، وكذلك محددات لاستخدام الرموز والصور والوسائط المتعددة، ومستوى التفاعلية المطلوب تحقيقه في هذه المنصات. ويرتبط بوضع هذا الدليل ضرورة التدريب المستمر للقائمين بالاتصال في الإدارات الحكومية على استخدام الوسائل الجديدة ومهارات التحرير والعرض، وهو التدريب الذي كانت قد بدأته وزارة الإعلام قبل عامين تقريبا. وعلى هذا الأساس فإن نجاح المركز يتوقف في المقام الأول على نجاح دوائر الإعلام والاتصال والعلاقات العامة بالمؤسسات الحكومية لأنه لن يحل محلها ولن يقوم بأدوارها وإنما سيكون المشرف والموجه والقائد الذي ينسق الجهود ويضع المعايير ويقيم الأداء. ومن هنا فإن المهارات والخطط الاتصالية الحديثة لن تكون كافية إذا لم يصاحبها أيضا تصحيح لفلسفة العمل الاتصالي الحكومي بما في ذلك تصحيح بعض المفاهيم الاتصالية التي تعيق تحقيق دوائر الإعلام لأهدافها.

والواقع أن الفلسفة التي تعمل بها بعض إدارات الإعلام لم تعد تواكب التغيرات الهائلة وغير المسبوقة التي تشهدها الساحة الإعلامية بكل وسائلها ورسائلها وجماهيرها. فالفلسفة التي كانت تناسب عصر وسائل الإعلام التقليدية، لم تعد تناسب عصر اندماج وسائل الإعلام والعصر الرقمي بوجه عام. ولذلك فإن التغيير يجب أن يبدأ بتغيير المفاهيم السائدة عن الاتصال بوجه عام والاتصال الجماهيري على وجه الخصوص. وإذا نجح المركز الجديد في تغيير هذه المفاهيم فإن تطوير الرسالة الإعلامية الحكومية ودعم قدرات القائمين عليها، وحسن اختيار الوسائل الإعلامية المناسبة لكل رسالة ستكون متطلبات من السهل تحقيقها بالتأكيد.

من المهم في هذه المرحلة أن يعمل المركز الجديد على تأهيل القائمين بالاتصال الحكومي نظريا وعمليا للتعامل مع وسائل الإعلام باعتبارها وسائط ومنصات لنشر الرسائل الاتصالية، وان يرسخ في الأذهان أن العبرة بالمحتوى لا بالوسيلة، فامتلاك الوسيلة وامتلاك مهارات التعامل معها كوسيط تكنولوجي، سيكون عديم النفع إذا لم نستطع إنتاج مضامين تهم المستخدمين وتثير اهتمامهم وتدفعهم للتفاعل معه. وعلى سبيل المثال يستطيع كل مستخدم للإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي أن ينشئ في دقائق معدودة حسابا وربما عشرات الحسابات على هذه الشبكات، ولكنه في الغالب لن يستطيع إنتاج محتوى يملأ هذه الحسابات ويربط المستخدمين بها ويتفاعل معهم، ومن هنا تأتي معظم الانتقادات الموجهة لحسابات كثير من المؤسسات الحكومية على شبكات التواصل والتي تتركز في خلوها من المضامين المهمة بالنسبة لجمهورها وغياب التفاعلية فيها.، ومن هنا أيضا سيكون على مركز الاتصال الحكومي أن يؤهل او بالأصح يستمر في تأهيل العاملين به وكذلك العاملين في المراكز والإدارات الحكومية التي سيشرف عليها في مجال إنتاج المحتوى.

من المهم أيضا أن يطور المركز النظرة الحكومية إلى جمهور الاتصال، فقد أحدثت ثورة الاتصال تغيرات كبيرة في جمهور وسائل الإعلام، وأصبحنا نتحدث عن «تفتت الجمهور» وتوزعه على قنوات متعددة للاتصال، الأمر الذي أدي الى سقوط فكرة «الجماهيرية» التي كانت تميز الاتصال الجماهيري. ولعل هذا ما دفع بعض علماء الاتصال إلى القول «أن ما يميز الاتصال الجماهيري لم يعد حجم الجمهور، وإنما الطرق التي يتم بها إنتاج الرسائل الاتصالية «، وهو ما يعني أن صناعة (المحتوى) الصالح للنشر والذي يخاطب اهتمامات الجماهير المتعددة ويشبع احتياجاتها الاتصالية يجب أن يكون حجر الأساس في عمل المركز الجديد.