أفكار وآراء

وسائل الإعلام .. حيث يتسع الحديث والرؤى والتفسير

29 أكتوبر 2017
29 أكتوبر 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

نقرأ العبارة التالية: «كيفية التعامل مع وسائل الإعلام» كثيرا هذه الأيام، وذلك من خلال الإعلانات التدريبية، كما يطلق عليها، حيث تهدف مثل هذه الدورات، لا إلى تقنين التصريحات الصحفية والإعلامية، كما يدعيه المروجون لمثل هذه الدورات، حيث يعمل المنظرون في هذه الدورات، وقد حضرت بعضها، الى حث المسؤول، على وجه الخصوص، الى عدم الاسترسال في الحديث عندما يواجه وسائل الإعلام، وخاصة في المناسبات الرسمية والعامة على حد سواء، ولكن الى شيء آخر اقرب الى الحد من الحديث الى «حد التلاشي » كما أفهمه شخصيا، مما حدا بكثير من المسؤولين اليوم الى إعداد بيان صحفي تعده دائرة الإعلام في المؤسسة، وتسليمه الى الوسائل الإعلامية المختلفة، كل ذلك خوفا من الوقوع في مأزق الإفصاح عن معلومة، ربما أهم من كثير مما هو محتفل به، والابتعاد عن مواجهة هذه الوسائل، مع اليقين أن جل المسؤولين هم في الأساس عندهم سقف درجة الـ «تحفظ» عال جدا، ولا يحتاجون أساسا الى تنويرهم في هذا الشأن لتأصيل هذا التحفظ أكثر، في الوقت الذي يتطلب فيه أن ينور المتلقي بالكثير مما هو خاف عنه عن كثير من الحقائق، حتى يتم تجفيف منابع التأويلات والتفسيرات التي تذهب الى إطلاق الإحكام المجانبة للحقيقة والشائعات، والى الأخذ والرد في قضايا لا تحتاج الى كثير من هذه التأويلات والتفسيرات، لو وضحت أمام المتلقي، وفي وقت أيضا لم تعد هناك أسرار مخفية لمختلف الموضوعات، ومن يراهن على ذلك، فهو يقع في رهان خاسر نسبته تتجاوز (99%) في ظل نمو وسائل التواصل الاجتماعي المتاحة استخدامها لكل فرد.

نعي تماما، بحكم الخبرة والمعايشة، أن الإعلام محور ارتكاز مهم في أي قضية من القضايا التي تنشأ، سواء قضية رأي عام في داخل أي بلد كان، او قضية تأخذ بعدا سياسيا أو اقتصاديا معينا على مستوى دول العالم، وهذه المحورية التي يمثلها الإعلام بأدواته المختلفة؛ التقليدية منها، أو الحديثة، فهو يستمدها من الوسائل الموصلة لمختلف الرسائل التي تبثها هذه الوسائل، وهي تصل الشرق والغرب في لحظة عين، خاصة اليوم مع تنامي الثورة الاتصالية الرهيبة، والتي أصبحت متاحة في يد كل فرد بلا استثناء، بخلاف ما كان عليه الحال قبل سنوات مضت، والمسألة وفق معطيات كثيرة مرشحة للنمو والتطور، أكثر وأكثر.

ولذلك تعطلت، وأركنت جانبا، وبطل مفعولها، كل النظريات الإعلامية، وكل مواثيق الشرف الإعلامي التي سادت حتى مطلع الألفية الثالثة، والتي كانت بمثابة أدوات حاكمة ومقننة لخط سير الرسالة الإعلامية، حيث لم تعد اليوم هذه الرسالة «حكرا» على الوسيلة الإعلامية التقليدية (صحيفة، إذاعة، تلفاز، وكالة أنباء) وإنما أصبحت رسالة «مشاعة» في يد كل فرد، وهذا الفرد هو الذي يكفيها كيفما يشاء؛ وفقا: لرؤيته، وثقافته، وأمانته، وهواجس نفسيته، ومصلحته، وانتصاراته الذاتية، وما يجنيه من ربح من أثر رسالته: سواء كان ربحا معنويا، او ماديا، ومن هنا يأخذ التعاطي مع الرسالة الإعلامية بعدا مختلفا جدا عما كان عليه الحال.

تلعب اليوم وسائل التواصل الاجتماعي، أكثر من أي وقت مضى، دورا محوريا في التضليل الإعلامي في جوانب الرسالة الإعلامية، بعد أن تنحت الى حد كبير الوسائل الإعلامية التقليدية، حيث لم تعد هي اللاعب الوحيد في المشهد الإعلامي على وجه الخصوص، فحلت التويتر، والفيس بوك، والواتس آب، والانستجرام، على جه الخصوص بقوة في هذا المشهد، ذلك لأن جميع أفراد المجتمع ينتمون إليها بلا استثناء، والاستثناء الوحيد هنا من لا يعرف ابجديات هذه الوسائل، وهم قلة مع مرور الزمن، والكثرة يسهل استقطابهم، وتوظيفهم من قبل أية جهة لديها رسالة إعلامية تود إيصالها الى قطاع كبير من الناس، وفي أي دولة كانت، ولقد أشيع في الأيام الأولى لأزمة الخليج (الأخيرة ) والتي لا تزال قائمة أنه تم (تجنيد 5000 مغرد في عدد من الدول، مهمتهم الأساسية تفتيت اللحمة التعاونية لدول الخليج، بانتحال شخصيات قطرية وكويتية وسعودية وإماراتية وبحرينية وعربية وغيرها، وذلك لكتابة وبث التغريدات والرسائل المحرضة والشتائم والسموم لإشعال نار الفتنة، وتفكيك عرى القربى والأخوة والدين) وهذه المعلومات؛ وإن تم تناقلها عبر وسيلة «الواتس آب» إلا أن حقيقتها لا يمكن نفيها، بشكل تام ومؤكد، في ظل هذا التداخل والتشتت في وسائل الرسالة الإعلامية في هذا العصر اليوم.

أظهرت أزمة الخليج الحالية ربما أكثر من أي وقت مضى المحنة التي يعاني منها الإعلام كمؤسسات، والإعلامي كمهنة في الصراع الدائر في صورة الفعل ورد الفعل، وهي محنة تمتحن فيها الموضوعية، والمصداقية، والمهنية، وهو ما انعكس في الرسالة الموجهة الى المتلقي، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدية، او وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نزل الميدان من لا علاقة لهم بالإعلام، ومن فرط هذه المحنة أن جل الرسائل التي تأتي مكشوفة، وأصبحت محل تندر من قبل المتلقي لضعف محتواها العلمي والمهني، ولمجانبتها الحقيقة التي يعرفها كل الناس، والتي يصنف أغلبها تحت باب «الكذب» لأنها تخالف الواقع الذي يعرفه كل الناس، خاصة وأننا نعيش في بقعة جغرافية محدودة، ومعروفة، ومتداخلة، حتى أن بعض الرسائل تثير الشفقة على أصحابها، واقل ما ينعت به أنهم «مساكين»، لبساطة الطرح والمعلومات التي يتكئون عليها في رسائلهم الواضح فيها الطعن، واللمز، ومجانبة الحقيقة.

يصطبغ الإعلام العماني بالصبغة السياسية للسلطنة في تعاملها مع الآخر، وفي تعالمها مع قضاياها الوطنية في الداخل، فثيمة الهدوء التي تطغى على مختلف محاور هذه السياسة، أرخت سدولها على الرسالة الإعلامية في السلطنة، ولم يظهر طوال سنوات النهضة على أنه إعلام مشاكس، أو يؤمن بالبهرجة، او ينضوي الى قضية دون أخرى، هكذا تشكل منذ البداية، واتهم في بداية الأمر بهذا الهدوء الكبير، ولكن اليوم ينظر إليه بشيء من الحكمة، مما أصبح عامل عون لمواقف السلطنة في الأحداث قريبها وبعيدها على حد سواء، وهو بغض النظر عن بعض الملاحظات الخاصة ببعض العاملين فيه، إلا أنه بهذه الصورة التي سار عليها منذ مطلع النهضة المباركة، أوجد له مساحة آمنة للبقاء نزيها دون النيل من الآخر، الذي يتصادم مع موقف السلطنة، وهنا يمكن الوقوف عند عدة نقاط خاصة بحالة إعلامنا العماني، وهي:

أولا: الحرص أن تكون الإدارات العليا للمؤسسات الصحفية والإعلامية في السلطنة من الكادر الوطني العماني. (وهذا أمر في غاية الأهمية) من حيث الشعور بأمانة المسؤولية لترجمة الرؤية الصادرة من القيادة.

ثانيا: في كثير من المؤسسات الإعلامية يظل أغلب العاملين فيها من الشباب العماني، وهؤلاء بلا استثناء يظلون الى حد ما بعيدون عن توظيفهم للعمل في أجندات أي طرف آخر لغير وطنهم، ولعلني أجزم هنا، من أن الصحفيين والإعلاميين العمانيين يظلون الأقرب الى النزاهة من حيث عدم تسليم أنفسهم لمثل هذا التوظيف المخل بأمانة الضمير.

ثالثا: خلال مسيرتي الصحفية - المباشرة - لـ (21) عام في جريدة عمان فقط، لم ألحظ أن هناك تعليمات وجهت إلينا لتبني قضية غير وطنية، وبالتالي تغييب الإعلام العماني عن القضايا الدولية الحساسة، أوجد في نفوس العاملين بشكل عام نوعا من المراقبة الذاتية في الإقدام على تبين قضايا، ليس للسلطنة فيها «لا ناقة فيها ولا جمل».

رابعا : الطرح الموجود حاليا، وكما كان سابقا، طرحا متوازنا لمختلف القضايا الإقليمية والدولية، وحتى الكتاب الذي يكتبون من خارج السلطنة، هم يعلمون أن هذا هو الطرح المقبول، وبالتالي فهم يتركون أجنداتهم الشخصية في إعلام بلدانهم، ليقينهم أن مثل هذه الأطروحات لن تجد مكانها للنشر في إعلام عمان.

خامسا: استطاع الإعلام العماني، طوال فترات تعاطيه مع الأحداث المحلية، وحتى اليوم، أن يوجد نوعا من التوازن الجميل بين مكونات المجتمع العماني، خاصة وأن السلطنة واحدة من البلدان التي تتجذر فيها القبيلة، وتعدد المذاهب، وتتمايز فيها المستويات الاجتماعية، وهذه كلها تعيش عناصر تنوع وتعدد يجمع بينها حب الوطن والتسامي على أية صغائر .

سادسا: على الرغم من القسوة في تقييم الإعلام العماني من قبل جمهوره في الداخل أحيانا من حيث إنه إعلام «تنموي»، بغض النظر عن مدى الفهم الحقيقي لذلك، إلا أن هناك إضاءات تشفع له في معالجة قضاياه الوطنية، وذلك انطلاقا من غيرة وطنية وإدراك لطبيعة ما يجري في المنطقة لا أكثر.

سابعا: أصبح من الضرورة - من وجهة نظر شخصية بالطبع - وجود «المتحدث الإعلامي» باسم الحكومة، وذلك لتفسير الأحداث، بهدف تنوير الرأي العام الداخلي، حتى لا يخضع هذا الحدث او ذاك لاجتهاد هذا وذاك، وتظل منصات وسائل التواصل الاجتماعي هي الوجهة التي يهرع إليها الباحث عن الحقيقة.

ختاما؛ وتأكيدا على ما جاء في مقدمة الموضوع؛ أقول: تظل مهمة تنوير الرأي العام من أسمى المهام التي يقوم بها الإعلام، وبالتالي فمتى غيب الإعلام عن الحقائق، اتسع المجال أمام جمهور الرأي العام لكي يخضع كل حدث او قضية حسب تفسيره، وما يتحصل عليه من معلومات، وغالبا ما تكون هذه المعلومات مغلوطة، خاصة تلك التي تبثها وسائل التواصل الاجتماعي الى حد ما.