أفكار وآراء

هيئة متخصصة للاستثمار

28 أكتوبر 2017
28 أكتوبر 2017

سالم بن سيف العبدلي -

[email protected] -

مقالنا الأخير والذي حمل عنوان (البيروقراطية تعيق الاستثمار) لقي صدى واسعا ورود أفعال متعددة مثلما كان متوقعا وقد تم تداوله عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة خاصة التوتير والفيس بك والواتس اب وقد أكد اغلب المتداخلين حول الموضوع على ان هناك بيروقراطية تعرقل وتعيق تنفيذ المشاريع الاستثمارية وتطرد رؤوس الأموال وقد وصلتنا تعليقات من عدد كبير من الإخوة القراء يسردون قصص واقعية وحالات أشد من تلك التي أشرنا إليها في المقال.

ويجب أن نعترف بأن هناك تداخلا كبيرا وجهودا مشتتة وازدواجية في العمل بين العديد من المؤسسات المسؤولة عن الاستثمار في الدولة فكل جهة تعمل منفصلة عن الأخرى فعلى سبيل المثال قامت وزارة التجارة والصناعة بإنشاء المحطة الواحدة أو ما سمي مؤخرا بـ«استثمر بسهولة» ورغم أهمية هذه الخطوة في تشجيع الاستثمار وتقليل الإجراءات إلا أنها غير كافية في ظل الوضع الحالي حيث أنه ما زالت هناك عقبات وتحديات كبيرة تواجهها الوزارة المذكورة فعلى سبيل المثال توجد في كل وحدة حكومية دائرة واحيانا مديرية مستقلة تعنى بالاستثمار وبعض الجهات ما زالت متمسكة بالإبقاء والسيطرة على الأمور المتعلقة بالاستثمار في القطاعات التي تخصها.

للخروج من هذه الحلقة المفرغة لابد من إنشاء جهاز متخصص للاستثمار وعندما نقول متخصص أي أن طبيعة عمله ومهامه الرئيسية دون غيره تتمثل في تذليل كافة العقبات وتوفير المناخ الاستثماري المناسب وتقديم التسهيلات للمستثمر المحلي والأجنبي ونحن هنا لا ننادي بإنشاء جهاز جديد وإنما يتم ذلك من خلال إعادة هيكلة الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات (إثراء) هذه الهيئة التي حاليا تقوم بجهود مقدرة فيما يخص ترويج الاستثمار للقطاعات غير النفطية حيث أعدت العديد من الاستراتيجيات والدراسات للأسواق الواعدة ويوجد لديها ممثلون في العديد من دول العالم إلا أن عملها يبقى مبتورا ما لم تملك الوسائل والقرارات والمهام التي تؤهلها أن تكون مسؤولة عن الاستثمار بشكل عام.

الهيئة الجديدة يمكن أن تسمى الهيئة العامة للاستثمار أو المركز الوطني للاستثمار أو يبقى على اسمها الحالي، فليس ذلك مهم بقدر أهمية تحويل كافة الأمور المتعلقة بالاستثمار إليها وضم كافة المؤسسات او الإدارات المعنية بالاستثمار الى جهة مركزية واحدة وبالتالي تكون هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن إعطاء التصاريح والموافقات لإقامة المشاريع الاستثمارية ويصبح لديها محطة واحدة ورؤية واضحة.

على أن تمنح الهيئة الجديدة كافة الصلاحيات ويكون لديها ذراعان استثماريان أحدهما ذراع داخلي ويهتم بكافة الأمور المتعلقة بالاستثمار داخل السلطنة من توفير الأراضي المناسبة والدراسات والتسهيلات للمستثمرين والتصاريح البيئية وغيرها إضافة الى تحديد المجالات والقطاعات الممكن الاستثمار فيها وتروج لها داخل السلطنة وخارجها، أما الذراع الآخر خاص بالاستثمار خارج السلطنة على ان يتم دمج الصندوق الاحتياطي للدولة والذي حاليا يقوم بالاستثمار خارج السلطنة في بعض المشاريع ولديه ممثلون أيضا في بعض الدول ضمن المؤسسة الوليدة.

الجهاز الجديد المقترح إنشاؤه سوف يصبح بالإمكان متابعة إنجازاته ومناقشتها من قبل مجلس الشورى وجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة كما انه سيسهل كثيرا على المستثمرين ويلغي العديد من الإجراءات الروتينية وسيتغلب على البيروقراطية وسوف سيوفر بيئة استثمارية مناسبة ويحد من الازدواجية والتكرار الحاصل حاليا وينبغي ان يكون لدى الجهاز خطة واضحة ومحددة بنوع الاستثمارات وهناك خطوة مهمة جدا ينبغي القيام بها من قبل المجلس الأعلى للتخطيط والذي بدأ بدارسة محافظتي الباطنة وهو وضع وتحديد مخططات لمختلف الاستخدامات على مستوى السلطنة.

ينبغي تحديد المناطق التي يمكن الاستثمار فيها والمجالات والأنشطة المناسبة للاستثمار على أن يتم توفير كافة البنى الأساسية والخدمات كالكهرباء والطرق والمياه وعند تقدم المستثمر لإقامة مشروع معين يتم توجيهه للمكان المناسب وبعد اكتمال كافة الإجراءات وثبات الجدوى الاقتصادية للمشروع تقوم الهيئة بتوقيع عقد حق الانتفاع طويل الأمد قابل للتجديد مع هذا المستثمر.

ولدينا تجربة ناجحة في هذا المجال فيما يخص الاستثمار في مجال الاستزراع السمكي حيث تم قامت وزارة الزراعة والثروة السمكية بتحديد مواقع خاصة بالاستزراع في عدد من المناطق الساحلية وتقوم الوزارة حاليا بتوقيع عقود حق الانتفاع مع عدد من المستثمرين المحليين والأجانب وهناك عقود وقعت بالفعل قبل فترة بسيطة فلماذا لا يتم مثل هذا الأجراء لبقية القطاعات الواعدة كالأغذية والصناعات الخفيفة خاصة أن العديد من المناطق الصناعية الحالية قد أصبحت غير قابلة للتوسع كما ان هذه المشاريع ليس شرطا ان تكون داخل هذه المناطق.

كما أن هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم لديها نفس التجربة فيما يتعلق بالاستثمار داخل المنطقة وقد وقعت مؤخرا على عقود حق الانتفاع مع عدد من المستثمرين لإقامة مشاريع استثمارية وترفيهية ومناطق سكنية وغيرها من المشاريع وهناك تجارب عالمية ناجحة على المستوى الإقليمي والدولي يمكن الاستفادة منها في هذا المجال.