أفكار وآراء

دور الموارد البشرية في برامج التنويع الاقتصادي

28 أكتوبر 2017
28 أكتوبر 2017

د. محمد رياض حمزة -

mrhamza1010@gmail .com -

كلما تراجعت أسعار النفط تطرح حكومات دول الخليج العربية برامج بمسميات عديدة مضمونها مشاريع استثمارية بعوائد مالية بديلة عن موارد صادرات النفط.. وسرعان ما تتحسن أسعار النفط وتعود موارده تدر وفرات مالية كافية لتغطية الإنفاق العام في موازناتها السنوية، يؤجل تنفيذ تلك المشاريع أو تُركن لحين تراجع أسعار النفط ثانية، فالعودة للحديث عن تنويع مصادر الدخل البديلة عن النفط.

وللمقارنة، التجربة النرويجية الناجحة في إدارة مواردها المالية التي مصدرها النفط،فمنذ اكتشاف النفط في حقل «إيكوفسك» ببحر الشمال عام 1969، أصبحت صناعات النفط والغاز الطبيعي حيوية لاقتصاد النرويج. إلا أن الحكومة النرويجية أدركت أن موارد النفط عرضة للتذبذب ولا يعتمد على ديمومة تمويل تنمية وتطوير اقتصادها، فقررت أن تساهم الموارد النفطية بالحد الأدنى في موازناتها السنوية لمواصلة الإنفاق العام، وركزت على تطوير مشاريع الصناعات التحويلية والصيد البحري والزراعة، وأبقت نسبة مساهمة عوائد النفط في موازناتها السنوية لا تتعدى 25 % من جملة الموارد المالية، وحولت الوفرات المالية من صادرات النفط والغاز للصندوق السيادي الذي أنشئ عام 1990 والذي يعتبر اليوم الأكبر في العالم، وتتجاوز ماليته التريليون دولار. وللنرويج أكثر من تسعة آلاف شركة تعمل في 75 دولة في العالم. وتعداد سكان النرويج نهاية 2016 أقل من 6 ملايين نسمة. وتأكد أن الدول التي تتصدر دول العالم اليوم اقتصاديا هي التي استطاعت مواردها البشرية إنجاز تنميتها كما في اليابان وسنغافورة ... وغيرها.

لأهمية العنصر البشري في أنشطة الإنتاج كافة توجب أن تتخصص إدارة للموارد البشرية على مستوى الدولة أو المؤسسة وتتولى أداء الفعاليات والأنشطة التي تتم في التخطيط والتنظيم والتطوير والقيادة وهي الإدارة المعنية بتحفيز الموظفين للوصول إلى أعلى مستوى من الإنتاجية بكفاءة وفاعلية.

وتعتبر الموارد البشرية وتطورها من المقاييس الأساسية التي تقاس بها ثروات الأمم باعتبار أن هذه الموارد هي أهم المكونات الرأسمالية والأصول المؤثرة في الوضع الاقتصادي والاجتماعي للدول، وأصبح المورد البشري ودرجة كفاءته هما العامل الحاسم لتحقيق التقدم. وأكد علماء الاقتصاد منذ وقت طويل على أهمية تنمية الموارد البشرية في تحقيق النمو الاقتصادي. ويعتبر الاستثمار في المورد البشري أعلى أنواع رأس المال قيمةً ومردوداً؛ لذلك اعتبر الاقتصاديون أن الموارد البشرية ذات قيمة محدودة إن لم تستغل وتُعَدُّ علميا وتُدرب لتكون قادرة على تحويل الثروات الطبيعية إلى وفرات زراعية ومنتجات صناعية وتنمية حضرية. كما أن الموارد البشرية تعتبر الأداة الحقيقية للتنمية الاقتصادية، فهي مصدر التخطيط والتطوير، وهي عنصر تشغيل وتوظيف باقي الموارد المادية المتاحة للمنشأة، كما تساهم مساهمة فعّالة في تحقيق أهداف المجتمع إذا توفرت الظروف الإيجابية التي تستثمر طاقاتها. عام 2008 نظم معهد الإدارة العامة في مسقط ندوة لمعاهد الإدارة والتنمية الإدارية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بعنوان «استراتيجية تنمية الموارد البشرية ودور معاهد الإدارة والتنمية الإدارية في تنفيذها.» وعند مراجعة مضامين أوراق العمل التي قدمت خلالها حيث تم استعراض العديد من تجارب دول مجلس التعاون الخليجي في مجال تنمية الموارد البشرية، واتضح من خلال المشاركات والمداخلات من المشاركين في الندوة أن دول المجلس تولي اهتماما لتنمية الموارد البشرية، لكنها تعمل دون وجود استراتيجية تتطور في ضوء مستجدات الاقتصاد الكلي والنمو السكاني وفي حالة غياب استراتيجية خاصة بالموارد البشرية في كل دولة من دول المجلس فهذا يعني أن الجهود التعليمية والتأهيلية والتدريبية تسير في خطوط مختلفة ومتعددة ولا يكون هناك رؤية محددة لتنمية الموارد البشرية، بل أن التعليم أو التدريب يكون من أجل التعليم أو من أجل التدريب فقط، وهذا بلا شك وضع غير سليم لأنه يبدد الجهود والأموال دون تحقيق الفائدة المرجوة، ويدل على ذلك كثرة الحديث حول عدم ملاءمة مخرجات التعليم والتدريب لمتطلبات سوق العمل في دول المجلس. وخلصت توصيات الندوة إلى أهمية إيجاد استراتيجية مؤسسية خاصة بتنمية الموارد البشرية في دول مجلس التعاون الخليجي من خلال النقاط التالية:

ـــــ إن تنمية الموارد البشرية في الطريقة الصحيحة والمطلوبة هي أساس للتنمية الشاملة في جميع مناحي الحياة المختلفة من اقتصادية واجتماعية وسياسية.

ـــــ إن التحدي الكبير في الحاضر والمستقبل هو تنمية الموارد البشرية الوطنية بالشكل الذي تتطلبه أسواق العمل المحلي والخليجي والدولي.

ــــــ وجود حاجة ماسة للحد من مشكلة الباحثين عن عمل في دول المجلس وآثارها السلبية المختلفة اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا، وكذلك الحاجة إلى تنسيق وتوحيد الجهود للحد منها أو القضاء عليها، ولا شك أن مشكلة الباحثين عن عمل جاءت كنتيجة لغياب استراتيجية خاصة بتنمية الموارد البشرية.

ــــــ وجود العديد من القوى العاملة الوافدة في دول المجلس بينما لا يوفر القطاع الخاص فرص عمل كافية للموارد البشرية الوطنية.

لذا فإن تنمية الموارد البشرية من أهم العناصر المساهمة في التنمية الاقتصادية. وتطور عمل المنظمات العالمية ذات العلاقة بحقوق الإنسان كمنظمة العمل الدولية والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وكانت لتقاريره السنوية دورا بارزا في نشر وترسيخ الجهود لمزيد من الاهتمام بتنمية الموارد البشرية. كما الإجراءات التي تتخذها حكومات دول العالم ومؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة التي من شأنها تعزز حقوق الإنسان وتنميها في مجالات الصحة والتعليم.

وفي تقرير للهيئة الاستشارية للمجلس عام 2013 حدد العوائِق التي يُمكن أن تبطئ من تحقيق التَنمية البشرية المنشودة والتي يُمكن أن تَحُد من تحقيقها:

ـــــ المُشكلات السياسة: تأتي المشكلات السياسية من أول المشكلات أو العوائِق التي تُعرقل تَحقيق التنمية البَشرية المنشودة، وما يترتب على هذه المُشكلات من تردّي الأوضاع الاقتصادية.

ـــــ المُشكلات الاقتصادية: وهي إما تكون نَتيجة للأوضاع السِياسية غير المُستقِرة، أو نَتيجة لِسوء إدارة الموارد في الدولة، مِما ينتج عنه الفقر وسوء الأحوال المعيشية للأفراد في المُجتمع وتَفشي الفقر والعوز. والذي يُعتَبر بِحد ذاته آفة تنخر في كيان المُجتمعات إذا ما تمكن منها.

ـــــ المُشكلات الصحية: وتكون نتيجة سُوء الأحوال الاقتصادية، حيثُ تنتشر بِسببها أمراض سُوء التَغذية نتيجة العوز والحاجة بِسبب الفقر بالإِضافة للأمراض، والأوبئة المختلفة التي قد تفتك بالمجتمعات.

ــــــ المُشكلات التعليمية: عدم الاستقرار وسوء الأحوال الاقتصادية يُؤدي إلى ضِعف توفر فُرص التعليم لأفراد المُجتمع، وبالتالي فُقدان النمو والتطور الذي يُوفره التعليم للمجتمعات.

ـــــ المُشكلات الاجتماعية والثقافية: وتأتي هذه المُشكلات كَنتيجة حتمية للأوضاع السِياسية، والاقتصادية، والتعليمية المتردية. حيث توفر هذه الظُروف مُجتمعات جاهلة ينتشر فيها التعصب والتطرف، والذي بدوره يوجد عدم الاستقرار والتناحر بين مختلف الأطراف.

وخلص التقرير إلى التوصيات التي يمكن من خلالها تفعيل وتطوير عملية التنمية البشرية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية:

• لتحقيق تنمية أي مجتمع، فإنه من المعروف أن المفتاح الرئيسي لذلك هو تطوير نظام التعليم وجعله هدف استراتيجي من قبل الحكومات والمؤسسات التعليمية، بما يتطلبه من إعادة صياغة للمناهج الدراسية وتطوير مهارات المعلمين والطلاب.

• ولتكون مخرجات التعليم قادرة على تحقيق المتطلبات اللازمة لسوق العمل من أجل النمو والتطوير، فإنه لابد أن يكون هناك ربط بين احتياجات هذا السوق وبين مخرجات التعليم، عن طريق التنسيق بين مؤسسات العمل وبين المؤسسات التعليمية.

• أن تكون العملية التعليمية مرنة ومواكبة لمتطلبات واحتياجات العصر.

• إنشاء مؤسسة أو هيئة مختصة تعمل على التنسيق والتكامل بين احتياجات سوق العمل وبين المخرجات التعليمية.

• الاستفادة من تجارب دول العالم المتقدم في مجال التنمية البشرية لتحقيق ما وصلت إليه هذه الدول.

• وللحفاظ على البيئة وصيانة مواردها للأجيال القادمة في دول المجلس، فإنه يجب وضع أُسس متينة لحماية البيئة ومواردها، وضم الجهود لتجنب الازدواجية على المستويين الإقليمي والعالمي.

• وختاماً، تؤكد كل الدراسات أن الإنسان هو حجر الزاوية في العملية التنموية بأكملها، لذلك فإن التنمية الحقيقية هي التي تعمل على رفع المستوى المعيشي وتحقيق الرفاهية عن طريق توفير الخدمات التعليمية والصحية ذات الجودة العالية، لحفظ كرامة الإنسان، ولتحقيق الاستقرار والتقدم المنشودين.

• ولتستطيع دول المجلس تحقيق ما تصبو إليه من تقدم وازدهار، عليها أن تستثمر في مواطنيها من خلال تعزيز إمكانيتهم عن طريق التعليم، والتدريب المبني على أُسس حديثة، ومناهج دراسية مطوّرة تواكب الفكر العالمي الحديث، وذلك لتستطيع هذه الدول أن تحجز لها مكانة مرموقة بين الأمم المتحضرة المعاصرة.