1146323
1146323
المنوعات

الشجـرة الباكيــة.. إرث يتحـول إلى ذهـب أبيـض بسبب تجــارة المطاط

27 أكتوبر 2017
27 أكتوبر 2017

سانتاماريا دي نييبي (بيرو) «د.ب.أ»: - ترتفع سامقة وسط أحراش الأمازون مترامية الأطراف، شجرة يصل ارتفاعها لأكثر من عشرين مترا، تضفي على الغابة العتيدة مهابة لا تضاهى، إنها «الشيرينجا» أو الشجرة الباكية كما يطلقون عليها في لغة الكيتشوا، وكان السكان الأصليون من شعوب حضارة الأنكا يستخرجون منها المطاط لاستخدامه في شعائرهم الطقسية، ولا يزال أحفادهم إلى اليوم يمارسون تلك الطقوس، بالإضافة إلى بيع المنتج بصورة تدر عليهم دخلا وتسمح لهم بالحفاظ على التوازن البيئي وحماية المنطقة من أعراض ظاهرة التغير المناخي.» سوف أظل أعمل مع الشيرينجا حتى آخر يوم في عمري.

إنه عمل يبهجني، لأنه عمل لا يقتل جسدها، على عكس من يعملون في قطع الأخشاب، الذين يقطعون أوصالها. ولهذا أتمنى أن يتعلم صغاري وزوجتي هذه المهنة، لأنه عندما أموت، كيف سيمارسون هذه المهنة؟»، يقول جرمياس ابيكاي، أحد السكان الأصليين من عرقية اواجون، ويعمل في استخراج المطاط من الشجرة الباكية منذ 2015. يعيش ابيكاي «54 عاما» في تجمع تابع للسكان الأصليين بمنطقة داتيم انتسا، بمحمية تونتانيان الوطنية (RCT)، حيث تغطي أشجار المطاط البرية مساحة 1850 هكتارا، حيث يطلق عليها السكان الأصليون في هذه المنطقة أيضا اسم «حراس الأحراش». منذ القدم يمارس «الشرينجيروس» أو عمال المطاط، حرفة الأجداد، حيث يستخرجون «حليب» هذه الأشجار أو المطاط، الذي يطلقون عليه «ذهب الأمازون الأبيض»، ويستخدمونه في صناعة الألواح والجلود النباتية التي تصنع منها الثياب والأحذية أيضا، وحقائب الظهر وأحيانا إطارات السيارات.

تمارس ثلاث عائلات في منطقة داتيم اتناس، وهي واحدة من بين 23 تجمعا للسكان الأصليين، حرفة استخراج المطاط الطبيعي. يتميز أبيكاي، داكن البشرة، فارع الطول، من بين جميع العاملين في المجال بحماسه الشديد وإخلاصه، على الرغم من عدم حيازته للكثير من الأشجار، ومن ثم تقل كمية المطاط التي يستخرجها مقارنة بغيره من السكان الأصليين في المنطقة.

«لدي 46 شجرة فقط لأني لست من هنا. بقيت داخل العشيرة من أجل عائلتي، ولهذا ليس لدي أراض شاسعة.

أريد غرس أشجار الشيرينجا في قطعة الأرض التي تحت يدي من أجل أبنائي وأحفادي. هذه هي فكرتي»، يتابع ابيكاي بينما يراقب لحاء إحدى الشجرات الباكية التي تنمو بصورة طبيعية في أمريكا الجنوبية. تجدر الإشارة إلى أن أبناء عرقية الأواجون، كانوا أول من وافق عام 2015 على المشاركة في مشروع أطلقه برنامج الأمم المتحدة للتنمية بمحمية تونتانيان الوطنية.

يوضح اليخاندرو ويسوم «62 عاما» وهو أحد أبناء عرقية الأواجون أن «أهم شيئ في الحصول على إنتاج جيد من المطاط هو الاعتناء بالشجرة الباكية والتعامل معها بحكمة وصبر. يمتلك اليخاندرو 135 شجرة وما زال يتعلم المراحل الأولى من عملية الإنتاج: كيفية شق لحاء الشجرة بمكشطة خاصة لاستخراج حليب المطاط.

ويضيف ويسوم «نقوم بوخز الشجرة بعناية وبمنتهى الحرص، لأن أي تعامل بصورة خاطئة قد يتسبب في إصابة الشجرة بالتسوس. إنني أتعلم الأمر شيئا فشيئا. أريد تعلم كل شيء في التعامل مع الشيرينجا، الاستفادة منها ورعايتها لكي لا تموت أشجارنا، وإلا ماذا سوف نتنفس، لأنه كلما كانت الشجرة أكبر، جلبت هواء أكثر». تجدر الإشارة إلى أنه لا يبدأ استخراج المطاط قبل أن تكمل الشيرينجا عامها الثالث، ويتم ذلك عن طريق عمل شق في لحائها على شكل حرف (v)، ويجب أن لا يتم ذلك في ساعة القيظ بل في ساعة تكون درجة حرارة الشمس لطيفة، كما لا يجب عمل ذلك وقت هطول المطر.

بعد المرحلة الأولى يعود «الشيرينجيروس إلى منازلهم، وينتظرون لمدة 12 ساعة لحين انتهاء شجرة المطاط من إفراز لبنها. داخل الشق يغرس أنبوب معدني ينساب من خلاله الحليب المطاطي قطرة قطرة، عند جزع الشجرة ينصب حامل خشبي يوضع فوقه وعاء يتجمع فيه السائل الكثيف.

في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية ( د.ب.أ) يوضح خبير متخصص من برنامج الإنماء التابع للأمم المتحدة قائلا «يستغرق جمع السائل ثلاث ساعات. وتفرز كل شجرة ما يعادل مترا ونصف المتر من المطاط يوميا.

عند انتهاء عملية الإفراز، يجب ترك الشجرة لتستريح لمدة يوم كامل، وإلا فإن عدم فعل ذلك ينتج عنه سوء استغلال للشجرة، في اليوم الثالث، يمكن معاودة عملية الإنتاج مرة أخرى».عند الانتهاء من جمع المطاط يكون أمام الشيرينجيروس اختياران: تحويل السائل الأبيض إلى ألواح، تباع حسب الوزن للشركات في العاصمة ليما، أو تحويلها إلى جلود طبيعية، يتعلمون تصنيعها لإنتاج ملابس وأحذية وحقائب.

في الحالة الأولى، يتعين على المنتج «غربلة» المطاط وزيادة صلابة قوامه باستخدام حامض الستريك، وبعد ذلك صبه في ألواح باستخدام ماكينة، وفرده بواسطة بكر سلاسل، وتركه ليجف، في المدة الكافية ليصبح سطحه قاسيا.

بدأت مؤخرا في العشيرة عملية تصنيع الجلود النباتية، وتتلخص العملية في مزج المطاط بالكبريت، وبيكربونات الصوديوم، وأكسيد الزنك ومواد تلوين. يتم فرد الخليط على قطعة قماش من القطن، ثم تترك في الشمس لمدة أسبوع. وبدأ المشروع بالفعل يؤتي ثماره، حيث حصل ابيكاي على 65 دولارا من أول صفقة بيع ألواح مطاط، ويعتبر مبلغا معقولا بالنسبة لشخص ينحدر من السكان الأصليين ويعيش في منطقة تعد من أفقر بقاع بيرو وأكثرها عرضة لمخاطر التغير المناخي.

شجعت هذه العائدات مزيدا من العائلات في العشيرة على دخول مجال «البزنيس الأخضر». يصل سعر الكيلو جرام من ألواح المطاط إلى دولارين، وهذا يعني رفع متوسط دخل أسرة من السكان الأصليين إلى 40 دولارا شهريا. حيث تستطيع الأسرة التي لديها 100 شجرة الحصول على 30 كيلوجراما من ألواح المطاط شهريا. تدرك عشائر السكان الأصليين أنه كلما ارتفعت درجة حرارة الأرض، كلما زاد هطول الأمطار بغزارة، كما تتسبب الرياح العاتية في سقوط الأشجار، لتحطم المنازل، ومجال نشاطهم الاقتصادي المحدود الذي يعتمدون عليه، ويعتمد عليه أيضا التوازن البيئي في المنطقة.

يعتبر إنتاج الأشجار الباكية دليلا على أنه من الممكن توفير فرص عمل من خلال الموارد الطبيعية وبصورة مستدامة، نظرا لأنه لا يتم قطع الأشجار، ومن ثم لا مجال لحدوث ظاهرة إزالة الغابات، على العكس يتعلم أبناء تجمعات السكان الأصليين كيفية العناية بالأشجار والتعامل بحرص معها، حيث ينظر سكان أحراش الأمازون إلى الشجرة على أنها أصل الكون بالنسبة لهم.