أفكار وآراء

نجم ميركل .. هل سيتجه نحو الأفول؟

27 أكتوبر 2017
27 أكتوبر 2017

سمير عواد -

تقود صحيفة «بيلد» الشعبية التي توزع 12 مليون نسخة يوميا حملة ينبغي أن تأخذها ميركل على محمل الجد، وتعتبرها تهديدا مباشرا لها. وتُعتبر صحيفة «بيلد» من ضمن أبرز الذين أيدوا ميركل منذ أن فازت في نهاية عام 2005 بمنصب المستشارية، وكانت أول امرأة تحصل عليه، وهي تدير السلطة في برلين منذ اثني عشر عاما، وحصلت على تكليف من الناخبين في 24 سبتمبر الماضي لتشكيل حكومتها الرابعة والأخيرة كما يقول المحللون الألمان الذين يعتقدون أنه ينبغي عليها إعداد خليفها أو خليفتها للمرحلة القادمة.

بينما طلب بيتر جاوفايلر النائب السابق في الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري في رسالة مفتوحة نشرتها صحيفة «زود دويتشه» من رئيس الحزب هورست زيهوفر التنحي عن منصبه لغيره لا يجرؤ أحد في الحزب الشقيق المسيحي الديمقراطي على مطالبة ميركل بمثل هذه الخطوة. لكن المعلق الألماني المطلع نيكولاس بلومه كتب مقالا في صحيفة «بيلد» في مطلع أكتوبر الجاري ذكر فيه أن النقاش يدور وراء الكواليس في ردهات حزب ميركل حول ضرورة تنحيها عن مناصبها بعد أن بدأ نجمها في الأفول حسب تصور هؤلاء. ويؤكد الجدل الصامت حول مستقبل ميركل أنها أصبحت محاطة بالذين يتسابقون على خلافتها من أبناء وبنات الجيل السياسي الجديد في الحزب المسيحي الديمقراطي، وإذا لم يكن بوسعها ترشيح خليفة لها فإن المتنافسين والمتنافسات سوف يطلبون ذلك من فولفجانج شويبلي وزير المالية السابق وثاني أقوى رجل في الحزب المسيحي الديمقراطي، والوحيد الذي يستطيع الوقوف في طريق ميركل، وإذا تخلى عنها فمعنى ذلك نهاية حياتها السياسية من وجهة نظر بعض قيادات الحزب. وسيتم انتخاب شويبلي في منصب رئيس البرلمان الألماني، وهو ثاني أعلى منصب في الدولة بعد رئيس الجمهورية وقبل المستشارة. ويعتقد بعض المراقبين أن شويبلي سوف يلعب دورا أساسيا في خطة عمل الحزب للسنوات القادمة التي ستلي مرحلة ميركل، وذلك في ضوء تراجع الثقة بميركل من قبل شباب الاتحاد المسيحي الذين يثقون بشويبلي أكثر وفق عدد من القراءات.

ويُعتبر فوز حزب ميركل الأخير الأكثر مرارة منذ عام 2005م، فقد أدى فشل الاشتراكيين إلى عزوفهم عن مواصلة الائتلاف تحت قيادة ميركل، تاركين لها الخيار الثاني والأخير، وهو تشكيل ائتلاف مع الحزب الليبرالي وحزب الخضر، حيث أدرك كل منهما حاجة ميركل إليه، وأصبحا يطالبان بتنازلات؛ لأن ميركل وكافة الأحزاب الكبيرة التي خرجت صغيرة من الانتخابات الأخيرة تعتقد أن حزب «البديل من أجل ألمانيا»، سيكون الرابح الكبير إذا جرت انتخابات جديدة في حال فشل تشكيل ائتلاف جديد. ورغم عدم وجود أسماء مطروحة لخلافة ميركل إلا أن مؤيديها في الحزب بدأ عددهم يتراجع باطراد، وهم على ثقة بأن مرحلة ميركل التي بدأت في عام 2000 عندما فازت بمنصب رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي وبالمستشارية بعد خمسة أعوام، قد شارفت على النهاية. ويتفق المراقبون على أن أزمة اللاجئين وما نتج عنها من صعود الشعبويين الألمان بقيادة حزب «البديل من أجل ألمانيا»، الذي اقتحم الحياة السياسية وغير معالم الحياة الحزبية في برلمانات الولايات، ثم أصبح ثالث أقوى حزب في البرلمان الألماني «بوندستاج» الذي لم يدخله حزب له أفكار قريبة جدا من النازيين منذ تأسيس ألمانيا الاتحادية على أنقاض ألمانيا النازية في عام 1949. وستذكر كتب التاريخ اسم ميركل، وتعتبرها أحد أسباب ظهور الشعبويين الألمان، الذين استغلوا أزمة اللاجئين في سبتمبر 2015 ليثيروا المخاوف والقلق في نفوس المواطنين الألمان، وتحريضهم على إدارة ظهورهم للأحزاب التقليدية الكبيرة، وأصبح حزب «البديل من أجل ألمانيا» يعتبر نفسه الحزب الذي يتكلم نيابة عن الناخبين الناقمين على الأحزاب الكبيرة.

وأخذ منتقدو ميركل عليها العبارة التي ذكرتها بعد إعلان نتائج الانتخابات العامة وحصول الاتحاد المسيحي على أسوأ نتيجة له منذ عام 1949م، رغم أنه كان أقوى حزب وحصل على تكليف تشكيل حكومة ميركل الرابعة، حين قالت «إنني لا ألاحظ أن هناك ضرورة بأن نغير سياساتنا». واعتبر خصوم ميركل هذا الموقف إشارة من ميركل بأنها عاجزة عن العمل بسياسات بديلة وأنها لم تدرك أن نهجها هو الذي تسبب في تراجع شعبية حزبها. وفي أول انتخابات برلمانية محلية تمت بتاريخ 15 أكتوبر في ولاية «سكسونيا السفلى» خسر حزب ميركل المنافسة أمام الاشتراكيين، وكانت هذه الانتخابات أول اختبار لمزاج الناخبين في الولاية المذكورة بعد وقت قصير على الانتخابات العامة، وفي العام المقبل سوف يشتد الضغط على ميركل من قبل حلفائها البافاريين، فإذا فشل الحزب الاجتماعي المسيحي في الحصول على الأغلبية المطلقة لأول مرة منذ تأسيس ألمانيا، سوف يسقط حليفها زيهوفر الذي رفض نصائح بالتنحي عن منصبه وترك غيره ينقذ الحزب من كارثة محتملة. وسوف يحمل زيهوفر المستشارة الألمانية مسؤولية الهزيمة وصعود الشعبويين الألمان في ولايته المحافظة.

وتشير معلومات وإحصائيات إلى أن حوالي 2.5 مليون ناخب تخلوا عن التصويت لحزب ميركل، وصوتوا في الانتخابات العامة الأخيرة لصالح حزب «البديل من أجل ألمانيا»، احتجاجا على تساهلها في أزمة اللاجئين، وانتخب بعضهم الحزب الليبرالي، حتى يتسنى له دخول البرلمان الألماني «بوندستاج»، وتشكل ميركل ائتلافا معه.

لقد وعدت ميركل ناخبيها بأن تشغل منصبها حتى آخر نهاية الدورة الدستورية، وإذا شكلت حكومة ائتلافية مع الليبراليين والخضر، وخلفها معارضة قوية بقيادة الحزب الاشتراكي الذي يتطلع لاستعادة السلطة في برلين بعد 4 أعوام، أضف إلى ذلك لجوء الشعبويين الألمان لاستفزازها باستمرار، فإن السنوات الأربع القادمة، لن تكون مريحة أبدا بالنسبة لها على الأرجح.