المنوعات

كتاب ملهم يقرأ تحديات الحاضر بالتمعن في الماضي

27 أكتوبر 2017
27 أكتوبر 2017

«العقال: موجز تاريخ البشرية» -

سكوت ستيفنسون -

ترجمة: فاطمة بنت ناصر -

يتناول كتاب ( العقال : موجز تاريخ البشرية ) للمفكر نوح هراري عدداً من الأسئلة التي شغلت أذهان البشر وما زالت كسؤال: من أين أتينا وإلى أين نمضي؟ ولماذا نحن هنا؟ شخصياً لا أملك إجابات على مثل هذه الأسئلة البالغة في التعقيد والتحدي ولكن كتاب هراري يستعرض التاريخ البشري بشكل ممتع وملهم منتجا رؤى مثيرة محفزة للتفكير بالمستقبل وللتأمل في الماضي.

في هذا الكتاب نجد الكاتب يدمج ببراعة كل من التاريخ والعلم مستخدما لهما كأداتين لتفسير التاريخ البشري ولمواجهة كل ما قد عرف عنهما. ففيما يتعلق بماضي البشرية نجد الكاتب يضع التفاسير للقوى التي تشكلت بها المجتمعات وكيف يمكننا تسخير ذلك لتغيير مسار القرون القادمة.

وعلى الرغم من اعتراف هراري بأن ما يخبئه المستقبل مجهول وأنه شخصيا سيتفاجأ إن تحققت توقعاته بشأنه، إلا إننا بتطبيق ما جاء به الكتاب من النظر في الماضي وتدبره نجد إننا بالفعل نرى مؤشرات للقادم في المستقبل. وخير مثال على ذلك المثال الذي ورد في الكتاب عن إمكانيتنا في الاعتقاد بشكل شبه مؤكد بأن النمو الاقتصادي يحتاج إلى أمرين: الطاقة والمواد الخام. وهذان الشيئان لا يمتازان بالديمومة بل هما نافدان لا محالة. وفي ذلك نقتبس قول الكاتب: «إن كل البراهين في الماضي تثبت أنهما نافدان على المستوى التنظيري فقط، فنحن نلاحظ ازدياد استهلاك البشرية للطاقة والمواد الخام وعلى الرغم من ذلك زادت هذه الموارد ولم تنقص».

وهذا الأمر ليس بالغريب إذا أمعنا النظر في الماضي. فالإنسان لم يتوقف به الأمر عند اكتشاف إن النار تعد مصدرا للحرارة ولكنه اكتشف أيضا إنها قابلة للتحويل إلى مصادر أخرى حين تعلم كيف يضع الإبريق على النار ورأى شكلاً جديداً آخر يخرج منه وهو البخار. ومن هذا المنطلق نجد أن مسيرة البشرية كلها تتلخص في مواجهة الإنسان لموارد محدودة قابلة للنفاد وبين مقدرته اللانهائية على الابتكار والاختراع. وأنا أشعر أن القائمين على إنتاج الطاقة في الوقت الحالي يرون أنفسهم من هذا المنطق. فليس بالغريب عليكم ما نمر به من تحديات راهنة في مجال الطاقة أبرزها انخفاض أسعار النفط وتضاؤل الطلب على الوقود الأحفوري. الأمر الذي يجعل الشركات المعنية بأمور الطاقة أمام مرحلة تفرض عليهم إعادة التفكير والمراجعة الشاملة بشكل جدي. ولعل هذه المؤشرات أكثر تأثيراً على شركات الطاقة الأوروبية حيث تواجه توجها حكوميا عازما على استبدال المركبات الحارقة للوقود بمركبات كهربائية تخفض الانبعاثات الضارة وتقلل الاعتماد على النفط. فهذه التدابير تبدو مبررة أمام المخاوف المتزايدة من تلوث الهواء ومخاطر التغير المناخي.

إن هذه المخاوف البيئية من استهلاك الطاقة بالشكل الحالي هي ليست بالمخاوف الجديدة ولكن ما تغير خلال السنوات القليلة الماضية هو دخول مصادر الطاقة البديلة بشكل منافس أكثر من ذي سبق وهي تسوق نفسها كمصادر طاقة أكثر استدامة. ومن هذه المصادر: الرياح والطاقة الشمسية التي تبدو إنها أصبحت مستعدة لتغيير أسواق الطاقة الحالية. وفي خضم هذا التحول الحالي من سوق تهيمن عليه الطاقة الهيدروكربونية إلى سوق للطاقة المتجددة تبني حالياً حصة معتبرة لها في السوق، سنجد أن اللاعبين المهيمنين في أسواق الطاقة سوف يسعون للسيطرة على كافة التقنيات الحديثة في هذا المجال بدءاً من مرحلة التمهيد والصناعة وحتى مرحلة الانطلاق والسيطرة على السوق.

■ نشر المقال الأصلي بمجلة

«FORBES» بتاريخ 18-10-2017