أعمدة

نوافـذ :ملفات .. تظل مفتوحة

27 أكتوبر 2017
27 أكتوبر 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يأتي مفهوم الملف في ذاكرتنا الفردية على أنه مجموعة من الأوراق يجمع بينها موضوع ما، حيث يندر أن يتضمن الملف الواحد أوراقا لموضوعات مختلفة، هذا هو العرف العام لمفهوم الملف، ولذلك تتضخم الملفات وتتهرطل؛ وتصاب بداء السمنة من كثرة أوراقها؛ حتى لا تكاد تتحملها أرفف الدواليب، في بعض الأحيان، ويصاب بعضها بالهزال والنحافة؛ لأن موضوعها بسيط، ولا يحتاج إلى كثير من الأوراق، وإن تحول اليوم موضوع التخزين إلى أقراص ممغنطة؛ حيث يستوعب الملف الواحد كل أوراق الدولة الواحدة، وليس فقط؛ أوراق مؤسسة واحدة، ومفهوم الملف يعتبر مفهوما حديثا نسبيا، ولكن بدأ يأخذ دوره كأحد الصور الذهنية المهمة في حياتنا اليومية، ولذلك تحول مفهوم الملف في آلية الدور الذي يلعبه من المؤسسة التي تحتوي على عشرات الآلاف من الملفات؛ إلى الحاضنة الشخصية عند كثير من الناس، خاصة أولئك الذين لديهم أعمالهم الخاصة، ولا أقصد بالخاصة هنا المؤسسة الخاصة، وإنما الأعمال الخاصة المتمثلة في الأوراق الخاصة كالصكوك والعقود، والصور الخاصة، والمذكرات الخاصة، والبحوث والدراسات للباحثين، والمقالات والقصص للكتاب، وقس على ذلك أمثلة كثيرة، وبمعنى آخر يأخذ مفهوم الملف حيزا مهما في ذاكرتنا اليومية، وكلما أيقظتنا الذاكرة لأمر ما، سارعنا إلى البحث عن ملف الموضوع، المنضد داخل أرفف دواليبنا التي تأخذ ركنا في أحد زوايا منازلنا الجميلة الآمنة، أو إنشاء ملف آخر.

تحتضن كل التجارب التنموية في أية دولة في العالم عددا من الملفات، وهي ما يطلق عليها الملفات «التنموية» وهذه تخرج عن سياق مفهوم الملف العادي المكون من عدد من الأوراق، وإنما يذهب إلى مفاهيم كبيرة تتضمن استراتيجيات، وخططا، وبرامج، فهناك الملف الاقتصادي، وهناك الملف الاجتماعي، وهناك الملف الثقافي، وهناك الملف السياسي، والملف الصحي، والملف الأمني، ويندرج تحت كل هذه الملفات المهمة جدا عدد من الملفات تحتوي على موضوعات مختلفة تتدرج أهميتها، وحجمها حسب الموضوع الذي تتناوله، فالملف الاجتماعي به كثير من التفاصيل، كالضمان الاجتماعي، والمسكن الاجتماعي، والأسرة، والمجتمع، والحياة الكريمة، وغيرها مما يندرج تحت هذا الملف، وربما الملف الاجتماعي ينظر إليه على أنه الملف الأكبر ضمن سلسلة ملفات التنمية في أية دولة، لتماسه بكل سكان الدولة دون استثناء، صحيح أن الملف الاقتصادي يشكل أهمية كبيرة هو الآخر، ولعله الملف الذي يعول عليه في تعزيز بقية الملفات في أجندة التنمية، ولكن من حيث الشمولية يبقى الملف الاجتماعي أكبرها على الإطلاق، وهذه الملفات ذاتها تفرز في المقابل ملفات أخرى تكون معززة للملف الأم، أو العكس، فملفات الفساد أيا كان نوعه، هو نتيجة طبيعية لتراجع الملف القانوني عن أن يلعب دورا أكبر في تحجيم النشاط الإنساني السلبي الذي لا يتفق مع روح القانون.

تستحوذ ملفات الوطنية والهوية القومية لدى الشعوب بشكل عام على أهمية بالغة الحساسية، ولذلك يظل التعامل معها بحذر شديد، لأنها تتضمن أهم عنصر ذاتي لا يمكن إدراك كنهه؛ لارتباطه بوجدان الإنسان، وهذا الوجدان حالة معنوية لا يمكن الوصول إليها بالعين المجردة، وبالتالي فالمخلص لا يعيش حالة رمادية ما بين الأبيض والأسود، فإما أن يكون مخلصا مطلقا، وإما أن يكون غير ذلك تماما، ولذلك تشكل ملفات الهوية حساسية مفرطة في كثير من التجارب العالمية؛ سواء في مجال التمية، أو في مجال بناء الذات الوطنية عند الأفراد، ومن هنا تأتي أهمية أن ينشأ الأطفال منذ سني أعمارهم الأولى على التربية الوطنية، لأن ملفها ليس يسيرا التعامل معه.

تبقى هذه الملفات على كثرتها وتعددها مفتوحة على مصراعيها؛ لأن مادتها ليس جامدة، فهي تعيش تحولات نوعية مستمرة، وهذا ما يعطيها الأهمية، والمهم هنا أيضا - على مستوى الفرد - أن نفتش في ملفاتنا؛ فهي كثيرة ومهمة، فلربما في رحلة البحث هذه أن نعيد ترتيب أولويات كانت غائبة عنا زمنا طويلا.