إشراقات

التنفيذ الفعلي للقوانين على الجميع يعد تجسيدا لقيم المواطنة

26 أكتوبر 2017
26 أكتوبر 2017

المواطنة في الإسلام -

إعداد – نادر أبو الفتوح -

أكد الشيخ عبد الحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر، على أن احترام الدساتير والقوانين والأعراف، من أهم صور المواطنة في الإسلام، لأن الالتزام بها يعبر عن الرقي والانضباط في المجتمع، فهذه القوانين تطبق على جميع المواطنين، ويخضع لها كل أبناء المجتمع، مسلمين وغير مسلمين، وبالتالي فهي تجسد قيم المواطنة، لأن الالتزام بما أقره المجتمع أمر يحقق سلامة الجميع، والخروج على هذه الضوابط، يعد فوضى يرفضها الإسلام، لما توقعه من ضرر بالغ على الناس جميعا، كما أنها تؤثر على السلم المجتمعي، ولقد أوجب الإسلام ضرورة احترام الأعراف والتقاليد، ويؤكد ذلك ما قاله النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: (أنْتُم أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُم)، وهذا يعني أنه على الإنسان الذي يعيش في مجتمع أن يسير على النهج الذي أقرته الأغلبية، من أعراف وتقاليد وضوابط، تنظم شئون الحياة، لأنه يستمد حقوقه من خلال تطبيق هذه القوانين والضوابط.

ولكي يلتزم المواطنين بذلك، فلابد أن يشعر كل مواطن أنها يتم تطبيقها على الجميع، ويتحقق هذا من خلال التنفيذ الفعلي دون استثناء، فأي خروج عن المساواة في تطبيق القوانين، يؤدي إلى حالة من الغضب بين الناس، ويؤثر على مفهوم المواطنة لديهم، فينعكس هذا بالسلب على العلاقة فيما بينهم، ويكون ذلك عكس ما قاله نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه في حديثه الشريف: (الناس سواسية كأسنان المشط، وإنما يتفاضلون بالعافية، والمرء كثير بأخيه، ولا خير في صحبة من لا يرى لك من الحق مثل ما ترى له)، فيدل هذا على ضرورة المساواة بين الجميع أمام القوانين واللوائح، وأن يتم تطبيقها على كل أبناء المجتمع، بغض النظر عن أي اختلاف بينهم سواء كان دين أو جنس أو لون، فالتطبيق العادل يرسخ لمفهوم ومبدأ المواطنة، ويحفظ الأمن والاستقرار، ويحقق الهدف الذي توضع من أجله الدساتير والقوانين في أي مجتمع، كما أنها تحدد العلاقة بين أفراد المجتمع، في مجال المعاملات من بيع وشراء وغير ذلك.

ويشير الشيخ عبد الحميد الأطرش إلى أن الشريعة الإسلامية سبقت كل النظم الحديثة، في وضع ضوابط تحفظ العلاقات بين الناس، لأن الأمم والشعوب تقاس بمدي احترامها للدساتير والقوانين، ولا يمكن أن يتقدم مجتمع بدون احترام أفراده لهذه النظم والضوابط، وخير دليل على ذلك ما أكدت عليه الشريعة الإسلامية بوضعها ضوابط تحفظ بها حقوق العمال، وتحدد العلاقة بين العامل وصاحب العمل، سواء كان صاحب العمل شخص أو مؤسسة، وأكدت على ضرورة أن يعطي صاحب العمل للعامل أجره قبل أن يجف عرقه، إعمالاً بالحديث الشريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول: (أعط الأجير أجره، قبل أن يجف عرقه)، وفي الوقت نفسه حثت الشريعة الإسلامية العامل وطالبته بأن يجتهد ويخلص ويتقن في عمله، فلا يخدع صاحب العمل أو يتحايل عليه.

وقد بينت الشريعة الإسلامية ما سوف يلقاه العامل من عقاب من الله عز وجل، إذا لم يجتهد فيه عمله ويؤدي ما تم تكليفه به، لأنه يأخذ المال مقابل ما يعمل، فإذا اجتهد استحق المال، وإن قصر ولم يؤدي ما كلف به، فإنه يكون قد خان الأمانة، وهو ما أوصى بن نبينا الكريم صلوات الله وسلامه عليه في حديثه الشريف: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)، فقد حمل هذا الحديث رسالة لكل إنسان توصي بأن يؤدي عمله على الوجه الأكمل سواء كان عمل خاص أو عمل عام.

ولقد وضعت الشريعة الإسلامية ضوابط أيضا لعمليتي البيع والشراء، وأوجبت بضرورة الالتزام بها، سواء كان التعامل مع مسلمين أو غير مسلمين، ومن أهم هذه الضوابط أن الإسلام حرم الاحتكار والغش والتدليس، والحق سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم: {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [سورة الأعراف – الآية85] ، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال في حديثه الشريف: (من غشَّنا فليس منا)، وهذا دليل على أن الشريعة الإسلامية سبقت النظم الحديثة، في وضع قوانين لحماية الناس في المجتمع، من جشع التجار، وأوجبت هذه القوانين على المسلم تطبيقها في تعامله مع كل الناس في المجتمع أيا كانت ديانتهم، بل عليه أن يتعامل مع غير المسلمين بهذه الأخلاق، حتى يظهر الوجه المشرق للإسلام، وبالتالي فإن الالتزام بالقوانين واللوائح، التي وضعها المجتمع في كافة المجالات، أمر يجسد المواطنة الحقيقة، والمسلم عليه أن يلتزم بهذه التوجيهات، لأنها تحفظ علاقته بالمجتمع من ناحية، وتحفظ علاقته في شتي المجالات مع غيره من المواطنين.

ويؤكد الشيخ عبد الحميد الأطرش على أن المسلم مطالب، بأن يلتزم بكل ما تقره مؤسسات المجتمع الرسمية من ضوابط وقوانين، لأن هذه الضوابط تحمل في جوهرها الالتزام بتعاليم الشريعة، ففي مجال حفظ الحقوق المادية بين الناس، أوجبت الشريعة كتابة الديون، والله سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [سورة البقرة- الآية 282]، وأصبحت هذه الأمور من المسلمات في المجتمع، ولذلك لابد من الالتزام بها، وعدم الخروج عليها، لأن منهج الإسلام هو حماية الحقوق.