أفكار وآراء

الانتخابات اليابانية المبكرة وإحياء دور الجيش

25 أكتوبر 2017
25 أكتوبر 2017

عبد العزيز محمود -

لم تكن الانتخابات المبكرة التي أجريت في اليابان يوم ٢٢ أكتوبر الجاري مجرد تصويت على الثقة في إدارة رئيس الوزراء شينزو آبي وإنما كانت تفويضا بالمضي قدما في عملية تعديل المادة ٩ من الدستور لإحياء دور الجيش الياباني بما يسمح بتحقيق الأمن وردع التهديدات النووية والصاروخية لكوريا الشمالية والصين.

وقد أسفرت الانتخابات عن فوز الائتلاف الحاكم بالأغلبية بعد حصوله على ٣١٣ مقعدا من أصل ٤٦٥ مقعدا وهو ما يضمن استمرار آبي في منصبه كرئيس للوزراء لأربع سنوات قادمة تكفي لإجراء التعديل الدستوري الذي يعتبر الأول من نوعه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ويسعى آبي إلى سريان التعديل بحلول عام ٢٠٢٠ وهو ما يتطلب حسم الجدل الدائر حوله بين الأغلبية والمعارضة وموافقة ثلثي أعضاء المجلس التشريعي الوطني بغرفتيه مجلس النواب ومجلس المستشارين (مجلس الشيوخ) قبل طرحه على الشعب في استفتاء عام.

وتنص المادة ٩ من الدستور الياباني والتي وضعت عقب هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية عام 1945 ودخلت حيز التنفيذ في مايو 1947 على التزام اليابان بنبذ الحرب للأبد، وتعهدها بعدم استخدام القوة أو التهديد بها كوسيلة لتسوية النزاعات الدولية.

ويدعو التعديل المقترح إلى منح اليابان حق الدفاع عن النفس باستخدام القوة إذا تعرضت الأمة اليابانية للعدوان، وهو ما ترفضه أحزاب المعارضة خاصة الحزب الدستوري الديمقراطي، والشيوعي ،والاجتماعي الديمقراطي ، خوفا من عودة اليابان للانخراط في النزاعات الدولية.

وقد دفعت هذه الخلافات شينزو آبي رئيس وزراء اليابان في ٢٥ سبتمبر الماضي لحل مجلس النواب والدعوة لانتخابات مبكرة تعتبر الانتخابات رقم ٤٨ لمجلس النواب (تشوجين) الذي يضم ٤٦٥ عضوا وينتخب كل ٤ سنوات ويمثل الغرفة الأدنى من (المجلس التشريعي الوطني)، بينما يمثل مجلس المستشارين (سانجين) الغرفة الأعلى (ويضم ٢٤٢ عضوا ينتخبون كل ٦ سنوات).

ولم يكن تعديل الدستور هو الهدف الوحيد للانتخابات المبكرة التي استهدف بها آبي تجنب استجواب برلماني حول إساءة استخدام السلطة، وحتى يقطع الطريق على حزب الأمل الذي شكلته محافظة طوكيو السابقة يوريكو كويكي، وكان يمكن أن يشكل تحديا للائتلاف الحاكم عند إجراء الانتخابات في موعدها عام ٢٠١٨.

وهكذا فاز الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم بـ ٢٨٤ مقعدا بينما حصل حليفه حزب كوميتو على ٢٩ مقعدا، ليبلغ إجمالي عدد المقاعد التي حصل عليها الائتلاف الحاكم ٣١٣ مقعدا تمثل (٦٧.٣٪) من مقاعد مجلس النواب.

وفاز الحزب الديمقراطي الدستوري بـ ٥٥ مقعدا (١١.٨٪) وحزب الأمل كيبو نوتو علي ٥٠ مقعدا (١٠.٧٥٪) والحزب الشيوعي١٢ مقعدا (٢.٥٪) وحزب نيبون اشن نو كاي على 8 مقاعد (٢.٤٪) و الحزب الديمقراطي الاجتماعي علي مقعدين ( ٠.٤٪) و حزب كوكورو اليابان علي مقعدين (٠.٤٪) وحصل المستقلون على ٢٢ مقعدا (٤.٧٪).

وكان فوز الحزب الليبرالي الديمقراطي (جيمينيتو) هو الرابع والساحق له منذ تولي شينزو آبي رئاسة الحزب في سبتمبر ٢٠٠٦، وبهذا الفوز يحتفظ آبي بمنصبه كرئيس للوزراء حتى عام ٢٠٢١، كما يتوقع ترشحه لولاية ثالثة كرئيس للحزب في سبتمبر ٢٠١٨.

ويعتبر شينزو آبي ثالث أقدم رئيس وزراء ياباني منذ الحرب العالمية الثانية بعد يوشيدا شيجيرو الذي شكل الحكومة خمس مرات بعد عام ١٩٤٨، وإيساكو ساتو الذي شكل الحكومة ثلاث مرات بعد عام ١٩٦٤.

ويحكم الحزب الليبرالي الديمقراطي (يميني محافظ) اليابان منذ تأسيسه في عام ١٩٥٥، باستثناء الفترة بين عامي ١٩٩٣و١٩٩٤ وبين عامي ٢٠٠٩ و٢٠١٢، وهو يطالب باستعادة السيادة الوطنية وتقييد الهجرة وتعزيز الشراكة عبر المحيط الهادئ.

وعقب الفوز تعهد آبي بالمضي قدما في تعديل الدستور والإصلاح المالي (أبينومكس) الذي يعتمد على زيادة ضريبة الاستهلاك وخفض الإنفاق العام وزيادة الإنتاج الإجمالي المحلي الى ٦٠٠ تريليون ين ياباني بحلول عام ٢٠٢١.

من ناحية أخرى احتل الحزب الدستوري الديمقراطي (ريكين مينشوتو) الذي تأسس قبل الانتخابات بأسبوعين برئاسة يوكيو اديناو وزير التجارة والصناعة السابق المركز الثاني بحصوله على ٥٥ مقعدا، ويعارض الحزب الذي يمثل يسار الوسط تعديل الدستور ويطالب بإعادة توزيع الدخل بين الأغنياء والفقراء.

أما حزب الأمل الشعبوي (كيبو نوتو) بزعامة يوريكو كويكي محافظة طوكيو السابقة، فقد جاء في الترتيب الثالث بعد حصوله على ٤٩ مقعدا، ويؤيد الحزب الذي تأسس في سبتمبر ٢٠١٧، تعديل الدستور ومشاركة اليابان في الحرب على الإرهاب.

وجاء في المركز الرابع حزب كوميتو (يمين الوسط) برئاسة ناتسو ياماجوتشي بحصوله على ٢٩ مقعدا، (مقابل ٣٥ في الانتخابات السابقة)، وهو حزب محافظ يمثل البوذية السياسية وشريك في الائتلاف الحاكم.

من جهة أخرى احتل الحزب الشيوعي (نيهون كيوسان تو) بزعامة كازو تشي المركز الخامس بحصوله على ١٢ مقعدا (مقابل ٢١ في الانتخابات السابقة)، ويطالب الحزب الذي تأسس في عام ١٩٢٢ باستعادة السيادة الوطنية الكاملة عبر إنهاء التحالف العسكري مع الولايات المتحدة وتفكيك القواعد الأمريكية في اليابان (أكثر من 90 قاعدة أكبرها قاعدة أوكيناوا تضم نحو 100 ألف عسكري أمريكي).

وجاء حزب استعادة اليابان (نيبون ايشن نوك أي) بزعامة اشيرو ماتسوي والذي يمثل يمين الوسط في المركز السادس بحصوله على ١٠ مقاعد، يليه في المركز السابع حزب قلب اليابان (كوكورو اليابان) بزعامة ماساشي ناكانو والذي تأسس في عام ٢٠١٤ بحصوله على مقعدين،

بينما احتل ذيل القائمة الحزب الاجتماعي الديمقراطي (شاكاي مينشو تو) بزعامة تاداتومو يوشيدا بحصوله على مقعدين، ويعارض الحزب الذي تأسس عام ١٩٤٥ تعديل الدستور وما وصفه بتورط اليابان في الحرب على الإرهاب.

وكانت هذه النتيجة انتصارا لرئيس الوزراء شينزو آبي، حيث ضمنت استمرار الائتلاف الحاكم في السلطة، والمضي قدما في تعديل الدستور، واستمرار السياسات التي انتهجها منذ توليه منصبه لأول مرة في ديسمبر ٢٠١٢ ، وخاصة فيما يتعلق بدعم العلاقات مع الولايات المتحدة وتحديدا في المجالات الدفاعية وتبني موقف متشدد تجاه كوريا الشمالية.

يذكر ان العلاقات اليابانية الكورية الشمالية تشهد توترا منذ احتلال اليابان لشبه الجزيرة الكورية بين عامي ١٩١٠ و١٩٤٥ واختطاف مواطنين يابانيين بين عامي ١٩٧٧ و١٩٨٣ وأيضا بسبب البرنامجين النووي والصاروخي لكوريا الشمالية التي تتعامل مع الوجود العسكري الأمريكي في اليابان باعتباره تهديدا لها. وفي ظل هذا الوضع يسعى آبي لتعديل المادة ٩ من الدستور بحيث يكون ساريا بحلول عام ٢٠٢٠، مستثمرا فوز الأحزاب المؤيدة للتعديل بنحو ٨٠٪ من مقاعد مجلس النواب، وتأييد الولايات المتحدة له، في مواجهة قلق من جانب الصين وكوريا الشمالية. والمرجح ان يبدأ المجلس التشريعي الياباني مناقشة هذا التعديل في عام ٢٠١٨ وسط انقسامات في الشارع الياباني حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن ٣٢٪ من اليابانيين يؤيدون التعديل الذي ٢١٪ ، بينما لم يحدد ٤٧٪ موقفهم.

وبموجب المادة 9 من الدستور يحظر على اليابان تشكيل قوات برية أو بحرية أو جوية لغرض الحرب، وقد وضعت هذه المادة عقب هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، وفي عام ١٩٥٤ تم السماح لليابان بتشكيل قوات الدفاع الذاتي(جايتاي)، وتتولى بموجب معاهدة التعاون المشترك بين اليابان والولايات المتحدة الموقعة في يناير ١٩٦٠ مواجهة التهديدات الداخلية والكوارث الطبيعية، بينما تتولى الولايات المتحدة الدفاع عن اليابان ضد أي عدوان خارجي.

وفي تسعينيات القرن العشرين تمت إعادة تفسير المادة ٩ من الدستور بشكل يسمح لليابان بحق الدفاع الذاتي، وفي مايو ٢٠١٣ وافق مجلس الدفاع بالحزب الحاكم على إعادة تسليح واسعة النطاق لمواجهة تهديدات كوريا الشمالية والصين، وفي يوليو ٢٠١٤ أصدر البرلمان قانونا يسمح بممارسة الدفاع الجماعي عن النفس، وفي سبتمبر ٢٠١٥ سن البرلمان قانونا يتيح الدفاع عن حلفاء آخرين في حال الحرب. وحتى يتم إقرار التعديل الدستوري بحلول عام ٢٠٢٠ فإن الانتخابات المبكرة التي أجريت في اليابان في ٢٢ أكتوبر الجاري لم تسفر عن أية تغييرات، فالائتلاف الحاكم بقيادة شينزو آبي مستمر في السلطة، ومن غير الوارد حدوث تحول في السياسات، لكن إحياء دور الجيش الياباني لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية سوف يكون النتيجة الأهم والأبرز لتلك الانتخابات.