hamda
hamda
أعمدة

الشجرة علمتني

22 أكتوبر 2017
22 أكتوبر 2017

حمدة بنت سعيد الشامسية -

[email protected] -

بدأت مؤخرا العمل على حديقة منزلي الصغيرة، بتقليم أشجارها والتخلص من الميت منها، واستبدالها بشتلات جديدة، مستغلة تحسن الطقس، وفي زاوية صغيرة من البيت قررت وضع بعض البذور المختلفة، وعلى مدى الأسابيع المنصرمة أصبحت هذه الشجيرات مصدر الهام لا ينقطع، ومصدر دروس حياتية تفاجئني بها كل صباح أثناء انعطافي عليها قبل ترجل سيارتي والانطلاق لعملي.

أحد هذه الدروس وقد شاركت من يتابعني منكم على شبكات التواصل الاجتماعي، وهو أن أقصى ما أستطيعه مع تلك الشجيرات هو حرث الأرض وسقيها بالماء، لكن النتيجة خارجة عن إرادتي كلية، فبعض تلك الشجيرات رفضت أن تعيش في بيتي وقررت الموت على البقاء حيث وضعتها لأسباب أجهلها تماما، رغم المساواة والعدالة التي توخيتها مع كل الشجيرات، البعض منها أينع سريعا، البعض أزهر و البعض ما زلت في حالة انتظار له أن يزهر.

أما البذور فقصتها قصة مذهلة، هي قصة الحياة بكل تفاصيلها، إذ إن تلك البذرة الصغيرة التي لن ألحظ وجودها لو سقطت من يدي، ظلت قابعة مكانها حيث تركتها، بانتظار مصيرها المجهول الذي قد ينتهي بها طعاما لي وأفراد أسرتي أو ضيوفي، فتبدأ حياة أخرى ضمن دورة حياة مختلفة، أو تتحول إلى شجرة بذاتها و تبدأ دورة حياة أخرى.

لقد ظلت تلك البذرة ساكنة مكانها حتى ليخال لمن يراها أنها ميتة لا حياة فيها، رغم أنها حية ترزق بكل المقومات التي تحتاجها للبقاء حية، وهي قابعة في قشرتها دون حراك، ومن اللحظة التي وضعتها في التربة و التقت قشرتها بالماء، أدركت على ما يبدو أن في الحياة آفاقا أخرى لا نهائية، وأدركت في تلك اللحظة أن بقاءها أصبح مرهونا بعوامل أخرى، فأنبتت لها عروقا ظلت ترسلها في العمق يوما بعد يوم، وتزيد سمكها وطولها تبعا للعوامل التي تحيط بها، لحماية نفسها من عوامل الطبيعية والبحث عن الماء الذي أدركت أن بقاءها أصبح مرهونا به.

وأنبتت لها أغصانا ملأتها أوراقا خضراء تصنع بها طعامها من التقاء ضوء الشمس بالماء، لقد أدركت أنها إذا ما أرادت أن تصبح شجرة عظيمة وتمارس دورها في بقاء الحياة على هذا الكوكب، عليها أن تكون أكثر بكثير مما كانت عليه، عليها أن تنمو وتتطور باستمرار وعليها أن تتخلص من الأوراق الضعيفة التي لم تستطع مقاومة عوامل الطبيعة، وتستبدلها بغيرها تستطيع الاعتماد عليها.

لقد أخذت قرارها بالبقاء ولعب دورها الحيوي رغما عن الظروف، مدركة أنها ستتعرض لرياح قد تحاول إسقاطها، لكنها قررت أن تتعامل بمرونة شديدة مع هذه العوامل، لأنها لو بقيت جامدة متصلبة ستكسر أمام أية نسمة هواء، لكنها قررت خداع الريح وإيهامها بأنها توجهها حيث تريد، رغم أنها في الواقع كانت تتراقص مكانها بكل ثقة. هي أيضا تدرك بأنها قد تتعرض للإهمال من جهتي، وحرمانها من الماء فقررت أن لا تقف عاجزة هنا، وإنما تمد جذورها إلى مسافات بعيدة بحثا عن الماء.

جميعنا مثل هذه البذرة وضع المولى فينا كل مقومات الحياة، ورزقنا بالتساوي بكل ما يضمن لنا البقاء من ضوء وماء وهواء، وبقليل من الجهد الطعام، لكن إذا ما أردنا أكثر من ذلك، علينا أن نبذل جهدا أكبر، وبقدر الجهد الذي سنبذل بقدر ما سترتفع أغصاننا عاليا نحو السماء.