abdullah
abdullah
أعمدة

نوافـذ: زامـر الحـي لا يطـرب

22 أكتوبر 2017
22 أكتوبر 2017

عبدالله بن سالم الشعيلي -

Twitter:@ashouily -

طبيعة بشرية خلقها الله فينا وهي الانتشاء والطرب للإطراء والمديح، وهذا قد يكون أمرا لا نستطيع الفكاك منه إلا من رحم ربي، فالبعض يرى في الإطراء على ما يقومون به بأنه تقدير لهم على جهودهم في حين أن آخرين يرونه بأنه مديح مستهلك لا طائل منه فمن يمدحك اليوم يمدح غيرك غدا مبررين ذلك بالكلمة القائلة إن «المدح في الوجه مذمة» .

وكما ينطبق هذا القول على الممدوح فانه أيضا ينطبق على المادح فبعض المداحين كما تعرفهم معاجم اللغة بأنهم من يتفننون في المديح ويجودونه ويبالغون فيه بغية تقاضي أجر على ذلك المديح، هؤلاء المداحون يختلف مدحهم من شخص لآخر بحسب منزلة ومكانة الممدوح ولعل التراث العربي غني بمثل هؤلاء فهنالك الشعراء والخطباء ومن أمثالنا من الصحفيين والكتاب ممن يعتاش ويترزق من مدحه بشعره وكتابته وهنالك من الممدوحين ممن يجزل العطاء للمادح وغيره من يقتر فيه ولا يعيره أي أهتمام فلا يلقى بالتالي إلا مذمة من مادح ان لم يجزل له عطاءه.

في كل زمان وفي كل مكان تجد مادحا وممدوحا فالأول يطلب جزاء والثاني يطلب ثناء وبين الاثنين علاقة قد تطول وقد تقصر بحسب نفسية وحاجة الاثنين ولكنهما على كل حال لا يستغني أحدهما عن الآخر وأيضا لا يبقى أحدهما مع الآخر، فالمادح يبحث عن ممدوحين آخرين يزيد بهم رصيده والممدوح يبحث عن تجارب أخرى ينوع بها من ثنائه وطربه وانتشائه، ويبقى الحال بين الطرفين على ذلك مادح متملق وممدوح منتش.

علماء النفس والاجتماع المعاصرون صنفوا الممدوحين بحسب انتشائهم للإطراء والمديح الى عدة شخصيات فهنالك الممدوح الطبيعي الذي يحب الاستمتاع بالمديح غير المبالغ فيه ويطرب له لتعزيز ثقته بنفسه، وهنالك الممدوح النرجسي المحب لذاته أكثر من حبه لأي شيء آخر في الوجود، مع شعوره بالأهمية والمكانة الخاصة له في المجتمع وحاجته الى كلمات الإطراء والمدح والنفخ بسبب الفراغ الداخلي والشعور بالعظمة الذي يعاني منه، وثالث هذه الأنواع هو الممدوح الهستيري الذي تمتاز شخصيته بالأنانية وحب الذات التي ترغب أن تكون الأضواء والألسن والكتابات مسلطة عليها في كل وقت، وهناك أنواع أخرى من الشخصيات لا يتسع هذا المقال لذكرها تختلف حسب حبها أو بغضها للمديح والإطراء.

الانتشاء للمديح والطرب له لم يقتصر فقط على الأفراد والجماعات فحسب فحتى الدول صار يعنيها هذا الأمر كثيرا فتحشد حشودها وتجيش جيوشها لسماع عزف ألحان المديح والإطراء من المداحين فتسعد به وتطرب خصوصا إن جاءها هذا العازف من خارج حدودها أي من خارج الحي ، فالزامر الوافد مطلوب ومرغوب ومقرب أكثر من زامر الحي المقيم فيه الذي بات لا يطرب ولا يشنف آذان من أراد أن يسمع إطراء نفسه على لسان غيره.

ما اضطرني ودفعني دفعا قويا للكتابة عن المدح والمداحين هو تقاطرهم وبكثرة على موائد الممدوحين أكانوا دولا أم أفرادا بغية الاسترزاق من الكلام المعسول والمبالغ فيه فصارت هذه الصنعة حرفة منظمة يمتهنها الكثيرون ممن يسافرون بين البلدان يحملون في جعبتهم الكثير من الأشعار والأقوال يمتدحون بها ممن افتقد الثقة في ذاته وفي الآخرين فراجت سلعته وغنمت تجارته وانتشر صيته بين البلدان.

مداح زامر من خارج الحي جاء ليطرب ممدوحيه فقال لهم « دخلت الى جنة الفردوس لأربعة أيام، ولو كانت الفردوس في الدنيا لكانت في .... هأنا ذا أخرج من الجنة ولا أدري هل أكلت من الشجرة أم لا « قلت لنفسي لعمري أن هذا المداح لمحظوظ فقد دخل جنتنا وأكل منها وشرب وعسى الله أن يرزقه على نيته هذه ويدخلنا وإياه جنة الآخرة مع المتقين والأبرار بدعاء من يستجاب دعائهم.