النتـائـج المنتظـرة .. لقمـم نوعيـة !
عماد عريان -
اتسم الأسبوع الأول من أعمال الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة بالزخم السياسي الشديد، ليس على صعيد الجمعية وحدها فحسب، ولكن على صعيد العديد من القمم النوعية التي عقدت على هامش أعمالها وتنوعت قضاياها ما بين الأمنية والسياسية والفنية، والتي ينتظر أن يكون لها نتائج مؤثرة، ربما لن تكون فورية وعاجلة ولكنها متوقعة في مراحل تالية، ولعلها المرة الأولى التي يعقد فيها مثل هذا العدد من القمم النوعية قبل وخلال سريان أعمال دورة جديدة للجمعية العامة، ومن بينها على سبيل المثال قمة إصلاح الأمم المتحدة وقمة إعادة هيكلة مهام حفظ السلام العالمي، وقمم أخرى خاصة بالأزمات الملتهبة في اليمن وسوريا وليبيا والأوضاع في آسيا.
ووسط هذا الزخم الدولي، برزت قمة فريدة من نوعها، لها أهميتها الخاصة في هذا التوقيت الحساس كونها تجمع بين «السياسي والأمني والفني» في الآن ذاته، وهي قمة شركات التكنولوجيا العاملة وربما المحتكرة لفضاء الاتصالات الكونية وتكنولوجيا المعلومات، عقدت القمة في نيويورك لبحث دور الشركات المعنية في التصدي للفكر المتطرف والقيام بدور مؤثر وفاعل في التصدي للإرهاب، وأغلب الظن أن هذه القمة ليست الأولى من نوعها ولكنها الأكثر أهمية في هذا المجال بعدما تزايدت الضغوط على شركات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وبلغت حدًا غير مسبوق من جانب حكومات الدول الكبرى للقيام بدور أكبر وتقديم مزيد من التعاون بعدما أصبح الإرهاب خطرًا كبيرًا يهدد العالم بأكمله دون أن يستثني أحدا، وباتت شركات المعلومات متهمًا رئيسيًا بعدم اتخاذ ما يلزم للحد من الظاهرة الخطيرة، بعدما تحول الفضاء الكوني الخاضع لتقنيتها إلى أداة لترويج الفكر المتطرف إلى حد تسهيل العمليات الإرهابية من حيث التخطيط والإعداد والتنفيذ.
وبعدما تعالت أصوات قادة مؤثرين على غرار رئيسة الوزراء البريطانية تيريز ماي والرئيس الفرنسي ماكرون، لم يكن مستغربًا أن تقر شركة كبرى بحجم «فيسبوك» بأن شركات التكنولوجيا بإمكانها أن تبذل مزيدًا من الجهد للقضاء على التطرف الإلكتروني، عقب اقتراح ماي وماكرون بفرض غرامات على الشركات التي تسير على وتيرة بطيئة فيما يخص إزالة المحتويات المتطرفة التي تنشرها الجماعات الإرهابية، ورأت فيسبوك أنها تقوم بتعيين الآلاف من مراجعي المحتوى والمضمون لحساباتها حول العالم، فضلًا عن توظيف مجموعة عمل تتكون من 150 شخصًا يتم تخصيصهم لمجابهة الإرهاب على منصتها الخاصة، في محاولة لإزالة المزيد من المحتويات المتطرفة، وأوضحت مصادر أن الشركة ملتزمة بتكريس المزيد من التكنولوجيا لمعالجة الأمور المتعلقة بمواجهة الإرهاب، وأكدت أنها بالفعل تعزز مساعيها عن طريق استخدام الذكاء الاصطناعي لمكافحة المحتويات المتطرفة، هذه التصريحات من جانب «فيسبوك» جاءت خلال اجتماع القمة التي ضمت قادة سياسيين وممثلين من شركات فيسبوك وجوجل ومايكروسوفت على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وفي السياق ذاته أعتبرت مونيكا بيكرت، رئيسة قسم سياسة المنتجات في فيسبوك، أن الذكاء الاصطناعي بدأ في مساعدة الشركة على تحديد المحتويات المتعلقة بالإرهاب وقت تحميلها ليتم وقفها قبل أن تكتمل عملية التحميل، إضافةً إلى فهم الإشارات النصية التي تدعم الإرهاب، وإزالة تجمعات الإرهابيين والمحتويات المرتبطة بهم، وكشف الحسابات الشخصية الجديدة التي يؤسسها أشخاص يقومون بأفعال على غرار الإرهابيين، إلا أنها أوضحت أن العنصر البشري ما زال ضروريًا فيما يتعلق بمراقبة المحتوى، حيث إنه ما زالت هناك بعض العوائق أمام التكنولوجيا، فالذكاء الاصطناعي يصعب عليه تفسير النية المقصودة وراء نص منشور.
هذه القضية تحولت بالفعل إلى إشكالية كبرى للخلط الشديد والتداخل الكبير بين الأمور الأمنية الحساسة والضرورية لحماية الأمن الوطني للدول من جانب، والحريات الشخصية لمستخدمي هذا المجال من جانب آخر، إلا أن الملاحظ في الآونة الأخيرة بروز تلك التهديدات الصريحة ضد شركات تكنولوجيا المعلومات، متمثلة في طلبات من قادة أجهزة مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وكندا، للحصول على مساعدة أكبر مواقع للتواصل الاجتماعي والشركات المعنية في الكشف عن التهديدات المحتملة، بعد تزايد هجمات ما وصفوه بـ«الجيل الثالث» من الإرهاب أو ما يطلق عليه «الذئاب المنفردة».
حيث احتوت تلك المواقع على معلومات خطيرة عن كيفية شراء مكونات وتصنيع العبوات المتفجرة منزليًا، إلى حد أن هناك عشرات الصفحات والمواقع المليئة بالمعلومات وآلاف الفيديوهات التي تشرح كل ذلك، على حد تأكيد الخبراء المتخصصين في هذا المجال.
وربما أقدمت حكومات أو دول من تلقاء نفسها وبشكل منفرد على اتخاذ خطوات من جانبها للتصدي لمثل هذه الظاهر الخطيرة، سواء بالمنع أو الحجب لمواقع معينة أو حتى للوسيلة بأكملها لفترات زمنية معينة حماية لأمنها الوطني، إلا أن هذه الحكومات في كثير من الأحيان لم تسلم من الانتقادات الحادة من جانب منظمات وجمعيات حقوق الإنسان، إلا أن دخول القوى الكبرى وبكل ثقلها على خط هذه القضية، سيجعل لها بالتأكيد نهجًا مختلفًا ومقاربات مؤسسية على الصعيد العالمي تساعد على التوصل إلى اتفاقات ومعاهدات ومواثيق دولية جديدة لحماية الأمن والسلم الدوليين على الصعيد الإلكتروني، وقد طرحت بالفعل قوانين دولية تحكم هذه العلاقة، على أن تخضع تلك القوانين لاعتبارات القانون الدولي حول الخصوصية وحق استخدام الشبكة العنكبوتية الدولية.
ومن وجهة نظر خبراء القانون الدولي فإنه قد يرى البعض أن ميثاق الأمم المتحدة لم ينص صراحة على تجريم استخدام المعلومات كأداة إرهابية أو ما يعرف بالإرهاب الإلكتروني؛ لأن روح الميثاق تتفق مع تجريم استخدامه باعتباره يمثل انتهاكًا لما ورد في الميثاق بخصوص التهديد أو استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة، ولكن مع الأخذ في الاعتبار أن الميثاق جاء لمواجهة النزاعات المسلحة، فإنه إذا ما تم اعتبار الإرهاب الإلكتروني واستخدام حرب المعلومات يقعان ضمن العدوان والذي يعني حمل وإرغام دولة على الإتيان بعمل معين، فهنا تنطبق قوة القانون.
وذلك يعني -وفقًا للقانون الدولي- أن النظرة للإرهاب الإلكتروني وحرب المعلومات تقع ضمن ميثاق وأهداف الأمم المتحدة، كما ورد في الفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية فيما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان في المادة 39 التي تنص على أنه «يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملا من أعمال العدوان، ويقدم في ذلك توصياته أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير طبقًا لأحكام المادتين 41 و42 لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه، فمثل هذه القوانين أصبحت بالفعل حتمية دولية وإنسانية، بغض النظر عن كل ما يثار حول الحريات الشخصية وحقوق الإنسان في استخدام تلك الوسائل والوسائط بدون حسيب أو رقيب، إلا أن تلك الأقاويل ترقى إلى مرتبة الذرائع المفروضة بعدما تخطت التجاوزات كل الخطوط الحمراء والخضراء ومتعددة الألوان وباتت تهدد منظومة القيم البشرية في مختلف المجالات وعلى رأسها بالتأكيد قضية الإرهاب.
وليس أدل على ذلك من تأكيد المختصين على أن كل الأشخاص المشتركين في عمليات إرهابية بداية من المدبر والمنفذ والممول والمعاونين، كلهم يتقابلون عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وتنتهي إلى أشخاص قليلة للتنفيذ، سواء في مكان واحد أو عدة أمكنة، وحتى التحويلات المالية تتم عبر البنوك، وقد تم الكشف عن الكثير من تلك الحقائق منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن , حيث عرفت «القاعدة» كيف توظف الشبكة الدولية لمصلحتها وطوعتها لتنفيذ هجماتها المروعة، بينما استطاعت «داعش» توظيف الشبكة ذاتها، ليس لترويج أفكارها المتطرفة فحسب، ولكن أيضا لتجنيد كوادرها وتنظيم عمليات تدفق السلاح وتحركات أفراد التنظيم وبيع البترول وأشياء أخرى من الممارسات المحظورة التي تحتم بالفعل موقفا دوليا صارما للحيلولة دون انزلاق العالم نحو هوة سحيقة لا مخرج لها، ولعل قمة نيويورك النوعية تمثل البداية الحقيقية لتحقيق هذا الهدف.