أفكار وآراء

اتـســـاع الــفـجــوة بـيـن الــولايــات المتـحــدة الأمــريــكيــة والــعــالـــم

20 أكتوبر 2017
20 أكتوبر 2017

سمير عواد -

لم تُفاجأ النخبة السياسية الأوروبية بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، انسحاب بلاده من عضوية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو». واستنادا لمجلة «دير شبيجل» الألمانية، وقع هذا القرار قبل أسابيع وتحديدا خلال تجمع قادة العالم في نيويورك بمناسبة انعقاد اللقاء السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة.

وعلى هامش إحدى المناقشات، همس ريكس تيلرسون، وزير الخارجية الأمريكي في أذن الرئيس الفرنسي إيمانويل مكرون، وقال له إن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تنسحب من منظمة «اليونيسكو».

وكان تيلرسون يعلم أن فرنسا كانت تحاول إقناع واشنطن بالتراجع عن هذه الخطوة. ففي مقابلة أجرتها مجلة «السياسة الخارجية» مع الرئيس الفرنسي، عبّر فيها عن أمله أن تحتفظ الولايات المتحدة بمقعدها في «اليونيسكو» وبالتالي تواصل التزاماتها حيال ما يدور في العالم. لكن ترامب له رأي مغاير ولا يُستغرب أن يكون قد اتخذه بالتنسيق مع حليفه في إسرائيل بنيامين نتانياهو، حيث ليس مجرد صدفة أن تعلن إسرائيل أيضا انسحابها من «اليونيسكو» في موعد أقصاه نهاية عام 2018، بعد ساعات على انسحاب الولايات المتحدة منها. والملفت للنظر في ما ذكرته المجلة الألمانية، كانت «رمزية» هذا اللقاء فمن جهة تستضيف فرنسا المقر الرئيسي لليونيسكو، كما أن تمثال «الحرية» في نيويورك، الذي ضمته «اليونيسكو» إلى قائمة التراث العالمي في عام 1984، هدية قدمتها فرنسا إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1886. ومنذ عام 2011 اعتادت «اليونيسكو» على تجاهل الولايات المتحدة الأمريكية لها، فقد توقفت منذ ذلك العام عن دفع مساهمتها البالغة خمسمائة مليون دولار سنويا، ولم تعد تشارك في الجلسات، لكن إعلانها رسميا الانسحاب له مغزى رمزي، وهو أن ترامب، مستعد لتدمير الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وهذا بالذات ما تعلمه من «ستيف بانون» أستاذه الإيديولوجي الذي ساعده في الفوز بمنصبه.

والسبب الذي ذكرته الولايات المتحدة، كان ذو شقين، الأول لأسباب مادية، والثاني اتهام «اليونيسكو» باتخاذ قرارات معادية لإسرائيل!. وتجدر الإشارة إلى أن «اليونيسكو» ضمت دولة فلسطين كعضو في عام 2011، وفي يوليو 2017، وضعت المدينة القديمة في «الخليل» الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، والمسجد الإبراهيمي، عن حق، ضمن قائمة مواقع التراث العالمي، كما وضعت المدينة والمسجد على قائمة المواقع المهددة. وبهذه الخطوة، لفتت المنظمة انتباه العالم إلى أن إسرائيل ما زالت تمارس دورها كقوة احتلال، ومن جهة أخرى يوفر جيشها الحماية للمستوطنين الصهاينة الذين يهددون السكان الأصليين باستمرار.

والاتهامات التي صدرت عن الأمريكيين بهذا الشأن ، وتؤكد مرة أخرى على انحياز واشنطن الأعمى لإسرائيل، لا تُعتبر جديدة. وفي أكتوبر الماضي، قررت إسرائيل تعليق تعاونها مع «اليونيسكو» متحججة باتخاذ المجلس التنفيذي للمنظمة الأممية قرارا ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بالمسجد الأقصى. وكانت إسرائيل تنتظر أول فرصة ممكنة لتقوم بهذه الخطوة واتهام «اليونيسكو» بنهج سياسة مناهضة لها.

وقد نشأت الأزمة الأخيرة بين الولايات المتحدة الأمريكية و«اليونيسكو» التي ساهمت الأولى في تأسيسها عام 1945، في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. ولكن كون ترامب، يقوم بخطوات يمكن أن تدمر النظام العالمي، كما أن ترامب يقود بلاده إلى عزلة دولية، نتيجة لذلك، خاصة منذ أن أعلن شعار «أمريكا أولا».

وهكذا أصبح ترامب يعمل في إطار ينطوي على تراجع بلاده عن بعض التزاماتها الدولية المهمة ، حيث يركز على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تمت تحت إشراف الأمم المتحدة. وكانت البداية انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاقية الشراكة التجارية عبر الهادئ TPP، ثم انسحبت واشنطن من اتفاقية المناخ الموقعة في باريس، ويهدد منذ وقت بإلغاء التزام بلاده بالاتفاقية النووية مع إيران. ويفكر أخطر رجل على العالم، في انسحاب بلاده من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية ، والتي تشمل كندا والمكسيك ، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية. والملفت للانتباه أن ترامب اتخذ غالبية هذه القرارات المؤثرة والمثيرة للجدل، رغم تحذيرات مستشاريه السياسيين ووزيري الخارجية «تيلرسون» والدفاع «ماتيس»، ضاربا بنصائحهم عرض الحائط. والمشكلة أنه لا يبدو أن هناك من يستطيع وقف هذا الاتجاه لدى الرئيس الأمريكي. والبيان الثلاثي الذي صدر عن رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي فرانسوا ماكرون، الذي ناشدوا فيه ترامب عدم إلغاء التزام بلاده بالاتفاقية النووية مع إيران، وحذروه من عواقب هذه الخطوة، ليس سوى دليل على شعور النخبة العالمية بالقلق من قرارات قد يتخذها الرئيس الأمريكي ويضع العالم في مواجهة الآثار المترتبة عليها بشكل أو بآخر .