أفكار وآراء

وفرة النفط وعصر الهيدروكربونات

20 أكتوبر 2017
20 أكتوبر 2017

نك بتلر - الفاينانشال تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

كنت قد كتبت في الشهر الماضي مقالا عن احتمال حلول فترة استقرار طويلة للطلب على النفط (هضبة وليس ذروة) تمتد لعقدين أو ثلاثة عقود ويتراوح الإنتاج في أثنائها عند حوالي 100 مليون برميل في اليوم. يعكس هذا الرقم توازنا بين استهلاك متدنٍّ للبنزين مع تزايد أعداد السيارات الكهربائية وبين استمرار الزيادة في الطلب على كل من الديزل لنقل البضائع وعلى وقود الطائرات وكذلك النفط لصناعة البتروكيماويات. السؤال هو: هل من الممكن أن نشهد استدامة في الطلب دون ارتفاع في السعر تترتب عنه أضرار؟ الجواب نعم. حقا ستكون هنالك زيادات حادة وتقلبات. ولكن حتى إذا وضعنا افتراضات حذرة حول توافر إمدادات جيدة من النفط، ليس هنالك سبب للخشية من حدوث ارتفاع مستدام في الأسعار. وإذا ثبتت صحة نتائج بعض الأبحاث الجديدة فمن الممكن أن يشكل النطاق الأخير للأسعار بين 45 دولارا و60 دولارا للبرميل حدا أعلى وليس أدنى (سقفا وليس أرضية للأسعار). وإذا بدأنا بالجيولوجيا، فلا يوجد، ببساطة، نقص في النفط. إذ حسب التقرير الإحصائي الصادر عن شركة بريتش بتروليوم (بي بي) بلغ حجم الاحتياطيات النفطية العالمية 1.7 تريليون برميل في نهاية عام 2016. وهو ما يساوي ضعف الرقم المسجل في عام 1980. نعم يمكن أن نشكك في البيانات الخاصة ببعض البلدان. ولكن معظم أرقام الاحتياطيات النفطية حقيقية. بل هي في بعض الحالات أقل من الواقع الفعلي. تعني كلمة «الاحتياطيات» النفط الذي تم التحقق من وجوده ومن إمكانية تطويره تجاريا. أما فيما وراء ذلك فهناك «الموارد». وهي تعني النفط الذي يعتقد أنه موجود ولكن لم يتم تقييمه تماما أو التحقق من إمكانية تطويره تجاريا في الوقت الحالي. ولدى بلدان وشركات عديدة قاعدة موارد كبيرة يمكن أن تضيف المزيد إلى النفط المتوافر مع تقدم التقنية. أما السؤال الثاني فهو: هل يمكن تطوير النفط بدون زيادة حادة في التكاليف؟ الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى المزيد من الدقة. فالاحتياطيات في معظمها توجد في مناطق تنخفض فيها التكاليف أصلا مثل أغلب الحقول البرية حول الشرق الأوسط. وتحظى تلك المناطق ببنيات أساسية. لذلك تحتاج فقط إلى استثمار محدود لإضافة حقول منتجة جديدة. إلى جانب ذلك، توجد كميات كبيرة من الاحتياطيات وموارد محتملة في حقول تنتج سلفا. وفي الوقت الراهن يتراوح متوسط معامل الاستخراج (النفط القابل للاستخراج مقسوما على النفط الموجود بالمكامن-المترجم) بين 35% إلى 45%. ومع تقدم تقنية إدارة مكامن النفط سترتفع تلك النسبة. وكل مكسب جديد بنسبة واحد في المائة سيضيف بلايين البراميل. فمثلا حقل خليج «برودو» في ألاسكا، الذي بدأ الإنتاج في عام 1977 وكان يفترض أصلا إغلاقه خلال 30 عاما، لا يزال ينتج 280 ألف برميل في اليوم بفضل التقدم الفني الذي أدى إلى إبطاء معدل تدهور الكميات المستخرجة إلى أدنى حد. وتعزز الأدلة المتوافرة في الأعوام الثلاثة الأخيرة التفاؤل بشأن التكاليف. فقد ردت صناعة النفط حول العالم على تدني الأسعار بأكثر من 60% بخفض التكاليف وتطبيق تقنية جديدة. ومعظم الشركات تحقق ربحا إذا ظلت الأسعار عند 50 دولارا للبرميل. لقد كانت تلك العملية مؤلمة ولكن النتيجة لافتة. فقاعدة التكلفة الجديدة تساعد على تدشين موجة جديدة من المشروعات. ولكن تظل هناك مشكلة واحدة وهي أن معظم «قاعدة الاحتياطيات» المطلوبة للمحافظة على استقرار طويل الأمد للطلب توجد في مناطق تكتنفها النزاعات أو مغلقة أمام الاستثمار لأسباب سياسية. ذلك هو السبب في أن معلقين عديدين بجانب بعض المسؤولين في صناعة النفط لا يزالون يتوقعون ارتفاع الأسعار عندما تعتمد الإمدادات على مناطق الإنتاج العالية التكلفة مثل المحيط القطبي الشمالي. ولكن ذلك التوقع ربما سرعان ما سيتجاوزه الواقع. تشير دراسة جديدة نشرتها شركة الأبحاث والاستثمار (ريدبيرن) إلى أن إنتاج النفط الصخري بالولايات المتحدة في بداياته فقط الآن. فالتقنيات تواصل تقدمها في مجال الحفر. وتقلل عملية إعادة تدوير الماء وترقية كفاءة استخدام السائل من التكاليف. وتقترح شركة ريدبيرن في جرأة أن هذه التكاليف قد تنخفض من حوالي 50 دولارا للبرميل إلى ما بين 25 إلى 30 دولارا. وبالنظر إلى الكميات المنتجة بهذه الطريقة، ستتقرر «قاعدة تكلفة جديدة» لصناعة النفط بكاملها. وكما ذكرت شركة ريدبيرن، فقد ركزت الصناعة التقليدية على النفط المتراكم في المكامن. لكن لايزال معظمه محتبسا داخل الصخور ومنتجو النفط الصخري يستغلونه.

تركز دراسة الشركة على الولايات المتحدة. لكن تقنية التكسير المائي سرعان ما ستنتقل حول العالم. وإذا كانت الشركة على صواب، فاحتمال إنتاج النفط الصخري (خارج الولايات المتحدة) كبير جدا، من الأرجنتين وحتى الصين. الخلاصة هي أنه لا يوجد نقص في النفط. أما الارتفاعات الحادة المتفاوتة والتقلبات في السعر فستكون مدفوعة بعدم الاستقرار السياسي . لكن يمكن الوفاء بالطلب عند مستوى مرتفع نسبيا لأعوام عديدة قادمة. فالنفط لن يختفي في أي وقت قريب. وهذا سيكون مدعاة لارتياح الشركات التي لم تستعد بعد لتحولات الطاقة. ولكنه أكثر إزعاجا في جانب الانبعاثات والتغير المناخي. كتب ديفيد هاوِل، وزير الطاقة البريطاني السابق في طبعة جديدة لكتابه المثير حول سياسة الطاقة عن وجود صراع جذري بين مختلف وجهات النظر حول مستقبل الطاقة. وهو صراع يصفه بأنه بين الأسود والأخضر.(الكتاب المذكور بعنوان امبراطوريات في صدام: صراع الأخضر ضد الأسود من أجل مستقبل الطاقة- المترجم.) سيشكل هذا الصراع الجدل الدائر حول الطاقة لفترة طويلة قادمة. فنهاية عصر الهايدروكربونات (النفط والغاز) لا تزال بعيدة.