صحافة

الاستقلال: المصالحة الفلسطينية وصفقة القرن ..

20 أكتوبر 2017
20 أكتوبر 2017

في زاوية أقلام وآراء كتب جميل عبد النبي مقالا بعنوان: المصالحة الفلسطينية وصفقة القرن ..، جاء فيه:

ما إن بدأت بوادر نجاح خطوات المصالحة هذه المرة حتى رافقتها حملات التشكيك بأنها جاءت استجابة لرغبة دولية في إنجاز ما أطلق عليه «صفقة القرن» والحديث هنا يدور عن صفقة دولية بزعامة أمريكا لإنهاء القضية الفلسطينية.

دعونا أولا لا ننفي ولا نثبت إن كان هذا الربط دقيقا أو لا، بين المصالحة وخطة دولية حول المنطقة، ودعونا ننطلق من محاولة الإجابة على مجموعة من الأسئلة ذات الشأن في محاولة لتحديد موقف من المصالحة الفلسطينية.

السؤال الأول: وهل الانقسام مصلحة فلسطينية علينا الحفاظ عليها، منعا لتصفية القضية الفلسطينية؟

عن نفسي فأنا لم أقرأ ولم أسمع لأي مهتم بالشأن الفلسطيني، ولا لأي قيادي أو محلل سياسي فلسطيني، يدعي أن الانقسام مطلب وطني علينا الحفاظ عليه، ودائما كانت وجهتنا كمتابعين للشأن الفلسطيني تذهب في اتجاه تجريم الانقسام، واعتباره مصلحة إسرائيلية صرفة، على اعتبار أنه يأتي في سياق تحقيق حلم إسرائيلي قديم، بفصل قطاع غزة نهائيا عن فلسطين، عبرت عنه إسرائيل في أكثر من مناسبة، في محاولة للتخلص من العبء الديموجرافي الذي يشكله سكان القطاع، وخطره على مستقبل الحلم الصهيوني التاريخي بإقامة دولة يهودية خالصة.

ليس سرا أن إسرائيل سعت للتخلص من قطاع غزة منذ الإعلان عن قيامها، وطرحت في أكثر من مناسبة فكرة ضمه نهائيا لمصر، أو توسيعه وإقامة كيان مستقل عن الكل الفلسطيني عليه، حتى مع انطلاقة مفاوضات السلام عام 1991م بعد مؤتمر مدريد، فلقد كان الفلسطينيون دائما حذرين من هذه الرغبة الإسرائيلية، واستطاعوا بالفعل إحباطها. حدث ذلك في خمسينيات القرن الماضي حينما عمت قطاع غزة مظاهرات كبيرة رافضة لفكرة ضم غزة لمصر واعتبارها جزءا من أراضيها، وليست جزءا من الأراضي المحتلة عام 1948م، ثم حاولت إسرائيل إقناع الرئيس المصري الراحل أنور السادات بإلحاق غزة بمصر، ولكنه لم يقبل بالعرض الإسرائيلي أيضا بتحريض من القيادة الفلسطينية في حينه، وحتى خلال مفاوضات أوسلو كانت إسرائيل تحاول فرض غزة «منفردة» أولا، ولكن الموقف الفلسطيني أصر على ضم أي جزء من الضفة الغربية لمشروع غزة أولا، تأكيدا على كون مشكلة غزة جزءا من مشكلة احتلال فلسطين، وحلها جزءاً من الحل الشامل. على كل: كانت إسرائيل طوال الوقت تسعى للتخلص من غزة، وهذا ما يعرفه كل الفلسطينيين؛ لذلك كنا نرى في الانقسام تساوقا مع حلم إسرائيل بفصل غزة، ومن ثم عودة غزة للحاضنة الوطنية، كان بالنسبة لنا كفلسطينيين هدفا نسعى لتحقيقه، وإن كانت هناك شبهة معينة حول مشروع المصالحة الأخير، فإن هذا لا يعني رفض عودة وإنهاء الانقسام، وكأننا في هذه الحالة كمن يهرب من الدلف إلى المزراب، كما يقال في المثل الشعبي الفلسطيني.

السؤال الثاني: وهل بقاء غزة خارج نطاق سيطرة السلطة الفلسطينية يمنع من تحقيق ما يسمى بصفقة القرن؟

هناك وهم يتم الترويج له، يقضي بأن إسرائيل والعالم لن يعترف بسلطة الرئيس عباس كممثل للكل الفلسطيني دون غزة، وبالتالي ستفشل خطة فرض حلول في المنطقة دون غزة، والحقيقة أن العالم لم يتوقف خلال سنوات الانقسام العشر عن التعامل مع الرئيس عباس والسلطة الفلسطينية، كممثلة للشرعية الفلسطينية، ويمكن الإشارة إلى مجموعة القرارات الدولية التي حصلتها السلطة من خلال المؤسسات الدولية، كالاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة، والانضمام إلى العديد من المؤسسات الدولية، كل ذلك حصل وغزة خارج سيطرة السلطة الفلسطينية نسبيا، وحتى «إسرائيل» لم تتعامل مع غزة بشكل مباشر إلا من خلال السلطة الفلسطينية سواء في مقاصة الضرائب، أو إمداد غزة بالكهرباء، أو حتى في التعاملات المدنية اليومية التي كانت تتم من خلال الارتباط الفلسطيني التابع للسلطة الفلسطينية، ومن المهم التذكير بأن أطماع «إسرائيل» ليست في غزة، وإنما في أجزاء من أراضي الضفة الغربية، والقدس الشريف، ويمكن لذلك أن يتم بسهولة مع بقاء غزة خارج سيطرة السلطة الفعلية، أو الكاملة، حيث عمليا بقيت غزة خاضعة لقرارات السلطة، وظلت السلطة قادرة على التأثير في مجريات الأحداث اليومية في غزة من خلال التحكم في الموارد المالية، واحتكار التمثيل الشرعي لفلسطين، وأظن أن إنجاز ما يسمى بصفقة القرن دون غزة بما تمثله من ثقل لفصائل المعارضة، كحماس والجهاد، سيكون أيسر من تحقيقها بوجود هذه الفصائل داخل المعادلة، وسيتم حشر غزة في الزاوية، كإقليم متمرد ليس على السلطة وحدها، وإنما على الشرعية الدولية، مما سيضاعف من الصعوبات التي تعانيها غزة. السؤال الثالث والأكثر حرجا وحاجة للوضوح: وهل هناك دول أو قوى محلية أو إقليمية تتحرك خارج نطاق الرغبات الدولية ومعايير القوة بالكامل؟! أم أن كل التفاصيل محكومة بسقوف يعرفها الجميع ولا يستطيعون تجاوزها؟!. يحتاج هذا السؤال لشيء من الصراحة والوضوح، حيث من الغباء الاعتقاد بأن هناك دولة مطلقة الحرية يمكنها فعل كل ما تريد، فحتى القوى العظمى ومنها أمريكا لها سقوف تتحرك تحتها، بالطبع مع فارق في سعة وارتفاع هذه السقوف.

فالجميع يتحرك تحت سقوف محددة مسبقا دون أن يعني ذلك التسليم بها كقدر، وإنما مجرد محاولة تحسين ظروف الاستفادة من المتاح، انتظارا لتغيير ما قد يحسن من فرص أدائنا ومطالبنا، وأيضا مع التأكيد على ضرورة استمرار محاولاتنا لإحداث تعديلات ما في السقوف المتاحة.

وأخيرا؛ فإن أي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية بما يخالف الحق التاريخي الفلسطيني، سوف لن يكون لها أي شرعية، سوى شرعية القوى التي ينطبق عليها المثل القائل: «دوام الحال من المحال».