Untitled-2
Untitled-2
إشراقات

المجالس العمانية .. أدوار ووظائف تنتظر التفعيل

19 أكتوبر 2017
19 أكتوبر 2017

صنع الشخصية الإيجابية -

هلال بن حسن اللواتي -

الحوارات التي تشهدها المجالس أو السبلة في الحقيقة تؤدي دوراً تربوياً من أعلى الأدوار وأتقنها وأسرعها في تنمية النشء على صناعة شخصية إيجابية ريادية تتمكن من تحمل المسؤولية في مستقبلها القريب، وهذا يبعث في نفسية الأب الراحة على سلامة مستقبل الأجيال، فإن ما يتعلمه المرء من مثل هذه الجلسات من الكبار ما لا يمكن لأي مؤسسة تربوية أن تقدمه، حيث هنا يرتفع التكلف والاصطناع، وتشتد الملاحظة لكل ما يصدر من كل فرد في هذه الجلسات، وهي تترك أثراً تربوياً جميلاً راسخاً يؤثر على شخصية هذا المتلقي بشكل أشد وأتقن وأسرع وأكمل، فإن ما تشهده المجتمعات الإنسانية اليوم من انسلاخ قيمي أدبي أخلاقي فكري وسلوكي لأمر خطير جداً، ومع فقدان التوجيه والنقد البناء أصبح المنكر معروفاً والمعروف منكراً، بل وأصبح يدعى إلى المنكر ويصرف النظر عن المعروف!!.

إن الصبي لما يرى الكبير وهو يتكلم يتأدب في محضره، وينصت إلى حديثه يتعلم بصمته مما يقدم له الكبير من تجاربه الفكرية والعملية باختزال وقوة الكلمة، فينشأ على تلكم الحوارات الناضجة لتروي تربة فكره، وتثمر بأعمال وطنية مبدعة.

مع تعقد الحالة الاجتماعية في الدول عامة وتعقيدها، وفي الدول العربية خاصة بات الحديث عن ضرورة توجيه الناشئة وسائر أفراد المجتمع إلى الأخلاقيات السامية، وإلى المبادئ الإنسانية الجميلة، وإلى إيجاد حالة من التسامح الفكري والروحي لتشمل كل جوانب الحياة وكذا الفئات الاجتماعية المختلفة المتنوعة، وإلى ترسيخ المواطنة النموذجية الصالحة في نفوس الأفراد والمجموعات، الأمر الذي يدعو إلى التفكير الجاد لإيجاد حلول يشترك فيها جميع أطياف المجتمع وأفراده، وإلى وضع سبل وقائية لمنع دخول البذور الفاسدة إلى الأرض الطيبة، والنفوس الحرة الأبية.

وبتوجيهات سامية حكيمة كان بناء قاعات بتجهيزاتها الأساسية التي سميت بالمجالس، وهي عبارة عن ترسيخ ما اعتاد عليه العمانيون سابقا من تجمعات اجتماعية عرفت بــ«السبلة العمانية»، وكانت تنتشر في كافة أرجاء السلطنة، وما زالت في بعض المناطق منها، إلا إن التغير الديموغرافي واتساعه مع الرقعة الجغرافية، مع ما واكب هذا من التطور التقني والتكنولوجي أدى إلى انحسار «السبلة العمانية»، ولكن «المجالس العمانية» أعادت نشاط ودور «السبلة العمانية» مجددا.

إلا أن الملحوظ على «المجالس» عامة غلبة أنشطة معينة كحفلات الأعراس، أو إقامة العزاء، مع أننا لو رجعنا إلى دور «السبلة» الذي كانت عليه المجتمعات لوجدنا أنها كانت تقدم العطاء المركب والممتزج بمختلف الأنشطة الاجتماعية من قبيل التحاور الحر المنضبط بضوابط شعبية مجتمعية، وتلاقح الأفكار المختلفة لبناء المجتمع بأفضل بناء ممكن، وكانت تطرح فيه عدة قضايا تتمحور حول محور الفرد العماني والوطن وما يصب في مصلحتهما، وكانت تستقبل بين جنباتها كافة أفراد المجتمع، إذ كان يشارك فيها الكبار والصغار أيضا، ولعل حضور الصغار في تلكم الجلسات الجميلة كان عاملا مؤثرا على شخصيتهم الفتية، فتشكل فيهم روح المسؤولية، وتعلم أسلوب الحديث والتخاطب الحضاري، والتعرف على الآراء المختلفة واحترامها مع احترام طارحيها أو متبنيها، فيتعلم الصغير من الكبير مجموعة من السلوكيات والأفكار المؤطرة بأطر عملية هادفة، الأمر الذي يساهم في توحيد أبناء المجتمع، وتحقيق روح الوحدة والتضامن، إضافة إلى نشر روح الأخوة والترابط الجميل والثقافة والأدب الرفيع، الأمر الذي جعل المجتمع العماني حقا كأسرة واحدة على ما تشهده المجتمعات من اختلاف طبيعي في المنشأ والحدوث.

إن الحوارات التي تشهدها المجالس أو السبلة في الحقيقة تؤدي دورا تربويا من أعلى الأدوار وأتقنها وأسرعها في تنمية النشء على صناعة شخصية إيجابية ريادية تتمكن من تحمل المسؤولية في مستقبلها القريب، وهذا يبعث في نفسية الأب الراحة على سلامة مستقبل الأجيال، فإن ما يتعلمه المرء من مثل هذه الجلسات من الكبار ما لا يمكن لأي مؤسسة تربوية أن تقدمه، حيث هنا يرتفع التكلف والاصطناع، وتشتد الملاحظة لكل ما يصدر من كل فرد في هذه الجلسات، وهي تترك أثرا تربويا جميلا راسخا يؤثر على شخصية هذا المتلقي بشكل أشد وأتقن وأسرع وأكمل، فإن ما تشهده المجتمعات الإنسانية اليوم من انسلاخ قيمي أدبي أخلاقي فكري وسلوكي لأمر خطير جدا، ومع فقدان التوجيه والنقد البناء أصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا، بل وأصبح يدعى إلى المنكر ويصرف النظر عن المعروف!!.

إن الصبي لما يرى الكبير وهو يتكلم يتأدب في محضره، وينصت إلى حديثه يتعلم بصمته مما يقدمه له الكبير من تجاربه الفكرية والعملية باختزال وقوة الكلمة، فينشأ على تلكم الحوارات الناضجة لتروي تربة فكره، وتثمر بأعمال وطنية مبدعة.

ومن هنا تتوجه الأنظار إلى ضرورة تفعيل دور «المجالس» تفعيلا يتناسب مع وضعها والحالة الاجتماعية، لهذا قد تطرح مجموعة من المقترحات لتفعيل دور هذه المجالس العمانية بما يخدم المجتمع أفرادا وأنشطة:

منها: إقامة الندوات والمحاضرات الهادفة التي تستهدف مختلف الشرائح المجتمعية حسب الجدول المقرر لها، ولا شك أن التفضيل يكون لما هو مستجد في الساحة الاجتماعية والعصرية العالمية أو الإقليمية والوطنية.

ومنها: مناقشة القضايا أو الشؤون المتعلقة بالمجتمع المحلي الخاص، حيث يحضر فيه الوجهاء ومشايخ القبيلة مع من يهمه الأمر، وتطرح القضايا الملحة لأجل أن يدلي كل فرد دلوه، ويكون هناك كاتب يقرر ما يكتب، لتُناقش الأفكار المطروحة بعد ذلك بتصنيف دقيق، وترجيح ما يمكن ترجيحه وفق القدرات والإمكانات المتاحة.

ومنها: تحديد وقت خاص أو جلسات خاصة لمناقشة السلبيات التي يعانيها المجتمع والعمل على تصحيح الخطأ مع طرح البدائل الصحيحة والعمل على تطبيقها تفاديا لتكرار الأخطاء، وإن مثل هذه الجلسات مهمة جدا لأنها تمكن الجميع من وضع الأصبع على مكان الجرح، وهو يبعث الجميع على الاهتمام به، والبحث عن سبل العلاج باعتبار المسألة غير مختصة ببيت دون آخر، أو بأفراد دون الآخرين، بل هي مشكلة الجميع، ويكون البحث فيها على خطوات علاجية وكذا على خطوات وقائية.

ومنها: استدعاء من تكثر عليه الشكاوى الاجتماعية لاستيضاح أمره وحالته لأجل الوصول إلى حلول تربوية أو اقتصادية أو فكرية تساهم في ارتقاء الأفراد إلى حياة أفضل.

ومنها: حل المشكلات الأسرية، وخاصة حالات الطلاق التي بات المجتمع يشكو من كثرتها، فيمكن البحث عن أسبابها، ويدعو أولياء الأمور إلى ضبط النفس، وعدم الانسياق وراء عواطفهم فبدلا عن المساهمة في إيجاد الحلول يعمقون المشكلة، وقد يصرون على طلاق الأبناء ما يضع المجتمع يدق ناقوس خطر كثرة المطلقات، وما يترتب على هذا من مشكلات اجتماعية كثيرة.

ومنها: أن تصبح هذه المجالس حلقة وصل بين أفراد المجتمع والجهات الحكومية المعنية، حسبما يتطلبه التسلسل الإداري في رفع ما يلزم رفعه لإيجاد حلول مناسبة لما قد يعانيه المجتمع وأفراده.

ومنها: إقامة دورات أو دروس للناشئة بل ولكافة أفراد المجتمع وفق الجدول المعلن بتصنيف وصفي معين، ليضم بعد ذلك الفئات الاجتماعية ذات الاهتمام الخاص.

ومنها: البحث عن سبل تطوير المنطقة، ووضع آلياتها المناسبة وتقديمها إلى الجهات المختصة.

ومنها: رفع الكفاءات العلمية في المدينة لتشكل هذه الحالة روح التنافس بين المناطق في التقدم العلمي والعملي ما يساهم في رفع مستوى الوطن.

ومنها: جرد الحالات الاجتماعية الخاصة في قوائم، ومن ثم العمل على زيادتها إن كانت إيجابية، أو على تقليلها وإزالتها إن كانت سلبية.

ومنها: العمل على زيارات ميدانية للمنطقة التي تضمن المجلس فيها، وذلك لتفقد الأفراد والأسر، ومعرفة حالاتها، لتدون في مرحلة لاحقة تلكم الحالات التي تحتاج إلى عناية ورعاية وتوجيه وإرشاد.

ومنها: أن تكون بين هذه المجالس زيارات يستفيد كل منها من الآخر، وتكون الآلية كالآتي: بحيث تكون الزيارات بين مجالس المدينة الواحدة فيما بينهم، وفي دائرة أوسع منها أن تكون الزيارات بين مجالس الولاية، وفي دائرة أوسع منها أن تكون الزيارات بين مجالس المحافظات.

الأمر الذي سياهم في تعزيز دور المواطن، ويشيع في الوقت نفسه روح المحبة والوئام والتعارف والترابط والتلاقح، ويرفع الأفكار السلبية والانقباض النفسي المحتمل.

ومنها: إقامة جلسات حوارية توجيهية بين أفراد المجتمع وبين العلماء والمسؤولين، وبما أن الجلسة تكون عادة غير رسمية فإنها تحمل الكثير من الشفافية والحوار الحر، الأمر الذي يقرب النفوس ووجهات النظر بين المواطن والمسؤول.

وينبغي أن يشارك في هذه المجالس كل أفراد المجتمع بلا استثناء، وهذا بدوره يساهم في التعرف على القابليات والكفاءات والمؤهلات في المجتمع، وتمكن الآباء من توجيه الأبناء إلى ما توجههم تلكم الطاقات والكفاءات لترسيخها بشكل متقن، ليصبح بعد ذلك هذا الفرد من القائمين على تحمل المسؤولية المناطة إليه.

ولعل مثل هذه الاجتماعات في المجالس تساهم في رفع الحالة النفسية التي يتحرج الشاب بسببها من الإقدام على بعض الوظائف التي يحتاجها المجتمع، حيث نجد الشاب يرى وجوب الترفع عنها وضرورة تسليمها لغيره، ومثل هذا الشعور في جو مجتمعي يؤطر بأطر المصلحة الاجتماعية مع تعاون الجميع وتأييد منهم، وارتفاع حالات التعيير والاستنكاف والاستذلال وشبهها سوف يزول، بل وسيكون دافعا إلى الإقدام بلا أي حرج أو ترفع أو خجل، وبالخصوص أنه سوف يجد له مشجعا ومؤيدا ومعززا، ولهذا نرى أن هذه المجالس سوف تساهم في تشغيل الأيدي الوطنية في تلكم الوظائف الخاصة.

ونرى أن تشكل لهذه المجالس والاجتماعات هيكلية خاصة تضم أفرادا بوصف خاص، ويكون هذا الوصف دائما، مع تغير أفراد آخرين، كأن يكون الوالي من الثابتين فيها، وأن يتغير شيوخ القبائل لإدارة الجلسات بين فترة محددة، بشرط ألا تزيد عن سنتين، ليحظى الجميع بفرصة الإدارة، وتقديم ما لديه من الابتكارات والإبداعات، ونظرا لكثرة الارتباطات لشيوخ القبائل أقترح أن يكون لكل شيخ قبيلة مجموعة أفراد معتمدين لديه في قبيلته كأن يكونوا من جملة مجلس مشيخة القبيلة التي يديرها هذا الشيخ في قبيلته، وفي مثل هذه الجلسات يحضر بعضهم نيابة عنه، وبهذا يخفف الثقل والعبء عن كاهل شيخ القبيلة، وطبعا مثل هذه الإدارة تخضع لموافقة الجهة المختصة، ونرى أنها تساهم استراتيجيا على مدى بعيد في حل الكثير من المشكلات التي تعاني منها بعض القبائل، حيث عدم قدرة فرد واحد على إدارة مجموعة كبيرة من المسؤوليات الاجتماعية والشخصية والحكومية وغيرها، وهو أمر طبيعي حسبما عليه الطبيعة البشرية التي لا تتمكن من حمل مسؤوليات كثيرة في آن واحد.

إننا جيل قد لحقنا بالفترة التي كانت تسود فيها المجالس العمانية فكان لها التأثير الجميل على نفوسنا، وجاء الجيل الآخر فاقدا لتلكم الجلسات بين الكبار، ففقد أسلوب الحوار والأدب، وبرجوع تلكم الجلسات مع كبار السن والمجتمع نأمل في عودة تلكم العادات الطيبة التي أثمرت أجمل ثمار التعايش والمحبة بين كافة العمانيين، وجعلتنا جميعا أسرة واحدة، فنحمد الله تعالى على هذه النعمة العظيمة، ونسأله سبحانه أن يديمها علينا وعلى أجيالنا بخير وعافية وسداد، وأن يحفظ صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم - حفظه الله ورعاه -، وأن يديم عليه الصحة والعافية مع حفظ هذا الوطن الغالي سلطنة عمان وأهلها، وكل من على ترابها يعيش، كما أسأل الله تبارك وتعالى أن يعم على جميع البلدان والعباد الأمن والآمان والعافية مثلما أنعم علينا أهل عمان.