salem-22
salem-22
أعمدة

إضاءة :طموحات الشباب

19 أكتوبر 2017
19 أكتوبر 2017

سالم بن حمدان الحسيني -

تمثل المجالس العامة قديما وحديثا الواجهة الحضارية للمجتمع العُماني، فهي بالنسبة له مركز ثقافي وتعليمي وتربوي وتنويري، ولا يكاد يخلو حي من الأحياء من وجود مثل هذه المجالس يجتمع فيها سكان الحي صباح مساء، فيستفتحون صباحهم فيها باحتساء فنجان القهوة ويختتمون مساءاتهم بارتشاف مشروب شاي الزنجبيل أو الزعتر العُماني تتخلل تلك الجلسات الصباحية والأمسيات أجواء رائعة من الود والاحترام وما يميزها أكثر تلك البساطة التي يمتاز بها العُماني سواء كان في مأكله أو ملبسه أو حتى في حديثه؛ لذلك كانت هذه المجالس بيئة جاذبة يرتادها الصغار والكبار على حد سواء، فقد كان الآباء والأجداد يستثمرون أوقات فراغهم في هذه المجالس في القراءة أو الاستماع إلى أحدهم وهو يقرأ على الحاضرين كتابا في الفقه أو الحديث أو بعض الدواوين الشعرية والنظمية التي تحوي الأحكام الشرعية والحكم والمواعظ؛ ولذلك كانت الاستفادة حاضرة بشكل يومي، وقد كونت عند الكثير منهم رصيدا ثقافيا ومعرفيا خاصة فيما يجب أن يتعلمه المرء من أمر دينه، وهو ما اصطلح عليه العلماء والفقهاء «المعلوم من الدين بالضرورة»؛ لذلك نجد أنه مع ندرة المدارس آنذاك وصعوبة الوصول إليها مع شظف العيش في ذلك الزمان تمثل هذه المجالس مآلا للتزود من هذا الزاد المبارك والارتشاف من معينه العذب الذي تحيا به الأرواح، وتأنس به النفوس وتسكن إليه المهج لتقوي صلتها بخالقها العظيم بعيدا عن التكلف والغلواء والشطط؛ فلذلك نجد انعكاس ذلك متمثلا في الخلق الرفيع والتواضع الجم وهو سمت تميز به أولئك الرجال الميامين من الآباء والأجداد الذين صنعوا لنا حضارة تحمدهم عليهم الأجيال المتعاقبة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فهذا الخلق الذي يحمله العُماني حيثما حل وارتحل وهذا الكنز المعرفي والثقافي وهذا التميز في المأكل والملبس والمشرب والهيئة والوقار وما صاحبه من ابتكار في الهندسة المعمارية من بناء القلاع والحصون المهيبة ومنظومة الأفلاج التي تجري عبر قنواتها ينابيع الخير تنشر الخير والنماء في ربوع الأرض هو ثمرة ذلك النهج القويم الذي تربى عليه العُماني جاعلا نصب عينيه «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا».

لذلك فإن الاستمرار على ذلك النهج الحميد الذي نتفيأ ظلاله ونقطف ثماره اليوم يجب أن نترسم خطاه ونطوره حسب مقتضيات العصر الحديث، ومن ذلك تفعيل دور هذه المجالس وتوظيفها بما يوازي تكاليفها الباهظة خدمة لهذا الجيل والأجيال القادمة؛ حتى لا يكون هدفنا وتوجهنا من بنائها المفاخرة والمباهاة دون أن تقوم بدورها الرائد المأمول في أداء رسالتها السامية، خاصة أن الإمكانيات والطرق والأساليب والمعينات قد توفرت في هذا الزمان خلافا على ما كان عليه أيام زمان فالتقنيات الحديثة ساعدت كثيرا في نشر العلم والمعرفة، وليكن استغلالها بطرق جاذبة كوضع الشاشات على جوانبها لنقل الحوارات المباشرة واستضافة مشايخ العلم لإلقاء الدروس ولو بشكل أسبوعي عبر طرح الأسئلة والاستفسارات فيما يهم الإنسان من أمر دينه أو استضافة عدد من المختصين في الشؤون الثقافية والاقتصادية في تنفيذ البرامج التنموية التي تقوم بها الجهات المعنية وتشجيع الشباب على الانخراط فيها وتزويدهم بالآراء والأفكار والمقترحات والأخذ بأيديهم نحو إقامة المشاريع الإنمائية الفردية والجماعية.

إذن فهناك العديد من المهام التي يمكن أن تقوم بها هذه المجالس لو استثمرت واستغلت الاستغلال الأمثل وينبغي أن يسعى المجتمع بأسره لتفعيل ذلك وأن تتبنى الجهات الحكومية منها والأهلية دور التثقيف والإنماء المجتمعي وذلك بوضع البرامج واقتراح الخطط الداعمة للشباب في لقاءات مباشرة معهم وطرح الرؤى عبر هذه المجالس، فالوصول إلى الشباب في عقر دارهم وتحفيز ملكاتهم الفكرية وقدراتهم الجسمية والعقلية من خلال إقامة تلك الندوات بهذه المجالس القريبة منهم أمر في غاية الأهمية، فإن الكثير من أصحاب الطموحات حاولوا طرق أبواب بعض الجهات المعنية فتحطمت طموحاتهم على عتباتها وتلاشت هممهم وعزائمهم وأفكارهم الوقّادة عبر البيروقراطية الزائدة دون أن يحققوا أحلامهم. ولا شك أن مبادرة المعنيين للوصول إلى الشباب الباحثين عن العمل واحتوائهم تشجيعهم على تبني هذه المشاريع الإنمائية وتفعيل برامج الرفد وتنفيذ وغيرها من البرامج سوف يحل جزءا كبيرا من مشكلة البطالة لدى هؤلاء الشباب ويستفيد الوطن من طاقات معطلة كانت قادرة على دفع عجلة التنمية وإدارة المشاريع الاقتصادية العملاقة التي تدار بأياد وافدة بمبادرة جادة من جهات الاختصاص لتنقلب الموازين لصالح الوطن والمواطنين.