أفكار وآراء

الطريق الى العدالة الضريبية

18 أكتوبر 2017
18 أكتوبر 2017

مصباح قطب -

[email protected] -

طرأ بعد جديد في العقدين الماضيين على مفهوم العدالة الضريبية لم يكن موجودا من قبل، أو لم يكن ظاهرا بهذا الوضوح ، ومؤثرا بتلك الكيفية، إلا وهو التعاون الدولي المتعدد الأطراف لتحقيق عدالة ضريبية أكثر نجاعة علي المستويين الدولي والمحلي ، بعد أن أصبح من الشائع لجوء الشركات المتعددة إلى حيل لا آخر لها لتخفيض ما يجب ان تدفعه من ضرائب أو تأجيله أو حتى تجنب دفعه كلية،وقد علا نشاط الملاذات الضريبية بشكل مخيف.

في بداية الجنات الضريبية كان اللجوء اليها مقصورا إلى حد كبير على الأموال غير الشرعية وشيئا فشيئا بدأت الشركات الكبيرة تدخل هذا المضمار وتنقل جانبا من إيراداتها وأرباحها إلى تلك الجنات على الرغم من انها لا تمارس نشاطا فيها ، وظل الأمر أيضا في حدود كان من الممكن احتمالها أو التستر عليها ، مع محاولات كل دولة ان تطبق على تلك الشركات ما يسمى بالسعر المحايد أو العادل لمعاملاتها مع الأطراف المختلفة بما فيها تلك الجنات، وبما يضمن تقليل المبالغ المجنبة أو المهربة من الضرائب، ثم ان الساسة كانوا يحرصون على عدم التصادم مع أصحاب الشركات الكبيرة تجنبا للضغوط والمشاكل السياسية ، ثم بدأت تنشأ في داخل الدول الكبيرة ذاتها ملاذات ضريبية كما هو الحال في مواقع في انجلترا او امريكا ، ثم اصبح الموضوع كالسعار اذ رأينا النخبة الاقتصادية في كل بلد وقد انشأ كل واحد فيها لنفسه شركة او شركات خارج الحدود وفي تلك الجنات تحديدا ، ليستطيع التهرب من التزاماته الضريبية قدر الامكان ، وان حدث في حالات نادرة للأمانة ان من يفعل ذلك كان يفعله لمجرد البحث عن اجراءات اسهل هربا من البيروقراطية في بلاده وليس للتهرب .

المهم استمرت الظاهرة في التمدد دون مواجهة حقيقية من المجتمع الدولي إلى ان جاءت الأزمة المالية والاقتصادية العالمية 2008 واحتاجت الدول الأوروبية كلها بلا استثناء تقريبا ، وأمريكا ، الى موارد ضخمة لامتصاص الأزمة واعادة التعافي إلى الاقتصاد ، ولم يكن مفر من زيادة الايرادات الضريبية التي هي العمود الفقري للموازنات العامة في تلك الدول ، ومن هنا تصاعد الجهد الذي بذلته وتبذله منظمة دول التعاون الاقتصادي والتنمية من اجل محاصرة الجنات الضريبية وألاعيب التجنب الضريبي ، واسفر الأمر في النهاية عن ظهور الاتفاقية متعددة الأطراف لمكافحة التجنب الضريبي وتآكل الأرباح أو الوعاء ، بجهد بين المنظمة ومجموعة العشرين ، وتم التوقيع عليها بالفعل منذ نحو أربعة اشهر، ولم ينضم إلى الاتفاقية من الدول العربية سوى الكويت ومصر (مع تحفظات لهما على بعض البنود وعدم التوقيع على بنود أخرى ). ولأن الوعي بتلك التطورات لا يزال محدودا في العالم العربي تحدثت إلى الدكتور مصطفى عبد القادر- الرئيس الأسبق لمصلحة الضرائب المصرية والخبير الدولي في «اسكوا» وأحد القلائل المتابعين لهذا الملف في المنطقة العربية - والذي قال: أولا ان الوثيقة متعددة الأطراف تغطي مكافحة التجنب الضريبي في مجال الضرائب على الدخل أو رأس المال فقط أما الضريبة على القيمة المضافة فلا يوجد لها اتفاقية دولية مثيلة بسبب أنها تفرض على استهلاك السلع والخدمات في اقليم الدولة فقط، وبالتالي لا مجال لاتفاقية متعددة الأطراف بشأنها ، وفي المقابل تسعى منظمة دول التعاون الاقتصادي ( o.e.c.d ) وغيرها لبناء اتفاقية لتبادل المعلومات فيما يتعلق بالضرائب غير المباشرة لتحقيق الانضباط في فرض هذه الضرائب خاصة في مجال تجارة الخدمات والأصول المعنوية ( مثل اسم الشهرة ). وسألته عما إذا كانت تلك الاتفاقيات تخدم الكبار فقط وبالتالي لا يجب ان نعني بها؟ فقال ان ذلك غير صحيح ذلك أن ممارسات التخطيط الضريبي واحدة في الدول النامية أو الكبيرة ، والفرق الوحيد هو في مدى قدرة الدولة أو الإدارات الضريبية بها على تتبع آليات التخطيط الضريبي وكشفها وإبطال مفعولها، لذلك فالاتفاقية تهم الجميع ، وهي تسمح بتبادل المعلومات ولكن في مجال محدد وهو تسعير التعاملات بين الشركات المرتبطة من خلال ما يعرف بتبادل التقرير بين الدول ذات الصلة لذلك يسمح الإجراء الثالث عشر من مشروع تآكل الوعاء وتحويل الأرباح بتبادل التقرير بين الدول ذات الصلة في مجال تسعير التحويلات بما يفيد في محاصرة التجنب الضريبي ، ومعرفة كل تعاملات الخاضع في أي دولة . وعما إذا كانت الاتفاقية ستساعد أيضا على الحد من غسيل الأموال ؟ قال عبد القادر ان مكافحة غسيل الأموال أو التهرب الضريبي يتم الاعتماد فيها على المعلومات علاوة على أن التشريعات الضريبية في غالبية الدول تتضمن نصاً يتعلق بمؤشرات الثراء التي يتم من خلالها فرض الضريبة على أي زيادة في الثروة غير محددة أو يعجز الشخص عن إثبات مصدرها، وهذا النص كان موجودا ضمن مشروع القانون (91) لسنة 2005 بمصر لكن تم استبعاده لأسباب غير معروفة! ! . بل تم إلغاء التزام الممول بتقديم إقرار الثروة الذي كان معمولاً به منذ القانون (14) لسنة 1939 والحقيقة أن الشفافية الضريبية تقتضي ضرورة عودة هذه النصوص مع التأكيد على أهمية الفصل بين المسؤوليات المتعلقة بهذه الثروة بين السلطة الضريبية وجهاز مكافحة غسيل الأموال. ومن المبادرات الرائدة في مجال مكافحة الفساد مبادرة تعليمات الاتحاد الأوروبي في المحاسبة والشفافية التي بدأت في سبتمبر 2010، استجابة للتطورات الدولية، وبصفة خاصة، قانون «دود فرانك» في الولايات المتحدة لمواجهة ظاهرة الفساد العالمي . وتقوم هذه التعليمات على أساس ضرورة إفصاح الشركات العاملة في قطاع الصناعات الاستخراجية والبحث عن البترول أو الغاز أو الموارد المعدنية أو قطع الأشجار عن المدفوعات التي تقوم بها للحكومات الفيدرالية أو الأجنبية.

سألته ايضا عن كيف يتم التعامل مع دول غير موقعة وتسمح بمزايا ضريبة تفضيلية غير عادلة او غير مشروعة ؟ فرد :

المنظمات الدولية تحاول حاليا محاصرة الدول التي لا تتبادل المعلومات بل وتسعى الى وضعها في قائمة سوداء . ولا يهم هذه الدول فرض أو عدم فرض ضرائب على الدخل ولكن يهمهم تحرير المعلومات الا ما يجب عدم الافصاح عنه حماية للمستثمر.

وقد طرحت ان من المخاوف الشائعة في مصر حيال الاتفاقية كمثال كونها تتحدث عن التحكيم الالزامى وتجاربنا العربية فيه سيئة ؟ فقال الدكتور مصطفى ان من المفيد ان نختار تطبيق الجزء السادس من الوثيقة بشأن التحكيم الإلزامي، فإذا كنا كما نردد دائماً أننا نبحث عن جذب الاستثمارات فكيف لا نوفر اليقين للمستثمر، لذلك فإن منح الممول الحق في اللجوء للتحكيم الإلزامي فهو من ناحية يحقق فكرة اليقين للمستثمر ومن ناحية أخرى يوفر هذا التحكيم قاعدة قانونية قد ترفع من القدرات وتضع أسسا قانونية هامة في مجال تطبيق اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي. علاوة على ذلك، أن التحكيم في الوثيقة محاط بقواعد جيدة،فأطرافه هي السلطات الضريبية في الدول المعنية مع وجود خبير عالمي مستقل( الرئيس ) ، والتحكيم ليس بديلا عن الآليات الوطنية لحل المنازعات، ووفقاً للتحكيم تتقدم كل سلطة ضريبية بمشروع تسوية، كما يمكن للممول المضار الاستمرار في التقاضي العادي إذا لم يرتض قرار لجنة التحكيم ومن ثم فهناك حياد كامل في التحكيم الإلزامي.

وعلمت من الخبير الدولي ان هناك مشكلة كبيرة أمام المنظمة وربما العالم كله وهي كيفية تحديد أرباح أنشطة الاقتصاد الرقمي والتي لا تحتاج إلى مقرات دائمة او مقر نشاط بالمعنى المألوف : وكما نعمل فوجود مقر النشاط او المقر الذي يتم فيه توليد القيمة هو مناط فرض الضريبة طبقا للاتفاقية ،لكن نظراً لصعوبة تحديد الأرباح التي يتم نسبتها للمنشأة الدائمة في مجال نشاط الاقتصاد الرقمي وفي ظل حالة الخوف التي تعيشها الدول المتقدمة من التطبيق في الدول النامية،يلاحظ عدم قبول الولايات المتحدة لذلك التطبيق بالإضافة إلى أن أكثر من ستين دولة ومن بينها المملكة المتحدة تحفظت على تطبيق هذه النصوص وحجتهم هي انه لا بد من توفير اليقين الكامل للممول بان فرض الضريبة عليه في مثل هذه الحالة يتم وفق معايير منطقية ودقيقة ولهذا تسعى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى اصدار دليل لاحق بكيفية فرض الضريبة على مثل تلك الشركات. ومن المقترحات في هذا الشأن ما اقترحه ماكرون مثلا بأن يتم فرض ضريبة مستقطعة من المنبع على إجمالي قيمة التعامل وهناك أفكار مختلفة .