randa2
randa2
أعمدة

عطر: ضائقة فكرية

18 أكتوبر 2017
18 أكتوبر 2017

رندة صادق -

[email protected] -

الإنسان المعاصر إنسان يعيش ضائقة فكرية، قبل الضائقة المالية، تتجلى بعدم قدرته على رؤية الواقع المجرد من كل الأحكام المسبقة، وفي الأغلب هناك تشويش أصاب مواقع الاستقبال في عقله ومشاعره، فالحياة بالنسبة له حياة مركبة معقدة متراكمة المسؤوليات بطريقة تصاعدية مربكة له، فلم تعد حاجات الحياة تبنى على الأمور الأساسية بل على الكماليات التي فرضت نفسها بفعل تحول العالم إلى قرية يعرف الناس بعضهم البعض فيها، وينقلون نشراتهم النفسية والاجتماعية على صفحات “السوشيال ميديا”، وكأن الحياة مشاهد متتالية تعرض على مسرح العولمة بطريقة استعراضية تنامت لتتحول إلى حالة من الهوس، وقد بلغ الأمر باعتباره مرضا نفسيا وبائيا يتفشى في كافة المجتمعات.

لقد اهتم المعنيون في رصد هذه الظاهرة ومتابعتها وإجراء الأبحاث الاجتماعية والنفسية التي ترصد التحولات في المجتمعات الإنسانية على كوكب الأرض، كل من زاويته، هذا التأثير لا يمكن حصره بالمجتمعات العربية بل على العكس فان المجتمعات الإنسانية غربية كانت أم شرقية وقعت في فخ العولمة وأن يكن من الطبيعي أن يتأثر المجتمع الشرقي بطريقة مختلفة، كونه مجتمعا عقائديا يعيش تحت سقف الدين، ولأول مرة لا يمكننا اعتبار المجتمعات الغربية أكثر وعيا وحذرا في التعامل مع نمط الحياة الجديد، ولكن نحن لنا اعتبارات مختلفة تجعلنا نحتاج إجراءات أكثر ضبطا لحالة الإدمان والتعري النفسي التي تجتاح مجتمعاتنا، كوننا تربينا على مبادئ احترام الخصوصية وسرية الأعمال، «واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان» رحمة بغيرنا واحتراما لقيمنا الإسلامية والإنسانية.

الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها «أنّنا وقعنا في «الفخ « فخ العولمة، فحين وضعت مؤشر البحث على جوجل لأتعرف على الواقع المر الذي نعيشه، صدمتني مئات بل آلاف المقالات التي كتبت تحت عناوين من نوع : مواقع التواصل الاجتماعي تتسبب في التفكك الأسري، تأثير السوشيال ميديا وخاصة الفيس بوك على العلاقة الزوجية والمساهمة في حالات الطلاق في المجتمع العربي والغربي، اهتمام الشباب الزائد ب”السوشيال ميديا ” ظاهرة أم إدمان؟»

هذه نماذج مررت عليها وجعلتني أدرك أن هناك مشكلة يجب التعامل معها، وإطلاق جرس الإنذار خاصة أن أكثر ما بات مرعبا، أن الناس جميعهم يعيشون البث الحي من بيوتهم وأماكن تحركهم، فما لا ينشر على «الفيس بوك» ينشر على «الإنستجرام» او يبث على «السناب شات» أو حتى يوضع على الحالة في «الواتس أب»، الجميع يعرف الطقس النفسي لبعضهم البعض، متى يجوعون ومتى ينعسون ومتى يحلمون ومتى تجتاحهم مشاعر الحب؟ حالة من التطفل المباح لأننا نحن من نزود محركات البحث بالمعلومات عنا.

استعمرنا العالم الافتراضي وحول العالم الحقيقي إلى ظل لا أكثر، فأغلب الناس تلبس وتأكل وصورة السلفي ترافقهم، وقد عزز هذه الحالة المرضية دخول المشاهير فيها، ولعل سبب كتابتي لهذا المقال هو فيديو لممثلة عربية سألها فيه المذيع:«لو أحببت أن تختاري شخصا لتأخذي معه صورة سلفي من تختاري؟ فأجابت: مع ربنا».

طبعا الأمر اعتبره رواد «السوشيال ميديا» نكتة ساذجة، ولكن في الحقيقة هي خانها التعبير وظنت أنها ستُلمع صورتها الدينية، ولكن هذا إن دل فهو يدل على برمجة فكرية وقعت تحت تأثيرها هي وغيرها، طبعا لا ننسى أن بعض المشاهير يصور لنا أحذيتهم وملابسهم وكل ما يتعلق بهم .

بالمحصلة نحن في ضائقة فكرية جعلتنا نخسر حياتنا الحقيقية وجمالياتها وسحر غموضها، انها أزمة وعي واستيعاب ستدخلنا أو أدخلتنا في عصر جديد من الجليد الفكري والتقليد الأعمى، ولا أظن أن العالم قادر أن يتخلى عن هذه الظاهرة، بل هو سيرسخها لتصبح واقعا ثقافيا ستتبناه الأجيال القادمة.