أعمدة

نوافـذ: كـلها «100» بيسـة

17 أكتوبر 2017
17 أكتوبر 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

حتى عهد قريب عندما لم تكن مواقف السيارات في أماكن كثيرة «عامة» كان هناك شح في الحصول على موقف، وخاصة في الأسواق، وقرب المجمعات التجارية، وعلى صاحب الأسرة أن يوقف سيارته على مسافة لا تقل عن كيلو في بعض الأحيان، وربما أكثر، حتى وضعت عدادات مواقف السيارات، حيث يحصل العكس الآن، تجد المواقف الخاضعة لرسوم العدادات تكاد تكون خالية، أو كثير منها خال، والمساحات الأخرى حتى الى مسافة الكيلو متر، أو أكثر تكون مزدحمة ازدحاما غير طبيعي، وخاصة في المناسبات، ما عدا يومي الإجازة الأسبوعية، والسر في ذلك الـ «100» أو الـ «200» بيسة في حالة الوقوف ساعة كاملة.

قد يقول قائل إن هناك أناسا دخولهم قليلة، وبالتالي فهم معذورون إن هم وفروا هذا المبلغ «الزهيد» مع كل زيارة للسوق، وإن كنت أتفق على حد ما، مع وجهة النظر هذه، إلا أنه ما عذر أولئك الذين يمتطون السيارات الفارهة من الدفع الرباعي واخواتها، هل هم حقا، ليوفروا هذا المبلغ عندما يسلكون نفس السلوك، أو يتركون سياراتهم في وضع التشغيل حتى ينجزوا أعمالهم في المحلات المجاورة!

هنا المسألة تتعدى توفير الـ «100» أو الـ «200» بيسة، وتذهب أكثر الى ثقافة مجتمع، فيقينا أن الجهة المعنية بهذا الأمر؛ لا أتصور أن عائد هذا المبلغ الزهيد، سوف يوفر لها موازنة مشاريع، على سبيل المثال، ولكن تأتي هذه الخطوة من باب التنظيم، فالوضع سابقا؛ كان هناك أناس يتركون سياراتهم لأيام عديدة، وقد يكونون في سفر في بعض الحالات، ويظل هذا الموقف محجوزا، لا يستفيد منه طالب الخدمة في ذات الوقت، وقد يبذل الكثير من الجهد مع عائلته لغرض الحصول على موقف، كان من حقه أن يستفيد منه، بدل الآخر الذي هو مسافر، وتارك مركبته في هذا الموقف، بل وصل الأمر في بعض الحالات لأن يترك هؤلاء سياراتهم في مواقف الفنادق لذات الغرض، مما حدا بالكثير منها لأن تسور المواقف الخاصة بضيوفها، أو أن على الضيف أن يأتي بشيء يثبت أنه نزيل الفندق، حتى يسمح له بتوقيف سيارته في المواقف.

لا حظت في إحدى الزيارات لإحدى الدول؛ أنه توضع صناديق على أبواب المتاحف، مع أن دخولها مجاني، وللزائر حرية وضع مبلغ ما، حسب رغبته، من عدمه، ورأيت أن هناك كثيرا من الزائرين يضعون مبلغا ما، ومن ثم يلجون الى داخل المتحف، وهناك أيضا من لا يضع شيئا، هي ثقافة مجتمع، يمثلها الفرد في ذات الموقف، ويقينا للمرة الثانية، أن ذلك لا يزكم الجهة المعنية هناك، أو هنا، من مبلغ زهيد يضعه المتبرع أو طالب الخدمة في المكان المخصص لذلك، مع أن – في حالة مواقف السيارات – هناك رسوم مفروضة على الذين يوقفون سيارتهم ولا يدفعون الـ «100» أو الـ «200» بيسة، والرسوم، لا شك أنها مضاعفة، وتصل الى، كما سمعت، الى عشرات الريالات، والتبرير من أن «والله كل وقفتي لا تتجاوز العشرين دقيقة أو أقل، فكيف ادفع الـ «100» او الـ «200» بيسة لهذا الوقت القصير جدا» وعندما تسجل المخالفة على ذلك، تأتي انهر من التوسلات والاتصالات بفلان وعلان لإزالة المخالفة، والمسألة لا تحتاج الى كل هذا «التشنج» إن تصح التسمية.

عشت في بلد الدراسة الجامعية سنوات، وعايشت أناسا يحضرون فقط يوم الجمعة عند الجامع، وعندهم صناديق للتبرعات، فهذا كافل أيتام، وذاك كافل عجزة، وآخر كافل محدودي الدخل، ورابع كافل أرامل، وتتعدد عناوين الصناديق، وتأتي الحصيلة معقولة، كما كنت أشاهد، فهناك سباق غير عادي لوضع مبلغ زهيد، في هذا الصندوق أو ذاك، من الصغير والكبير، وقد لا حظت أن هناك آباء يوجهون أبناءهم لوضع التبرع في الصناديق، وذلك بهدف غرس هذه القيمة الرائعة «العطاء» حتى تنمو شجرتها الإنسانية مع مرور الزمن، نعم رسوم مواقف السيارات تختلف عن ذات المقصد، ولكنها لا تختلف عن تربية أنفس تغلفها السماحة والعطاء والرضا.