المنوعات

باحثة عمانية تناقش دور بني الجلندى في التاريخ العماني

16 أكتوبر 2017
16 أكتوبر 2017

«العمانية»: شكل وصول مالك بن فهم إلى عمان بداية مرحلة مفصلية في التاريخ العماني. وما تبع ذلك من أحداث وصراع مع الفرس ومع رسوخ نظام الحكم ذاك وثبات عناصره من ناحية، نلمح أن مقاليد الحكم قد شهدت انتقالا إلى أسرة عربية أخرى هم آل الجلندى الذي ظلوا ملوكا حتى مبعث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بل إنه عليه الصلاة والسلام قد أقر عبدا وجيفر على ملكهما.

إن المصادر الإسلامية عامة والعمانية بشكل خاص تحفل بالكثير من الإشارات إلى بني الجلندى وإلى أدوارهم وتاريخهم، ولكن الباحثة مريم بنت سعيد بن مبارك البرطمانية وجدت أن ما ذكرته تلك المصادر يشوبه التناقض وحافل بالمفارقات، ثم إن الكثير من الباحثين قد وقعوا هم أنفسهم أيضا في غمار تلك التناقضات والمفارقات؛ لذا ارتأت الباحثة البرطمانية أن تسلط الضوء على آل الجلندى قبل الإسلام حتى القرن الثالث الهجري/‏‏‏ التاسع الميلادي، محاولة الخروج برؤية أكثر وضوحا لتاريخ تلك الحقبة.

ولقد حافظ بنو الجلندى على بقاء عمان مستقلة في منأى عن التيارات والتجاذبات السياسية التي تتحكم في مراكز الحكم المحيطة بها سواء أكان ذلك قبل الإسلام في الفترة الساسانية أو في الفترة الإسلامية بداية من مبعث الرسالة المحمدية مرورا بالخلافة الراشدية، فالأموية فالعباسية. كما لم يكن العمانيون وعلى رأسهم بنو الجلندى بعيدين عن المشاركة في السياق الإسلامي في إطاره العام، فقد ساهموا في الفتوحات في فترة الخلافة الراشدة، ولكن ما شاب فترة بني أمية وبني العباس من أطماع في عمان وموقعها ورغبة تلك الأنظمة في قمع أي كيان سياسي مخالف لتوجههم قد أدى بالعمانيين إلى أن يدفعوا ثمن استقلالهم.

فبعد وصول الأمويين إلى الحكم عام (41هـ/‏‏‏ 661م) حدثت تغييرات جذرية على العالم الإسلام تمثلت في توتر العلاقات مع بعض القوى المجاورة، وكان آل الجلندى إحداها. وقد ترجم ذلك العداء في إرسال الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق حملات عسكرية متعددة إلى عمان أدت إلى بسط سيطرة الدولة الأموية على عمان بعد هروب سليمان وسعيد ابني عباد بن عبد إلى شرقي أفريقيا. وبقيت سلطة بني أمية قائمة على عمان حتى سقوط دولتهم على يد بني العباس (132هـ/‏‏‏750م). وخلال فترة التحول تلك تمكن العمانيون من توحيد صفوفهم وإعلان قيام الإمامة الأولى، وتم انتخاب إمام من بني الجلندى هو الجلندى بن مسعود.

الحركات السياسية المناوئة لبني أمية حاولت كذلك السيطرة على عمان، ولكنهم فشلوا بسبب اللحمة السياسية والعسكرية للعمانيين، ولكن بني العباس لم يكونوا ليسمحوا للعمانيين بأن ينفردوا بسلطة مستقلة في حكم بلادهم، وقد تمكن خازم بن خزيمة الذي بعثه بنو العباس من قتل الإمام الجلندى بن مسعود، ولكننا نجد أن بني العباس قد عينوا واليين من بني الجلندى على عمان هما: راشد بن النظر ومحمد بن زائدة، وبقيا في منصبيهما مع الكثير من القلاقل والمناوشات مع بقية المكونات السياسية العمانية التي رفضت أي وصاية عليها من قبل دولة بني العباس، وحين جاءت الفرصة تمكن العمانيون من إعلان قيام الإمامة الثانية سنة (177هـ/‏‏‏ 793م)، وبذلك زالت سيطرة العباسيين المتمثلة في ولاتهم من بني الجلندى على عمان. لكن محاولات بني الجلندى للعودة إلى السلطة تمثلت في ثورتين خلال فترة الإمامة الثانية؛ الأولى بقيادة الصقر بن محمد وأخيه راشد بن محمد سنة (207هـ/‏‏‏822هـ)، والثورة الثانية كانت بقيادة المغيرة بن روشن الجلنداني سنة (226 -237هـ/‏‏‏ 840- 851م)، وبثورة المغيرة تكون صفحة بني الجلندى قد طويت من المشهد السياسي العماني.

واتبعت الباحثة مريم البرطمانية في كتابها المنهج التاريخي الوصفي الاستقرائي من خلال استقراء الروايات المختلفة في المصادر الأولية، وتحليلها والمقارنة بين مصادر التاريخ العماني والإسلامي، واستعراض آراء المؤرخين المحدثين في دور آل الجلندى في عمان قبل الإسلام حتى القرن الثالث الهجري.

والكتاب يتكون من ثلاثة فصول يسبقها تمهيد. تناول الفصل الأول تاريخ بني الجلندى قبل الإسلام حتى نهاية العصر الراشدي (40هـ/‏‏‏ 660م)، وقد اشتمل هذا الفصل على مبحثين: تناول الأول منهما دور آل الجلندى قبل الإسلام، كما تطرقت الباحثة إلى نسب بني الجلندى وإلى من ينتسبون، هذا فضلا عن ذكر أدوار عبد عز بن معولة والجلندى بن المستكبر قبل الإسلام، وكذلك علاقة حكام عمان من بني الجلندى مع الدولة الساسانية. والمبحث الثاني عالجت فيه الباحثة طبيعة علاقة بني الجلندى مع البعثة المحمدية الشريفة ودخول العمانيين إلى الإسلام، وعلاقة ملكي عمان بالولاة الذين تركهم الرسول صلى الله عليه وسلم على عمان ومن بعده الخلفاء الراشدون، ودور بني الجلندى في حروب الردة وقيادة عبد بن الجلندى للسرية التي بعثها الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى آل جفنة في الشام.

وألقت الباحثة في الفصل الثاني من الكتاب الضوء على علاقة عباد ومن ثم ابنيه سليمان وسعيد مع دولة بني أمية وتصديهما لهجمات النجدات على عمان سنة (68هـ/‏‏‏ 687م)، كما حللت الباحثة الحملات العسكرية الجرارة التي أرسلها والي العراق الحجاج بن يوسف الثقفي إلى عمان واستبسال العمانيين في الدفاع عن بلادهم، وكيف أن هذه الحملات قد قادت العمانيين إلى الإنهاك أمام هذه الحملات التي استمرت (76-80هـ/‏‏‏ 695-699م)، حيث اضطر سليمان وسعيد ابنا عباد بن الجلندى إلى النزوح إلى شرق أفريقيا.

ويعرج الفصل الثالث على ذكر الدوافع وراء اختيار الإمام الجلندى بن مسعود في سنة 132هـ/‏‏‏749م والظروف المحيطة بأول تجربة للإمامة في عمان ثم الأسباب والظروف التي أدت إلى مقتل الإمام الجلندى سنة 143هـ/‏‏‏751م. بعد ذلك عاد بنو الجلندى ولاة وممثلين لبني العباس على عمان حتى قيام الإمام الثانية 177هـ، ونجد الباحثة تستقصي وتتتبع مساعي بني الجلندى للسلطة عبر ثورتين الأولى سنة 207هـ والثانية 226هـ ولكن على الرغم من محاولات الثائرين انتزاع السلطة من أيدي الأئمة إلا أن مآل تلكم الثورتين قد آل إلى الفشل الذريع.

وتم الاعتماد في هذا الكتاب على مصادر إسلامية وثقت لتاريخ المنطقة مثل تاريخ خليفة بن خياط المتوفي سنة 240هـ، وأنساب الأشراف للبلاذري المتوفى سنة 279هـ، وتاريخ الأمم والملوك للطبري المتوفى في 310هـ، وأما المصادر العمانية فقد تمثلت في كتاب الأنساب للعوتبي المتوفى في القرن الخامس الهجري، وكتاب كشف الغمة للأزكوي المتوفى في القرن الثاني عشر الهجري، وتحفة الأعيان للسالمي المتوفى سنة 1333هـ، هذا إلى جانب عدد من المراجع الحديثة التي تناولت التاريخ الإسلامي المبكر في عمان بما في ذلك تاريخ بني الجلندى.

الباحثة مريم البرطمانية حاصلة على درجة البكالوريوس في التاريخ من جامعة السلطان قابوس 2010م، ثم الماجستير في التاريخ العماني من ذات الجامعة، ولها مشاركات بحثية في التاريخ العماني. وهي عضوة في جمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي.

الكتاب صدر في العام 2015م عن دائرة النشر العلمي والتواصل بجامعة السلطان قابوس، ويقع في135 صفحة.