abdallah-75x75
abdallah-75x75
أعمدة

هوامش...ومتون: مع «الماجدي» في بساتين الأساطير

14 أكتوبر 2017
14 أكتوبر 2017

عبدالرزّاق الربيعي -

[email protected] -

في الوقت الذي سادت الأجواء الشعريّة في السبعينات بالعراق لغة الحماس القومي، بفعل المناخ السياسي الذي جعل الشعراء يعودون إلى التاريخ العربي، ورموزه في عصوره الزاهرة، سلك الشاعر خزعل الماجدي طريقا مغايرا، وسار بعيدا عن تلك الأجواء، إذ غاص في تاريخ الحضارات القديمة، ليمسك بتلابيب الأسطورة، وخاصّة الأساطير الرافدينية، «التي هي أصل أساطير العالم كله» كما يرى، منذ ديوانه الأول «يقظة دلمون» الذي صدر ببغداد عام 1980، ودلمون هي الفردوس في الأساطير السومريّة، ولم يكتف باستدعائها من بطون الألواح القديمة، بل جعلها مادّة أساسيّة في مدوّنته الشعريّة، واضعا عليها بصمته الروحيّة الخاصة، فلم تكن الأسطورة زخرفة خارجية، أو «كولاجا»، بل قام بصهرها في مرجله الشعري،وأعاد صياغتها، وبعد صدور الديوان، وفحصه ظنّ النقّاد، والمتابعون إنّ (يقظة دلمون) ليست سوى مرحلة من مراحل تجربة شاعر متفجّر الموهبة، قادته إليها شعرية الأساطير القديمة،، لكنّ الماجدي الذي يعدّ من أبرز شعراء السبعينات في العراق، واصل مشروعه الشعري بدواوينه اللاحقة «خزائيل»، و«أناشيد اسرافيل»، وسواهما، ليقيم في منطقة الأساطير، هاجرا الطب الذي حصل على شهادة أكاديميّة به، ولكي يكون قريبا من المنطقة التي أحبّ التحق بمعهد التاريخ العربي، والتراث العلمي للدراسات العليا عام 1996، ليواصل مشواره العلمي، والأكاديمي، والشعري، والمسرحي سائحا في حدائق الأساطير، والحضارات القديمة، وتاريخ الأديان، ولم يجد تعارضا، بين هذا وذاك، بل تعاضدا، فهو يقول في حوار أجري معه «الأسطورة، والشعر ينقلان التاريخ إلى مستوى آخر، الأول: قدسي تحاوله الأسطورة، والثاني جمالي يحاوله الشعر.. لكنّ الأسطورة اليوم غائبة لأنها جزء من ديانات آفلة، وقد تحوّلت بسبب هذا الأفول إلى نوع من الأدب، فزالت عنها شحنتها المقدسة، وأصبحت مادة خاما للشعر يمكن أن نحوّل عناصرها الأولية للشعر، فتشع بعناصر جمالية جديدة»

وظل الماجدي يغترف من بحر الأساطير، ليس في الشعر فقط، الذي لم يكتف بكتابته، بل بالتنظير له، وإصدار البيانات في الكتابة الجديدة، والنص المفتوح، مثيرا الكثير من ردود الأفعال ،والنقاشات، وشمل هذا الاهتمام كل المجالات التي زاولها: المسرح، وأعماله التي تجاوزت الـ15 نصّا مسرحيا ،من بينها : «عزلة في الكريستال»، و«هاملت بلا هاملت»، و«قيامة شهرزاد» و«نزول عشتار إلى ملجأ العامرية»، و«قمر من دم»، و«سيدرا»،«نصب الحرية»، و«قطار الخامسة والعشرين»، إلى جانب البحوث، والدراسات التي كتبها، ومحاضرات في لاهاي بهولندا، وأماكن مختلفة من العالم، ومؤلفاته التي زادت عن 35 مجموعة شعرية، وخمسين كتاباً في الميثولوجيا، والتاريخ القديم،وتاريخ الأديان، وعلم، وتاريخ الحضارات، ووضع ترجمة جديدة لملحمة (جلجامش)، مع تقديم قراءة جديدة لها، فقد توّج مشواره الشعري بكتابة ملحمة شعريّة عراقيّة هي «أحزان السنة العراقية» التي ضمت 365 قصيدة، حسب أيام السنة، لينتج سفرا شعريا ضخما على امتداد 850 صفحة، وفيها تحدّث عن التراجيديا العراقية، من حروب، ودماء، وصراعات، وحصارات، واحتلالات، وكوارث .

وواصل نتاجه بغزارة أكبر عقب المحنة الكبيرة التي تعرّض لها عندما جرى اختطاف ولده الإعلامي (مروان) عام 2006م، وانقطاع خبره إلى اليوم، تلك المحنة زادته وهجا شعريا، وقوّة ، إذ وجد في إكمال مشاريعه التي وجد بها خير ردّ على الظلاميين الذين اختطفوا ولده، ومواساة لمعاناته.

وكم كانت سعادة (الماجدي) كبيرة عندما حلّ بيننا ضيفا، بدعوة من النادي الثقافي بالتعاون مع شبكة المصنعة الثقافية لتقديم عدّة محاضرات، وعقد لقاءات، وحوارات إذاعية ، وصحفية، حين يرى بعد كل مشاركة له، ولقاء مجموعة من القارئات، والقراء العمانيين يحملون كتبه، التي سبقت زيارته مسقط بسنوات، للتوقيع عليها.

وفي كلّ ما قدّم من محاضرات، ومداخلات، كان الشاعر المسحور بالأساطير، حاضرا، فالشعر يبقى هو السياج الذي يحيط بكلّ بحوثه، وآرائه، وتحليلاته، وهو يدين للشعر بالفضل كونه قاده إلى الميثولوجيا، في رحلته مع القصيدة التي سعى في كلّ محطاتها إلى صياغة أسطورته الشخصيّة، وهو يتجول في بساتين الأساطير.