1132974
1132974
المنوعات

الجزائر.. الأفلام التاريخية تغزو السينما وسط غياب اللمسة الفنية

13 أكتوبر 2017
13 أكتوبر 2017

الجزائر «الأناضول»: لا تشكو السينما الجزائرية حالياً من ندرة الأفلام التاريخية، التي تروي تاريخ البلاد وأبطال ثورتها التحررية (1954-1962)، غير أنها تشكو من غياب اللمسة الفنية، وفق مختصين.وشهدت الساحة السينمائية بالجزائر خلال السنوات الأخيرة توجها نحو تلك النوعية من الأفلام، لكن مختصين يرون أنّها لم تحقق الجدوى المطلوبة لأسباب فنية، إلى جانب قلة دور العرض لاستيعابها. ودأبت وزارتا الثقافة والمجاهدين في الجزائر، خلال السنوات الأخيرة، على إنتاج العديد من الأعمال التاريخية حول أبطال ناضلوا لتحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي (1830/‏‏1962) أو لتوثيق ما عايشه الجزائريون إبان الثورة التحريرية في خمسينيات القرن الماضي.

ومنذ 2007 حيث كانت الجزائر عاصمة للثقافة العربية، مرورا بالمهرجان الإفريقي الثقافي في 2009 وتلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية في 2011 وقسنطينة عاصمة للثقافة العربية في 2015،إلى جانب الاحتفال بخمسينية الاستقلال 5 يوليو 2012، سجلت الجزائر إنتاج قرابة 20 فيلما تاريخيا. ووقعّ مخرجون جزائريون في هذه الفترات أفلاما ثورية عديد منها «زبانة» للسعيد ولد خليفة (2012)، وأفلام المخرج أحمد راشدي حول شهداء الثورة وهم «كريم بلقاسم» (2015) و«مصطفى بن بولعيد» (2008) والعقيد لطفي (2016)، في الوقت الذي يستعد فيه لعرض فيلم تاريخي تحت عنوان «أسوار القلعة السبعة». وفي «2014» عرض إلياس سالم فيلمه «الوهراني» الذي يتناول قصة صديقين في الثورة الجزائرية ولكن علاقتهما تصدعت بعد الاستقلال سنة 1962.

كما كشف المخرج العالمي لخضر حمينة في السنة ذاتها عن «غروب الظلال» وهو فيلم يروي خلفية الحرب الجزائرية، عبر قصة رقيب فرنسي يؤمن أن الجزائر تنتمي لفرنسا، فيتمرد جندي مواجهًا إياه عندما يطلب منه إعدام جزائري يطالب بالحرية.وطرح لطفي بوشوشي فيلمه «البئر» في 2016، ليعالج عبر أحداثه قصة إنسانية تبرز مشاركة الشعب الجزائري في الثورة التحررية (1954-1962). وفي 2017 عادت الشخصية التاريخية والدينية «عبد الحميد بن باديس» في فيلم سينمائي أخرجه السوري باسل الخطيب، بحيث يتناول العمل دور رائد النهضة والإصلاح في مقاومة الاستعمار الفرنسي . كما جسدت زوجة آخر بايات الجزائر في العهد العثماني أحمد باي في فيلم تاريخي لبوعلام عيساوي بعنوان «الحناشية» قدم عرضه الشرفي في 16 سبتمبر المنصرم.ونزل فيلم «أوغسطينوس إبن دموعها» (إنتاج جزائري-تونسي) لمخرجه سمير سيف إلى صالات العرض الجزائر في 28 سبتمبر الماضي.

ويحكي حياة القديس الفيلسوف سانت أوغسطينوس (354-448) الذي ولد في «طاغاست» (شرق الجزائر)ويرتقب أن ينزل إلى قاعات السينما فيلم حول البطل الثوري «العربي بن مهيدي» للمخرج بشير درايس في الأيام القليلة القادمة.مراد أوزناجي باحث جزائري في التاريخ، يرى أنّ إنجاز مشاريع سينمائية تاريخية في مناسبات معينة بمثابة صفة مشتركة مع شعوب العالم على اختلاف توجهاتها وأنظمتها. وقال أوزناجي، في حديث للأناضول،: «في فرنسا مثلا نجد دعما ماليا رسميا يقدم لصالح بعض المنتجين والمبدعين أشخاصا كانوا أم مؤسسات وعن طريق لجان قراءة، كما الحال في الجزائر».

وأكدّ في الصدد أنّ هذه الأفلام تسهم في نفض الغبار عن عدد من القضايا التاريخية مثل بعض الملفات المسكوت عنها، وكذلك الشخصيات التي لم تنل حقها من الاهتمام وكذا المعالم والأحداث التاريخية. واقرّ أنّ من سلبيات إنجاز الأفلام التاريخية أنّها جاءت دفعة واحدة ولا توجد فواصل زمنية طويلة.ورأى أنّ ما أنتج في هذا الإطار جاء «تحت الطلب» ما أدى إلى تهميش دور الكتاب والمخرجين في اختيار الموضوع إلا قليلاً.

حظ التاريخ في السينما الجزائرية قليل وبحسب مختصين يبقى إنتاج الأفلام عن ثورة التحرير قليلاً مقارنة بالسنوات، التي مرت على استرجاع السيادة الوطنية في 1962، خاصة وأن تاريخ الجزائر إبان الاحتلال كفيل بإلهام السينمائيين لمئات الأفلام.وحققت عدة أفلام تاريخية في سنوات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي داخل وخارج البلاد، نجاحاً لافتاً.ومن أشهرها «معركة الجزائر» (1966) لمخرجه الإيطالي جيو بونتيكور، «وقائع سنوات الجمر» (1974) للخضر حمينة الحائز على السعفة الذهبية في مهرجان كان سنة 1975، وكذلك «الأفيون والعصا» ( 1969) لأحمد راشدي .غير أن المختصين يقللون من نجاح الأفلام التاريخية المنتجة في العشرية الماضية على المستوى التجاري وجدواها التاريخية لارتباطها بالمناسبات الوطنية ولأسباب تتعلق بغياب قاعات السينما وهاجس التوزيع.

وظلّت عدة أعمال تاريخية حبيسة الأدراج، بعد عروضها الأولى الشرفية، ولم تستقبلها قاعات السينما، سوى عرضها على هامش المسابقات في مهرجانات محلية بسبب البيروقراطية وغياب إستراتيجية واضحة لتوزيع الأفلام وقلّة صالات العرض. ورغم الدعوات المتكررة لفاعلين في الحقل السينمائي بالجزائر لفتح القاعات وإنشاء أخرى جديدة وترميم القديمة منها، غير أنّ خطوات وزارة الثقافة في هذا الجانب بطيئة، بحسب مختصين.وورثت الجزائر من الاستعمار الفرنسي زهاء 400 قاعة سينمائية ناشطة منها 54 قاعة في العاصمة فقط، لم تبق منها اليوم سوى 15 قاعة، لتبلغ نسبة القاعات المغلقة أكثر من 90 %، بحسب تصريحات سابقة لوزير الثقافة عزالدين ميهوبي.

ووفق إحصائيات وزارة الثقافة أنتجت الجزائر في الـ60 سنة الماضية زهاء 70 فيلما روائيا طويلا منوعاً بين التاريخي والاجتماعي والدرامي، إضافة إلى 15 فيلماً وثائقياً وطويلاً وقصيراً أنتجت في إطار تظاهرة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية (16 أبريل 2015-16 أبريل 2016) حسب ما صرّح به سابقا سامي بن الشيخ الحسين رئيس التظاهرة. ويرى رابح ظريف، كاتب سيناريو، أنّ الأهم بالنسبة لما تقدمه السينما للتاريخ هو استمرار الاتصال بالسينما بشكل أو بآخر، بمناسبة أو دونها. وقال، في حديث للأناضول، إن إنجاز أفلام حول الذاكرة الوطنية هو أفضل طريقة لترسيخ هذه الذاكرة لدى جيل اليوم الذي تتجاذبه الهويات والثقافات.

وأوضح أنّ «السينما ليست إنتاجا فقط، فهي تسويق وقاعات وجمهور وحركية دائمة، وهذا ما نحتاجه». في المقابل، يرى المخرج جمال محمدي، أن الأفلام الثورية أو تلك التي تتناول جوانب معينة من تاريخ أي بلد، هي من واجب الدولة.واعتبر أنّ انجاز أفلام جزائرية تتناول الثورة والتاريخ النضالي الطويل «واجب وطني» على كل سينمائي . بل ورأى أن الجزائر لم تنجز أفلاما كثيرة عن الثورة وتاريخها وما يعاب عليها أنّها لم تراع الأبعاد الإنسانية في تناول شخصياتها إلى جانب إغفالها الجانب الدرامي والميزة الجمالية. وانتقد الأفلام التي أنجزتها وزارتا الثقافة والمجاهدين، وتحكي سير وحياة الشهداء، مثل العربي بن مهيدي، وبن بولعيد، وكريم بلقاسم، لأنها تبقى «منقوصة» بسبب عناوينها المباشرة وقلّة الجماليات واللمسات الفنية.