المنوعات

تشـابكات المخ التي لا يسـتخدمها الإنسـان تتلاشـى

13 أكتوبر 2017
13 أكتوبر 2017

من أنيته شتاين برلين «د.ب.أ»:- نفكر ونخطط ونتذكر ولا نُولي اهتماما كبيرا بالآلة الحاسبة الهائلة التي تمكننا من ذلك كله. ظهر مؤخرا كتاب رائع عن شبكة عجيبة في أدمغتنا كتبه عالم الأعصاب ديفيد ايجلمان. وكتاب« المخ» واضح جدا ويصيغ المعايشة الخاصة للإنسان ويركز عليها وليس على آليات المخ المجردة التي تقف وراء ذلك. يوضح ايجلمان في مستهل كتابه أن هذا الكتاب «لن يقدم معلومات أولية، بل سيثير الفضول والرغبة في بحث الذات».

يقول المؤلف إن المخ البشري لا يكون جاهزا عند الميلاد إذا ما قورن بعالم الحيوانات الآخر «حيث إن لوحة التحكم لا تكون موجودة عندئذ، وبدلا من ذلك فإن الجينات توفر إرشادات تقريبية عن بناء هذه الشبكة وتسمح للمخ بالتكيف مع المعطيات» في حين أن الكثير من الحيوانات تبصر نور الحياة حسب المؤلف بغرائز وسلوكيات ثابتة، أي بشيء يشبه مخا متشابكا».

يقول ايجلمان إن الإنسان استطاع أن يستوطن كل نظام حيوي للأرض وأن يبدأ رحلته للفضاء بفضل قابلية مخه للتشكل. أوضح ايجلمان أن مخ الطفل الصغير تتكون فيه كل ثانية ما يصل إلى مليوني اتصال، ما يسمى بنقاط الاشتباك العصبي « وعندما يصبح سن الطفل عامين يكون لديه أكثر من 100 تريليون من هذه التشابكات العصبية، أي ضعف ما لدى إنسان بالغ».

يوضح ايجلمان أن تشابكات المخ التي لا يستخدمها الإنسان تتلاشى بشكل يشبه ممرات الغابة التي لا تستخدم. ويوضح المؤلف من خلال أمثلة مثل مثال أطفال الملاجئ كيف تصنعنا بيئتنا خلال النمو لنصبح ما نحن عليه وقال إن عملية تكوين المخ تستمر نحو 25 عاما «وفي الشباب تحدث عملية إعادة التشكيل بشكل شامل يجعل لهذه الفترة تأثيرا حاسما على كينونتنا».

ويتطرق الباحث إلى مدى خداع الذكريات وكيف أن تذكر حدث ما يمكن أن يختلف باختلاف المرحلة العمرية والأحداث التي تفصل الإنسان عن الذكريات التي يريد استرجاعها «حيث إن الذكرى لا تكون مقطعا مصورا دقيقا للحظة بعينها، بل حالة مخ حساسة لمرحلة سابقة يضطر الإنسان لمعايشتها مرة أخرى لتذكرها».

يشرح المؤلف بشكل مفصل حواس الإنسان بدءا من الحاسة السائدة، وهي الرؤية، ويقول إن جهازا عملاقا يكون ضروريا لكي تظهر لنا الأمور بشكل طبيعي تماما ويضيف: «فنحو ثلث المخ منشغل بتحويل خلايا الضوء إلى وجه أمك وقطتك وأريكتك». يقول المؤلف إن سجناء الزنازين الانفرادية يعيشون أحلام يقظة تبدو لهم وكأنها حقيقية تماما وإن ذلك دليل على أن المخ ينتج واقعه الخاص به قبل أن يتلقى معلومات من العينين وغيرها من حواسه.

كما يوضح الكاتب أننا لا ندرك سوى مقطع صغير من الحقيقة وأن ذلك لا يختلف عن شأن حشرة قراد عمياء صماء ولكنها تستطيع في مقابل ذلك الشعور بدرجة جسم ورائحته أو عن خفاش يعرف وجهته بالاعتماد على الموجات الصوتية. ويقول المؤلف إنه ليس هناك حيوان ولا إنسان يعيش الحقيقة العملية «فالكل يتلقى فقط ما تعلم تلقيه على مدى تطوره». ثم يتطرق باحث الأعصاب إلى السبب وراء قول الناس إن الوقت يمر ببطء عندما يمر الإنسان بموقف خطير على حياته كأن يتعرض لحادث سيارة أو سطو ويقول إنه عندما يتعرض الإنسان لموقف حرج فعليه أن يغلق عينيه ويصم أذنيه لأن ذلك سيجعله يتذكر الأحداث بشكل أكثر تفصيلا عما يحدث في ظروف عادية «فهذا هو دور الذاكرة، إنه تسجيل الأحداث الحاسمة حتى تصبح المعلومات الحيوية بالنسبة للإنسان جاهزة في حالة ما احتاجها الإنسان عندما يمر بموقف مشابه».

يرى المؤلف أن التأثير الجانبي المهم لذلك هو أن المخ المتعود على استرجاع الذكرى بتفاصيل أقل بكثير يحلل كثافة التفاصيل وكأن الموقف احتاج وقتا أطول بكثير «أي أننا لا نعيش الأحداث المفزعة بالإعادة البطيئة بل لا نحصل على الانطباع إلا عندما نحاول استرجاعها، أي عندما نحلل ذكرياتنا».

وفي مواضع أخرى من الكتاب يصف المؤلف السبب وراء حقيقة أن ما يحول بين الإنسان وبين اتخاذ القرارات الجيدة للمستقبل هو أن الخيارات الموجودة أمامه مباشرة تقيم بشكل أعلى من الخيارات التي يتم محاكاتها، كما يوضح السبب في أن الشريكين المتزوجين منذ فترة طويلة يبدوان أشبه ببعضهما البعض مع مرور الوقت وما هي الطرق الغريبة التي أصبحت موجودة لنقل المعلومات المرئية عبر طريق غير معهود إلى المخ مثل اللسان أو الظهر على سبيل المثال.

ويتطرق المؤلف بشكل مفصل إلى تمدد قدرات جسم الإنسان عبر مستشعرات وعبر وسائل تقنية مساعدة «فربما أصبح لدينا نحن بشر اليوم عوامل مشتركة مع أجدادنا في العصر الحجري أكثر مما سيربطنا بأحفادنا من بعدنا».

ويصف ايجلمان نظرية أن الوعي يتكون تلقائيا من تفاعل المليارات الكثيرة من أجزاء المخ.