أفكار وآراء

روسيا في سـوريا - رهانات مـتـراكـمـة

13 أكتوبر 2017
13 أكتوبر 2017

فلاديمير فرولوف -

ترجمة قاسم مكي -

موسكو تايمز -

قبل عامين، وتحديدا في 30 سبتمبر 2015، شنت الطائرات الروسية أولى ضرباتها الجوية في سوريا ودخلت روسيا بذلك في حرب أهلية ظلت تلتهب على مدى 4 أعوام. لقد تدخلت موسكو في سوريا وهي تتعهد بمحاربة داعش وجبهة النصرة المحظورتين في روسيا باعتبارهما جماعتين إرهابيتين. وكانت تهدف إلى إحداث تحول في علاقتها مع واشنطن وبروكسل (الاتحاد الأوروبي) من خلال «تحييد» مُهَدِّدٍ وشيك للغرب بعد أن فرض الغرب عقوبات على روسيا ردا على «مغامرات الكرملين في أوكرانيا.» فقبل أيام من بداية الضربات الجوية، ألقى بوتين خطابا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة دعا فيه إلى قيام جبهة موحدة ضد الإرهاب العالمي، ومؤطِّرا إياها كمكافئ «حديث» لتحالف الحرب العالمية الثانية ضد هتلر. ولكن بعد عامين من ذلك لم تثمر آمال روسيا في كسب تنازلات في أوكرانيا، مقابل حملتها ضد داعش. ولم يتحقق أبدا تحالف بوتين الاستراتيجي مع الولايات المتحدة. ولكن روسيا حققت هدفين أقل شأنا أحدهما إنقاذ نظام بشار الأسد، الحليف القديم لموسكو، من هزيمة حتمية على يد التمرد السُنِّي المسلح. لقد وظفت موسكو روابطها مع حليف آخر للنظام السوري من أجل نشر مليشيات شيعية من بلدان عربية وآسيوية. وسمح هذا لموسكو بإرسال قوة برية متواضعة إلى سوريا تضم مدفعية وبعض قوات العمليات الخاصة. لقد ساعدت موسكو الأسد على إعادة تأطير الحرب الأهلية والانتفاضة الشعبية ضد نظامه كحرب ضد الإرهابيين الأصوليين، وذلك بتركيز ضرباته الجوية خلال العامين الأخيرين على جماعات التمرد السورية المعتدلة مع إيلاء اهتمام ضئيل لداعش. وجعل ذلك من الصراع خيارا ثنائيا بين الأسد والأصوليين، مما أتاح لموسكو تسويق تدخلها في سوريا كدعم لسيادة سوريا ضد الفوضي والإرهاب. وأوضحت روسيا في جلاء رؤيتها للمسار الذي يقود إلى الاستقرار في الشرق الأوسط، وهو مساعدة «الأنظمة الصديقة» في مواجهة الانتفاضات الشعبية بالقوة كما في حالة سوريا. وفي روسيا نفسها، سَوَّق الكرملين مناورته في سوريا كطريقة لهزيمة الإرهاب قبل أن يصل إلى التراب الروسي . فموسكو في النهاية بحاجة إلى منع الروس ومواطني آسيا الوسطى الذين انضموا إلى جماعة داعش من العودة إلى بلدانهم حتى لا يعيثوا فيها خرابا.

كما تمكنت موسكو أيضا من استخدام سوريا «كمختبر» لتجريب أحدث أسلحتها. فبعد تجربة صواريخ كروز الدقيقة التصويب والتي عززت بها قواتها مؤخرا، انضمت روسيا إلى الولايات المتحدة مشكلة معها نادٍ حصري للحائزين على هذا السلاح. وأمكن لموسكو كسب الدعم الداخلي لتدخلها في سوريا بعد أن استعرضت جبروتها العسكري وخفضت أعداد الإصابات وسط جنودها (خسرت 40 جنديا روسيا فقط من القتلي في سوريا). لكن، وربما أن هذا هو الأهم، أكد تدخل الكرملين في سوريا مجددا مكانة روسيا كقوة عظمى قادرة على استعراض قوتها العسكرية في مناطق بعيدة عن حدودها هي نفسها. وفي حين أن موسكو ربما شعرت بالإهانة من تعليق الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما حين وصف روسيا في استخفاف بأنها «قوة إقليمية»، إلا أنها أثارت إعجاب قادة المنطقة لمساندتها الحازمة للأسد. لقد كان ذلك شيئا هاما في وقت شهد شكوكا حول التزام الولايات المتحدة تجاه أمن واستقرار بلدان المنطقة . كما أن دعم موسكو للأسد جعلها تضمن توافر قنوات لها مع بعض دول المنطقة، رغم تأييد هذه الأخيرة للثوار السوريين. بل كانت موسكو قادرة حتى على إقناعها بإنهاء دعمها للمعارضة بعد أن بدا انتصار النظام السوري حتميا بفضل الجهود التي تقودها روسيا. كما اتضح أن علاقات روسيا مع كل من مصر والأردن، كانت مفيدة في تأسيس خطوط اتصال مباشرة مع المعارضة المسلحة بهدف التوصل إلى اتفاقيات لخفض التصعيد (التوتر). لقد تجنبت روسيا، وهي تحارب في سوريا، جرجرتها إلى حرب طائفية بالوكالة مع الدول العربية السنية. وكان أكبر إنجاز دبلوماسي مذهل لها أنها نجحت في تغيير حسابات تركيا في الحرب بتحولها من خصم بالوكالة إلى شريك رئيسي في تأمين الانتصار الحاسم في حلب. فعبر محادثات آستانا أنهت روسيا إلى جانب تركيا القتال مع المتمردين المعتدلين. لقد ساعد روسيا على انتصارها في سوريا قرارُ واشنطن بعدم توريط نفسها في سوريا والدخول في حرب بالوكالة مع موسكو. فبدلا عن ذلك، ركزت الولايات المتحدة عملياتها العسكرية على هزيمة داعش في شرقي سوريا. والآن مع خفض التصعيد في غرب سوريا التفتت قوات النظام والقوة الجوية الروسية لهزيمة داعش. وهذا ما جعلها على تَمَاسٍّ بقوات سوريا الديموقراطية التي تساندها الولايات المتحدة في تقدمها من الشمال الشرقي كجزء من هجومها لتحرير الرقة من داعش. ويتزايد احتمال وقوع «صدام حركي» بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا مع ما ينطوي عليه من نتائج لا يمكن التنبؤ بها. وهذا يسلط الضوء على نهاية اللعبة التي تبدو في الأفق في سوريا، وعلى الخيارات المطروحة على موسكو وواشنطن للتقدم إلى الأمام. فواشنطن بحاجة إلى أن تقرر إذا كانت تريد البقاء في سوريا لمحاربة التمرد ومنع ظهور داعش مرة أخرى.

كما قد تقرر أيضا منع قيام «جسر شيعي بَرِّي» إلى البحر الأبيض المتوسط. ولكن هذا يستوجب مساندة قوات سوريا الديموقراطية ومساعدتها على بسط سيطرتها على مساحة كبيرة من الأراضي شمال شرق نهر الفرات وقطع الطريق أمام تقدم قوات النظام وروسيا نحو الشرق. أما موسكو فعليها أن تقرر إذا كانت ترغب في أن تجرجر إلى استراتيجية الأسد وحلفائه والتي تهدف إلى ضمان نصر عسكري كامل في سوريا ومنع المعارضة من ممارسة أي نوع من الحكم الذاتي. ويمكن أن يقود ذلك إلى إدخال روسيا في صدام قبيح بالوكالة مع الأمريكيين. ربما أن الحرب تضع أوزارها الآن بعد عامين من تدخل روسيا في سوريا. ولكن الرهانات بالنسبة لموسكو وواشنطن تتكدس فوق بعضها البعض .