أفكار وآراء

27 عامـا علـى وحـدة شـطـري ألـمـانـيـا.. ومـا زالـت تـحتـاج وقـتـا !

13 أكتوبر 2017
13 أكتوبر 2017

سمير عواد -

صادف مرور 27 عاما على استعادة ألمانيا وحدة شقيها بعد انقسام دام 40 عاما، بعد أسبوع تقريبا على الانتخابات العامة التي أسفرت عن دخول حزب «البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي، الذي يرفع شعارات معادية للمهاجرين والإسلام، البرلمان الاتحادي «بوندستاج»، حيث تسبب في تعقيد الحياة البرلمانية الألمانية.

والمفاجأة أن هذا الحزب اليميني المتطرف، أصبح بعد تأسيسه في عام 2013، ثالث أكبر حزب في ألمانيا، بعد الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي وقبل الحزب الليبرالي وحزب الخضر وحزب اليسار.

وكان من الطبيعي أن يشير المعلقون عند مراجعة حسابات 27 عاما من الوحدة الألمانية، إلى الأسباب التي جعلت حزب البديل يحصل على تأييد واسع في الولايات الخمس الجديدة التي تأسست بعد الوحدة على أرض ألمانيا الشرقية. ومن جهة أخرى، لم يكن هذا الحزب لينجح بدخول البرلمان الاتحادي «بوندستاج»، لولا حصوله أيضا على تأييد الكثير من الناخبين في الولايات الاحدى عشرة القديمة، أي ألمانيا الغربية. ففي ولاية بافاريا، حصن الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، حصل حزب البديل على أكبر عدد من الأصوات في ولاية في الشطر الغربي. وأصبح من الطبيعي عند إجراء انتخابات البرلمانات أن ينجح حزب البديل بدخولها ولا يتوقع المراقبون أن يختفي عن الساحة السياسية الألمانية في المستقبل المنظور.

27 عاما لم ينجح الألمان فيما يبدو في نشر الديمقراطية وترسيخها في الشطر الشرقي، رغم التضحيات المالية الهائلة التي قدمتها برلين لإعادة إعمار الولايات الخمس الجديدة. وقال أحد المعلقين أن المال لا يصنع الديمقراطية، واليوم، فإن الهوة بين الألمان الشرقيين والألمان الغربيين أعمق بكثير من ذي قبل . ولا يصدق المسؤولون الألمان لماذا يصوت الألمان الشرقيون لحزب يميني متطرف، وإذا استمروا يؤيدون هذا الاتجاه السياسي، لا يُستبعد أن يفوز الحزب بالأغلبية في ولاية «زاكسن»، في ألمانيا الشرقية، عندما تجري انتخابات برلمانية محلية فيها في عام 2019، ويتم تعيين رئيس وزراء من حزب البديل لأول مرة في تاريخ ألمانيا بعد 27 عاما على استعادة وحدتها .

وكان فرانك فالتر شتاينماير، الرئيس الألماني قد تطرق إلى هذا التطور في كلمته خلال الحفل الرسمي الذي أقيم هذا العام في مدينة «ماينتس» بمناسبة «العيد الوطني»، وقال «سقط جدار برلين في عام 1989، الذي كان يفصل بين الشعبين، والآن قامت مكانه جدران في العقول». وكانت هذه إشارة واضحة إلى اتساع الهوة بين الألمان الشرقيين والغربيين رغم أن حزب البديل ظهر في ولاية «زاكسن» وأصبح الآن ممثلا في عشرة ولايات وفي البرلمان الاتحادي ، ويأمل دخول برلمان ولاية «سكسونيا السفلى» عندما يتم انتخاب برلمانها في منتصف شهر أكتوبر الجاري، أي خلال الأيام القادمة .

لقد كان واضحا منذ البداية أن الوحدة الألمانية ليست عبارة عن نزهة. فمنذ إعلانها رسميا بتاريخ الثالث من أكتوبر عام 1990، تضخ برلين في خزائنها مليارات اليورو، لكن يبدو أن المال ليس كافيا لشراء الوحدة الألمانية. ففي تقرير الحكومة الألمانية الأخير حول النتائج التي حققتها الوحدة بعد 27 عاما، تبين أن الشطر الشرقي ما زال يعاني من ضعف في أدائه الاقتصادي ، مقابل التقدم الكبير الذي يتنامى باستمرار في الشطر الغربي. واستنادا إلى صحيفة «هاندلسبلات» الألمانية المختصة في المجال الاقتصادي ، فإن الاقتصاد الألماني يشهد مرحلة من الازدهار سوف تستمر إلى العام المقبل على الأقل. بينما عدد العاطلين عن العمل في الشطر الغربي وصل أدنى مستوى منذ عقدين من الزمن،غير إن نسبة البطالة مرتفعة في الشطر الشرقي، علاوة على أن الأجور أقل منها مقارنة مع الشطر الغربي. كما يفتقد الألمان الشرقيون إلى تصورات بشأن المستقبل، حيث تسود بينهم نقمة من نتائج الوحدة . ويرى كثيرون أنهم خسروا نتيجتها بدلا من أن يحصلوا على مستقبل أفضل. ويتم إطلاق صفة «المواطنون القلقون» على هؤلاء المواطنين، الذين غالبا ما يقعون ضحية الدعايات الشعبوية وشعارات التحريض ضد المهاجرين والإسلام، ويعتقدون أن جماعة عنصرية مثل حركة «بيجيدا» التي تأسست في مدينة «دريسدن» بولاية «زاكسن»، أو حليفها حزب «البديل من أجل ألمانيا» يملكان الحلول السهلة لمشكلات كبيرة. ومن ثم أصبحت الأحزاب التقليدية تجد صعوبة في كسب ود الناخبين في الولايات الخمس الجديدة - ألمانيا الشرقية سابقا.

وكان يعيش سبعة عشر مليون نسمة في ألمانيا الشرقية قبل انهيار جدار برلين مقابل 65 مليون نسمة في ألمانيا الغربية. وفي خلال الأيام القليلة الماضية ظهرت أرقام جديدة حول عدد سكان ألمانيا حيث وصل إلى نحو 83.1 مليون نسمة، لكن العدد الأكبر يقيم في الشطر الغربي. فمنذ زوال الحدود بين الشطرين وأعداد المواطنين الألمان الشرقيين خصوصا الشباب، تنطلق باتجاه ولايات مثل «بافاريا» و«بادن فورتمبيرج» و«شمال الراين وستفاليا»، لبدء حياة جديدة، تاركين وراءهم قرى مقفرة، وكثير من الألمان الشرقيين الذين هاجروا إلى الشطر الغربي وبلدان أوروبية، من الأطباء والصيادلة، مما أسفر عن ظهور حاجة ماسة لمن يقوم بمهامهم لكن الحياة في الشطر الشرقي لا تجذب المواطنين الألمان وبالتأكيد لا تجتذب المهاجرين ولا اللاجئين.

ولا زال هناك فارق كبير في الطباع بين الألمان الشرقيين والغربيين، وإضافة إلى الفارق في الأداء الاقتصادي، فإن ذلك يعرقل اكتمال الوحدة الألمانية كما أرادها مستشار الوحدة الراحل هيلموت كول. وما زال الحديث يدور في العلن حول «ألماني شرقي (أوسي) وألماني غربي «فيسي»، مما يؤكد أن الوحدة لم تكتمل بعد، وأن ألمانيا بحاجة إلى جيل أو أكثر لتحقق هدفها.