1131393
1131393
إشراقات

الصوافي: الحسد يأكل الحسنات ويفسد الطاعات

12 أكتوبر 2017
12 أكتوبر 2017

حذّر منه الشارع غاية التحذير ونفّر منه غاية التنفير -

أوضح فضيلة الشيخ حمود بن حميد الصوافي في محاضرة له عن الحسد أنّ الحسود لا يسود، ولا يبلغ المقصود، ولا ينال من الناس إلا بغضا وذمّا، ولا ينال من الدنيا إلا حسرةً وهمّاً، وكمداً وغمّاً، ولا ينال يوم القيامة إلا حسرةً وندامةً، فمن أراد حياةً هنيئةً، وسعادةً أبديّةً، فليجتنب الحسد، وليبتعد كلّ البعد من الأمراض التي تكنّها النفوس، وتحويها الضمائر .. موضحا أنّ للحسد آثارا سيئة، ونتائج مؤلمة، وعواقب وخيمة، فهو يأكل الحسنات، ويفسد الطاعات، ويبعث على الخطايا والبلايا، ويفضي بصاحبه إلى ارتكاب كثير من المعاصي، وكثيراً ما يفضي إلى التنازع والتخاصم، والتقاتل، والسعي في إفساد النعمة بالطرق الملتوية والحيل القبيحة، فهو ظلم شديد، وبغي قبيح..

حيث قال فضيلته: لا طيب للحياة، ولا هناء للعيش إلا إذا سلمت القلوب من الأذى، وبرئت من الأمراض الاجتماعيّة الخطيرة، وحلّ محلّها التواضع والمحبة والرحمة، ألا وإنّ من أقبح تلك الأمراض التي تكنّها النفوس، وتحويها الضمائر، وأشدّها خطراً على المجتمع الإنسانيّ هو الحسد، والحسد: هو كراهة نعمة الغير، وتمنّي زوالها بلا حقّ، وهو خلق مذموم، ومرض اجتماعيّ مشؤوم، هو الداء العضال الذي ابتلي به كثير من الناس، فأوغر صدورهم، وأفسد ضمائرهم، ومزّق وحْدتهم، وفرّق شملهم، وهو أوّل ذنب عصي الله به، فإبليس لم يحملْه على ترك السجود لأبينا آدم- عليه السلام- إلا الحسد، كما أنّ قابيلا لم يحملْه على قتل أخيه هابيل سوى الحسد، وأيّ ذنب أعظم من كراهتك لراحة مسلم، وتمنّي زوالها؟! والحسد كبيرة من كبائر الذنوب، لذلك حذّر الشارع منه غاية التحذير، ونفّر منه غاية التنفير، كيف لا؟! وقد جعله الله سبحانه وتعالى من صفات المنافقين، يقول عزّ من قائل في المنافقين، وبيان ما تكنّه نفوسهم القذرة، وتحويه ضمائرهم الخبيثة من الكيد والمكر وأنواع الأذى لجماعة المسلمين (ودّواْ ما عنتّمْ قدْ بدت الْبغْضاء منْ أفْواههمْ وما تخْفي صدورهمْ أكْبر).. أي تمنّوا مشقتكم وشدة ضرركم، قد بدت البغضاء في كلامهم؛ لأنّهم كانوا لا يتمالكون مع مبالغتهم في إخفاء ما في أنفسهم أن ينفلت من ألسنتهم ما يفضح أمرهم، ويعلم به بغضهم للمسلمين، فالحاسد مهما بالغ في إخفاء ما تكنّه نفسه، ويحويه ضميره من كراهة المحسود، فهو لا محالة مفضوح، ونار الحسد تتغلّب عليه، ويظهر حسده على وجهه، وفي عينيه ولسانه، ويقول سبحانه: (وإذا لقوكمْ قالواْ آمنّا وإذا خلوْاْ عضّواْ عليْكم الأنامل من الْغيْظ قلْ موتواْ بغيْظكمْ إنّ اللّه عليم بذات الصّدور، إن تمْسسْكمْ حسنة تسؤْهمْ وإن تصبْكمْ سيّئة يفْرحواْ بها وإن تصْبرواْ وتتّقواْ لا يضرّكمْ كيْدهمْ شيْئًا إنّ اللّه بما يعْملون محيط).. موضحا أن الآية الكريمة فبيّنت أنّ الحسد والشماتة من صفات المنافقين، وأنّهما لا يضرّان المحسود ولا المشموت به إذا اتقى معاصي الله، وابتعد عمّا عنه نهاه، وصبر على مشاقّ التكاليف وعلى أنواع الأذى من المنافقين، ولم ينتقمْ منهم لنفسه، بل فوّض فيهم الأمر إلى الله سبحانه وتعالى.

وأضاف: وقد جاء التحذير من الحسد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، فعن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إيّاكم والحسد والظنّ والبغي؛ فإنّه لا حظّ في الإسلام لمن فعل ذلك، ولا حظّ في الإسلام لمن فيه إحدى هذه الخصال»، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إيّاكم والظنّ ؛ فإنّ الظنّ أكذب الحديث، ولا تجسّسوا، ولا تحسّسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً»، وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً، ولا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث».

وقال: وروي عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنّه قال: «إيّاكم والحسد ؛ فإنّ الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب»، أي إنّ حسنات الحاسد مردودة عليه، وليست بثابتة في ديوان عمله؛ لأنّ الحسد في المعنى هو اعتراض على الله سبحانه وتعالى فيما لا عذر للعبد فيه، إذ لا تضرّه نعمة الله على أخيه، والله عزّ وجلّ حكيم في قسمة الحظوظ بين خلقه، لا يضع الشيء إلا في موضعه، فكأنّما الحاسد لا يرضى بقسمة هذه الحظوظ بين خلقه، ويعترض على الله عزّ وجلّ، لذلك ردّت حسناته، ولم تبق في صحيفة عمله، قال بعض العارفين: الحاسد جاحد؛ لأنّه لا يرضى بقضاء الواحد، وقال بعض العارفين: نظرت في هذا الخلق، وهم يطعن بعضهم في بعض، ويلعن بعضهم بعضاً، وأصل هذا كلّه الحسد، ثم نظرت في قول الله عزّ وجلّ: (نحْن قسمْنا بيْنهم مّعيشتهمْ في الْحياة الدّنْيا) فعلمت أنّ القسمة من عند الله وحده، فاجتنبت الحسد وتركت عداوة الخلق، وجاء عنه- عليه الصلاة والسلام-: «الحسد يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل»؛ أي لا يجتمع في قلب المرء إيمان صحيح وحسد على نعمة لمسلم؛ لأنّ الرضا بقضاء الله جزء من أجزاء الإيمان التي لا يتمّ إلا بها، وروي عنه- عليه الصلاة والسلام- انه قال: «سيصيب أمّتي داء الأمم»، قالوا : وما داء الأمم؟ قال: «الأشر والبطر والتكاثر والتنافس في الدنيا والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي، ثم يكون الهرْج»، فالأشر: هو كفر النعمة، والبطر: هو الطغيان عند توفّر النعمة، والبغي: هو مجاوزة الحدّ، والاعتداء على خلق الله، والمراد بالهرج: هو القتل، ففي الحديث الشريف تحذير شديد من التشاحن في الدنيا، والتحاسد عليها؛ لأنّ ذلك أصل الفتن، وعنه تنشأ الشرور والبلايا. وأوضح الصوافي أن الله سبحانه وتعالى قد أثنى على الأنصار بسلامة صدورهم من الأذى، وصفاء نفوسهم، وطهارة ضمائرهم من أدران الحسد في قوله عزّ من قائل: (الّذين تبوّؤوا الدّار والْإيمان من قبْلهمْ يحبّون منْ هاجر إليْهمْ ولا يجدون في صدورهمْ حاجةً مّمّا أوتوا ويؤْثرون على أنفسهمْ ولوْ كان بهمْ خصاصة)؛ أي لا تضيق صدورهم برؤية النعمة عند إخوانهم، ولا يغتمّون لذلك، وقد ورد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن رجل من الأنصار أنّه من أهل الجنّة، فأراد بعض الصحابة أن ينظر عمله الذي استوجب به تلك البشارة، فبات معه ثلاث ليال، يرقب أحواله في حركاته وسكناته، فلم يره يقوم من الليل شيئاً حتى يطلع الفجر، غير أنّه إذا تقلّب على فراشه ذكر الله، قال: ولكن ما سمعته يقول إلا خيراً، فلما مضت الثلاث أخبره ببشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له: ما رأيتك تعمل عملاً يوجب تلك البشارة! فما الذي بلغ بك ذلك؟! قال: ما هو إلا ما رأيت، غير أنّي لا أجد على أحد من المسلمين في نفسي غشّاً ولا حسداً على خير أعطاه الله إيّاه، فقال: هي التي بلغتْ بك ذلك، وهي التي لا نطيق. وأضاف: اعلموا عباد الله أنّ الحسود لا يسود، ولا يبلغ المقصود، ولا ينال من الناس إلا بغضاً وذمّاً، ولا ينال من الدنيا إلا حسرةً وهمّاً، وكمداً وغمّاً، ولا ينال يوم القيامة إلا حسرةً وندامةً، فمن أراد حياةً هنيئةً، وسعادةً أبديّةً ؛ فليجتنب الحسد، وليبتعدْ كلّ البعد من الأمراض التي تكنّها النفوس، وتحويها الضمائر، فاتقوا الله تعالى، واعلموا أنّ للحسد آثاراً سيئةً، ونتائج مؤلمةً، وعواقب وخيمةً، وحسبكم في ذمّ الحسد وقبحه أنّه يأكل الحسنات، ويفسد الطاعات، ويبعث على الخطايا والبلايا، ويفضي بصاحبه إلى ارتكاب كثير من المعاصي ؛ كالسبّ والشتم، والغيبة والنميمة، وكثيراً ما يفضي إلى التنازع والتخاصم، والتقاتل، والسعي في إفساد النعمة بالطرق الملتوية والحيل القبيحة، فهو ظلم شديد، وبغي قبيح.