إشراقات

المساعدة في المشروعات العامة تطبيق فعلي لقيم المواطنة في الإسلام

12 أكتوبر 2017
12 أكتوبر 2017

المواطنة في الإسلام -

إعداد – نادر أبو الفتوح -

أكد الدكتور بكر عوض عميد كلية أصول الدين الأسبق بجامعة الأزهر، في لقائنا معه أن الإسلام يحرص على تقوية العلاقة بين أفراد المجتمع المسلم، ويتحقق هذا من خلال التكافل الاجتماعي، الذي هو أحد أهم أسس المواطنة في الإسلام، فالإنسان يشعر بالمواطنة الحقيقية عندما يجد من يقدم له المساعدة، وعندها يتحقق الترابط والتماسك بين أبناء المجتمع الواحد، وتتلاشى القيم السلبية فيه، وتنتشر الفضيلة بين الناس. أما في ظل غياب مبدأ التكافل الاجتماعي، فإن المجتمع يتعرض لكثير من المشكلات والمحن، ولذلك فقد حرصت الشريعة الإسلامية، على إرساء قواعد التكافل والتعاون، بين أبناء المجتمع الواحد، ليعيش الجميع في سلام واستقرار.

ويعد تحقيق الترابط بين أبناء المجتمع تجسيدًا للمواطنة في الإسلام، لذلك لابد أن يقوم الأغنياء بدورهم في رعاية الطبقات الفقيرة، وقد رغَّبت الشريعة الإسلامية في ذلك، عبر الحديث الشريف لنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وملكان يناديان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، والآخر يقول: اللهم أعط ممسكاً تلفاً)، يحمل الحديث الشريف معاني البذل والعطاء، وضرورة رعاية الفقراء والمحتاجين، لأن هذه القضية ترتبط بأمن وسلامة واستقرار المجتمع، لأن غياب هذه الفضيلة يعني انتشار الحقد والحسد بين أفراد المجتمع، وكل ذلك مرفوض، لأن الإسلام جعل هناك حقوقًا للفقراء على الأغنياء، والحق سبحانه وتعالى يقول: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [سورة البقرة - الآية 262، تحمل هذه الآية الكريمة دعوة صريحة للإنفاق في سبيل الله عز وجل، وتقديم المساعدة والعون للفقراء والمحتاجين، وتؤكد على ضرورة أن يكون ذلك للتقرب إلى الله عز وجل، وأن يكون هذا العمل خالصا لوجهه الكريم.

ويوضح الدكتور عوض أن هناك الكثير من الصور، التي من الممكن أن تحقق التكافل الاجتماعي، فالأمر لا يتعلق فقط بأموال يخرجها الأغنياء للمحتاجين، لكن القضية تتعلق بحالة عامة داخل المجتمع المسلم، وتتطلب أن يقوم كل إنسان بدوره، لتحقيق هذا التكافل، فهناك مسؤولية على كل فرد، بهدف أن ينعم الوطن بالاستقرار، وتسود علاقات المودة بين الجميع، فقراء كانوا أو أغنياء، بغض النظر عن الدين أو الجنس أو اللون، فالشريعة الإسلامية حثت على التكافل الاجتماعي، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الشريف: (دَاوُوا مَرضاكُمْ بِالصَّدقةِ)، وهناك الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكد هذا المعنى، ولذلك يجب الاستجابة لهذه التوجيهات النبوية الكريمة، لأن الإسلام سبق كل النظم الحديثة، في ترسيخ قيم المواطنة، ومن أهم قواعدها التكافل الاجتماعي. وتتجسد هذه الصفات النبيلة في المجتمع المسلم، لأن الشريعة الإسلامية حددت أمورًا كثيرة للإنفاق على الفقراء، فالزكاة فرض من فروض الإسلام، بالإضافة إلى الصدقات وكفارة اليمين وغيرها، والحق سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز: {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}، فكل هذه المعاني دليل على وجوب الإنفاق في سبيل الله عز وجل، وإطعام الفقراء وكساء المحتاجين من أبناء المجتمع، لأن حقوق المواطنة في الإسلام، تتطلب أداء هذه الحقوق، ومساعدة أصحاب الحاجات على مواجهة صعوبات الحياة، وضرورة أن يقوم الأغنياء ورجال الأعمال، بالمشاركة في المشروعات التي تخدم عامة الناس في المجتمع، مثل مشروعات البنية الأساسية والمرافق والمنشآت العامة، والمستشفيات والمدارس وغيرها، حيث يعود نفع هذه المشروعات على جميع أبناء الوطن، ويعد هذا السلوك تجسيدًا لقيم المواطنة، فجهود مؤسسات المجتمع الرسمية وحدها ربما لا تستطيع سد حاجة كل الفقراء، وبالتالي يجب أن تكون هناك جهود الأفراد، وأصحاب الأموال للقيام بهذه الرسالة، التي تحقق سلامة واستقرار ووحدة المجتمع.

ويشير الدكتور عوض إلى أن قيمة التكافل الاجتماعي تجسدت في المجتمع المسلم عبر العصور، وطوال القرون الماضية كانت هناك نماذج متميزة لرعاية الفقراء والمحتاجين، بل إن هذه الصدقات التي أخرجها المسلمون الأوائل ما زالت حتى اليوم ينتفع منها الكثير من الناس، وهو ما يعرف بنظام الوقف، الذي كان ومازال له دور كبير في رعاية الفقراء، ففي كل الدول العربية والإسلامية، هناك الممتلكات التي أوقفها أصحابها لرعاية الأيتام والمرضي، ورعاية طلاب العلم وفرش المساجد وغيرها من الجوانب الإنسانية، وما زالت هذه الممتلكات يتم الإنفاق من ريعها، في أوجه الخير والبر، وكلها نماذج تجسد مبدأ المواطنة في الإسلام، لأن أصحاب هذه الممتلكات، كانت لهم وصية بأن يصرف من ريع هذه الممتلكات، على وجه الخير، فهناك آلاف الأسر في الوقت الحالي، تعيش من مال الوقف، في كل البلاد العربية والإسلامية، هذا إلى جانب المستشفيات والمدارس التي يستفيد منها كل أبناء المجتمع، ويجب أن يقوم الأغنياء في الوقت الحالي بدورهم، في هذا المجال، كما قام الأغنياء في العصور الماضية، وذلك حتى تتحقق قيمة التكافل الاجتماعي، التي حثت عليها تعاليم الشريعة الإسلامية، لأن سد حاجة الفقراء في المجتمع، من أهم أسس المواطنة.