أفكار وآراء

ضوابط مكافحة الإرهاب وتمويله

11 أكتوبر 2017
11 أكتوبر 2017

د. عبد القادر ورسمه غالب -

Email: [email protected] -

يكثر الحديث هذه الأيام عن الإرهاب وانتشاره ومضاره وكيفية مكافحته والوقوف صفا قويا في وجهه لما ينجم عنه من آثار سلبية عديدة لا ينجو منها أحد. ومكافحة الإرهاب، بصورة تكاملية موحدة، وجد اهتماما بالغا من اللجنة المالية الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (فاتف) التي قامت بإصدار (ثمانية) توصيات خاصة بمكافحة تمويل الإرهاب وهذه التوصيات يجب الالتزام بتنفيذها من أجل مكافحة الإرهاب عبر وقف الدعم المالي والتمويل من البنوك والمؤسسات المالية وغيرها. وهذه التوصيات (الثمانية) الصادرة من (فاتف) تعتبر إضافية، بل هي مكملة للأربعين توصية التي سبق إصدارها خصيصًا لمكافحة غسل الأموال، عبر البنوك والمؤسسات المالية.

بموجب ضوابط (فاتف) الخاصة بمكافحة الإرهاب وتمويله، واجهت عدة بنوك قضايا كبيرة في أمريكا بسبب ما قامت به من تمويل للإرهاب أو التعامل خلسة مع جهات ودول تدعم الإرهاب أو القيام بالتلاعب في الحسابات والمستندات لعدم توضيح تمويل بعض النشاطات المريبة أو الإرهابية. وكما هو معلوم للجميع، لقد صدرت أحكاما في الآونة الأخيرة بمبالغ ضخمة جدًا ضد بنوك أوروبية وعربية في أمريكا.. وما زال هناك العديد من الإجراءات قيد النظر ضد هذه البنوك وكبار التنفيذيين فيها. ولقد تدخلت الحكومات واجتمع رؤساء الدول العظمى لتدارك انعكاسات هذه القرارات القاسية والكل يبحث عن كيفية الخروج أو الابتعاد من هذه التعاملات التي تأتي بعواقب وخيمة ومؤلمة.

ومن هذا الوضع يتبين جليًا أن توصيات فاتف (الثمانية) أتت أكلها وظهرت نتائجها خاصة وأن كل البنوك والمؤسسات المالية الآن، إضافة للدول، أصبحت تفحص مليا وتدقق كثيرا في كل طلبات التمويل والتحويلات خوفا من ارتباطها أو ذهابها لتمويل الإرهاب والإرهابيين والأعمال الإرهابية البغيضة.

توصيات (فاتف) لمكافحة تمويل الإرهاب أتت قوية ولها «أسنان» حادة جدا، ولأجل غرز هذه الأسنان لاجتثاث الإرهاب فإنها طلبت من جميع الدول اتخاذ الخطوات الفورية والضرورية لتطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1999 الخاصة بمكافحة الإرهاب، وأيضا طلبت من جميع الدول التطبيق الفوري لكل قرارات الأمم المتحدة الخاصة بمنع ومكافحة تمويل الأعمال الإرهابية.

وبهذا التوجه، فإن توصيات (فاتف) رفعت من موضوع مكافحة تمويل الإرهاب إلى أعلى سقف تلتزم به الدول تحت رعاية وأعين الأمم المتحدة وكل أجهزتها القانونية والتنفيذية. وهذا هو المطلوب لأن الإرهاب عابر للحدود ولا يفرق بين هذا وذاك. ولهذه الخاصية فإن الوقوف في مواجهته يحتاج للتعاون الدولي وتشمير كل السواعد في كل مكان حتى لا يتسرب من تحتها.

وفي هذا الإطار، ووفق التوصيات الثماني، يجب على جميع الدول العمل على تجريم الإرهاب بكافة أشكاله وتجريم تمويل كل شخص أو منظمة إرهابية. وهذه التشريعات والإجراءات يجب أن تشمل تطبيق كافة التدابير الفورية لتجميد كل الأموال والأصول الخاصة بالإرهابيين أو المرتبطة بالأعمال الإرهابية، وكذلك أموال من يمولون الأعمال الإرهابية.

وهنا يوجه الأمر مباشرة للبنوك والمؤسسات المالية وغيرهم ممن يقومون بالتمويل أو بالتحويلات المالية في أي شكل كان أو كانت. وفي هذا الخصوص، وبالإضافة للتشريعات العامة والداخلية يجب على البنوك توفير واتخاذ كل خطوات الحذر والعين الساهرة والأيادي القوية لقفل الباب والوقوف بصلابة في وجه الإرهاب ومن يقف خلفه، وإلا سيقع الفأس على الرأس حيث لا ينفع الندم. والأحكام والجزاءات القوية التي اتخذتها وتأخذها أمريكا، ومعها العديد من الدول، في هذه الأيام في مواجهة تمويل الإرهاب والإرهابيين لخير دليل على أن هذا الموضوع خطير ويحتاج لعناية ومتابعة خاصة وإلا ستتعرض البنوك للهلاك وفقدان الأعمال بسبب هذا الوباء. وعلى البنوك الحذر في كل عملية، ومهما كانت صغيرة بسيطة.

وهناك توصيات بإجراءات معينة وخاصة بالنسبة للتحويلات المالية ونقل الأموال، بواسطة أي جهة، حيث يجب توفر الترخيص لممارسة هذه النشاطات مع الحق في مراقبة النشاط ووقف أو تقييد حركة الأموال عند عدم تقديم الإفصاح اللازم أو عند وجود إي اشتباه أو ارتباط بأعمال إرهابية أو تمويل الإرهابيين. مع ضرورة وجود التشريعات الواضحة لمعاقبة من يخالف الإجراءات أو التستر عليها أو عدم الإفصاح للجهات المختصة.

ومن الجهة الأخرى، فإن توصيات فاتف تلزم جميع الدول بالتعاون المخلص فيما بينها وأن تقدم كل دولة للأخرى كل العون المطلوب في تبادل المعلومات وتقديم البيانات وكل آليات المساعدة القانونية، وكذلك يجب على كل الدول تأمين مواقعها وعدم فتح مجالها أو جعله «ملاذ» آمن للإرهاب والإرهابيين مع العمل على وضع الضوابط القانونية الملائمة لمتابعة وقبض وتسليم كل من يقوم بممارسة الإرهاب عندما يطلب ذلك.

وهذا التعاون الدولي بالطبع مطلوب لتضييق الخناق علي الإرهاب الذي استشرى وملأ كل الدنيا سوادًا وخرابًا ودمارًا. وإذا شعر الإرهابيون بالأمان في إي مكان فسوف يقومون بتحصين مواقعهم لتنفيذ ما يطمعون فيه من تفكير أسود. وأكيد، لا يوجد شخص يتعاطف مع الإرهاب الذي يقلق مضاجع الأسر الآمنة ولا يفرق في فتكه بين الأطفال والكبار وبين القادر والعاجز... ومثلا، يتم تفجير الطائرات المدنية أو تفخيخ وتفجير السيارات والأشخاص في الأماكن المزدحمة أو تمويل مثل هذه النشاطات وشراء الذمم والأسلحة والمتفجرات أو غير هذا من العمليات التي لا تفرق وتستهدف الجميع بدون رحمة.

مثل هذه الأعمال الإجرامية لا تجد أي تعاطف بل سترتد على نحر من يقوم بها حتى لو كان لديه حق أو قضية لأنه عرض الجميع، نعم الجميع، للخطر دون ذنب أو جريرة بل شاء القدر والصدفة أن يكونوا في موقع جريمة الإرهاب. والإرهاب وترهيب الآمنين جريمة نكراء ونكرة منذ الأزل، لذا لا بد من تكاتف الجميع في وجه الإرهاب والإرهابيين وعليك أنت أن تبدأ بمحاربة الإرهاب لتضمن سلامة نفسك وسلامة أسرتك وأصدقائك، بل وليعيش العالم في طمأنينة وأمان.