randa2
randa2
أعمدة

عطر : اتبع صدى الروح

11 أكتوبر 2017
11 أكتوبر 2017

رندة صادق -

[email protected] -

أغمض عينيك لترى العالم أوسع، لتدرك حقيقة تضاد الضوء والعتمة، غادر جغرافية الأرض وارتفع لترى العالم ذرة تسبح في عوالم أبعد من الجهات الأربع، لا حدود للدهشة التي تنتظرك، الصق جبهتك بتراب الأرض لتعيد حواسك اكتشاف الأشياء وطبيعتها البكر، تنفس هواء الحياة فالموت يعني أنك لن تتنفس بعد اليوم، اصغي لهمس الصمت، لصوت شقائق النعمان في الحقل تمجد الخالق وتوزع الجمال دون مقابل، ابتهج لأنك كائن حي،غرّد بكلمات سحرية لتفتح أبواب الضوء وتفك عقال الجهل، تخلص من سطوة أناك، فالعالم ليس ما تظنه ولا تلك النشرات النفسية التي تلتقيها مع كل صباح، لا قوالب في عالم المعرفة، بل مساحات من نور أقول لك: تعلم وتعلم.

تعلم من النمل الذي يجتمع بصف واحد ليحمل حبة أرز رمتها المصادفة، تأمل قانون البقاء، تعلم من نسر يحلق ليعانق الغيم انتظر مطر الشتاء، دورة الحب والحياة، تعرف أكثر على طبيعتك على جنون عقلك وعقلنة جنونك، اتبع صدى الروح، تلك التي شغلت العالم وشكلت مادة للخلاف وستبقى كذلك، فهي من الأمور الغامضة التي احتاجت وستحتاج إثباتها أو نفيها أو قبول سرها دون جهد على قاعدة :”هي كذلك لا تسأل” إذا هل نقبل بساطة وجودها أم إشكالية ماهيتها ؟

يقول الله تعالى في كتابه الكريم “ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً، وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً، إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا‏”‏[‏سورة الإسراء‏:‏ الآيات 85-87‏]‏‏؟‏ الروح سر من أسرار الوجود وهي لا تكون إلا بأمر الله سبحانه وتعالى ونحن لا يمكننا ان ندرك طبيعتها.

من ناحية أخرى يُعرف الفلاسفة الروح على أنها مصطلح جدلي حاول البعض إثبات وجودها واجتهد البعض لينفيه، ولكن معظمهم أكد طبيعتها غير الملموسة والتي لا يمكن إثباتها بأدلة مادية، فهي كما وصفها بعضهم ذات طبيعة فريدة لا تشبه ما يدركه عقلنا، ولقد انقسموا أيضا في تحديد الفرق بين الروح والنفس؟وأثاروا أشكالية هل النفس تفكر من خلال قوة الدماغ أم هي الروح؟ هذا الكلام فلسفي بحت وحتما متناقض، ولكن لنذهب الى الناس البسطاء الذين يسمعون الكلمات في رؤوسهم ويصغون الى هاتف في داخلهم، هؤلاء يعرفون الروح ويؤمنون بها ويتتبعون صداها، يؤمنون بفطرتهم وليس بنظريات أو فرضيات وغالبا هم لم يقرأوا عنها ولم تتشوش حواسهم أو أصابهم غرور المعرفة.

العالم يسجل مستويات أدنى من الروحانيات، ويسقط في عالم الماديات، وكأن هناك إرادة خفية توجهنا لنكون آلات تأكل وتعيش وتموت بنمط واحد ومشهد واحد يتكرر مع دورة الحياة والموت، هذا النمط من التفكير ينسحب على كل شيء، على علاقاتنا بالآخرين وتفاعلنا معهم، على الرحمة في قلوبنا، على إيماننا بالغيب وبجوهر الفكر الديني، لقد تمكنوا من تحريف البوصلة بعيدا عن الحقيقة، فدخل الإنسان في معركة التهام التاريخ واستبدال الحضارة بفكر العولمة المغلفة بإغراء المعرفة، وزاد تشكيكه بعوالم لم يلمسها عقله وكانت تسكن قلبه.

الروح لا يمكن نفيها لأننا نراها من خلال ذواتنا، نحن ندرك أنها موجودة ونعرف أنّها أسيرة الجسد تسكنه الى ان تتمكن من خلعه والخروج منه فتتحرر من قيوده، كثر يدركون هذا ويعرفونه ويحافظون على إيمانهم بالروح وخالقها سبحانه وتعالى، فلطالما أدرك الإنسان انه إعجاز الوجود وعمقه وسره الأكبر. فلنتبع صدى الروح ففي غرابتها قوة حضور الإنسان وتميزه وليس فقط بقوة العقل.