sharifa
sharifa
أعمدة

وتر: سحر الضفة الأخرى

11 أكتوبر 2017
11 أكتوبر 2017

شريفة بنت علي التوبية -

في كل عام في ذات اليوم من شهر أكتوبر تحتفل بي عائلتي الجميلة وأصدقائي المقربون الذين يحرصون على أن يكون يوم ميلادي يوما أنيقا بمحبتهم، وفي كل عام من اليوم ذاته ينشغل عقلي بفلسفة الوجود الحقيقي لي والمرتبط بإنجازي وعطائي ومحبتي، فالكائن المتمثل بي والمحسوب بعدد سنوات عمري أكاد لا أعترف به، لأن الكينونة التي أبحث عنها في هذا الوجود لم تكن، وكأني ما زلت نطفة في رحم الحلم، وأمنية تسبح في فلك الأمنيات كي تكون كما أريد؛ لذلك ما زلت أنتظر يوم ميلاد جديد، ميلاد يعرفني على نفسي أو يعيدني إلي، وما أكثر المحطات التي ظننتها ميلادا (إنهائي المرحلة الثانوية، دخولي الجامعة وتخرجي منها، التحاقي بالوظيفة، زواجي بالرجل الذي أحببت، أمومتي، إصدار كتابي الأول ومحطات كثيرة أخرى)، وفي كل محطة من تلك المحطات ظننتني ولدت من جديد وظننتها بداية خلق وأحيانا أظنها نهاية، إلى درجة أخال نفسي أقول للطريق قف بي هنا، فأنا قد وصلت، ولكن الطريق لم يقف، والحكاية لم تبدأ والحلم لم ينته، والحياة التي أريدها لم تأت، فهناك حياة لم أحيها وحكاية لم أروها وكتاب لم أكتبه وفكرة لم أفكر بها، وما زلت مأخوذة بسحر العبور إلى الضفة الأخرى من النهر.

كم من الذين أتوا إلى الدنيا وعبروها إلى حياتهم الأخرى دون أن يتركوا أثرا، وكم من الذين ساروا في دروب الحياة دون أن يعلموا بأي طريق هم سائرون، وكم من الذين عاشوا حياة لا تشبههم لابسين ثوب الرضا والقناعة دون أن يحاولوا البحث عن حياة أخرى ضمن هذه الحيوات المتعددة، وكم من الذين أتوا إلى الدنيا غرباء وغادروها غرباء، وكم من الذين ماتت أحلامهم قبل موتهم ومن الذين ماتوا وما زالت أحلامهم تنتظر بعثا جديدا، فقبل أن نحتفل بيومنا السعيد وقبل أن تصبح عدد الشموع المضاءة أكثر من أن يستوعبها قالب حلوى، لنحسب عدد الإنجازات الحقيقية في حياتنا وعدد ما قدمنا وما أعطينا، وعدد اللحظات الجميلة التي عشناها بمحبة حقيقية، ولنطرح منها اللحظات التي لم نعشها كما نشتهي ولم نقدم بها شيئا يستحق أن يضاف إلى رصيدنا الحياتي، فإذا اكتشفنا أن مجموع لحظاتنا الجميلة والسعيدة أقل من عدد الشموع المطفأة، فلست أظن أن هناك ما يستحق الاحتفال به، لأن عمرنا الحقيقي ليس بعدد السنوات، ولكن بمقدار ما أعطينا وما تركنا في حياة الآخرين من أثر.