الملف السياسي

قبل أن يتحول سلاح المقاومة إلى أداة لقتل المصالحة

09 أكتوبر 2017
09 أكتوبر 2017

أشرف أبوالهول -

,, لابد من البحث عن حل توافقي لمسألة سلاح المقاومة الفلسطينية لأن جانبا كبيرا من الفلسطينيين والعرب والمسلمين لن يقبلوا بنزعه طالما بقي الاحتلال الإسرائيلي ,,

رغم الفرحة الغامرة التي أبداها أبناء قطاع غزة عند وصول أعضاء حكومة التوافق الوطني وفي مقدمتهم رئيسها الدكتور رامي الحمد الله للقطاع في منتصف الأسبوع الماضي في بداية خطوات إنهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس الذي استمر أكثر من عقد من الزمان ورغم الأجواء الإيجابية التي صاحبت بداية الزيارة خاصة عندما وصل للقطاع الوفد الأمني المصري الذي توسط بين الطرفين وكذلك مشاركة وزير المخابرات المصري اللواء خالد فوزي والكلمة المتلفزة التي وجهها الرئيس عبدالفتاح السيسي لحكومة الوفاق الوطني خلال اجتماعها بغزة، رغم كل ذلك إلا أن الغيوم سرعان ما بدأت تغطي الأجواء بعد صدور تصريحات من الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبومازن) ورئيس وزرائه أدت لتسرب القلق إلى نفوس مؤيدي حركتي حماس والجهاد الإسلامي بشكل خاص ومواطني غزة بشكل عام .

ففي الوقت الذي يشعر فيه قادة حماس أنهم قدموا طوعا تنازلات قاسية من أجل إتمام المصالحة وأنهم سلموا غزة بلا قيد أو شرط للسلطة الفلسطينية وحركة فتح بل ويتوقعون ردود فعل عدائية ضدهم من جانب مؤيدي الحركة الرافضين لعودة سيطرة فتح على القطاع لدرجة أن القائد يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي في غزة ومسؤولها الأمني هدد بكسر عنق من يعيق المصالحة حتى من أبناء حركته إلا أنهم فوجئوا بتصريحات من أبومازن والحمد الله بدت فيها السلطة وكانها طرف منتصر في حرب ومن حقها أن تفرض شروطها حتى ما يمكن اعتباره إذلالا للطرف الأخر (المنهزم) وجاء أخطر كلام لأبي مازن في حديثه التلفزيوني لقناة سي بي سي المصرية وبدا فيه وكأنه يضع شروطا مذلة لإتمام المصالحة والعودة للإنفاق على المشروعات الخدمية في غزة ودفع رواتب الموظفين حيث تكلم بشكل ضمني عن حتمية تخلي المقاومة عن سلاحها وحل الأجنحة العسكرية للتنظيمات السياسية وهو ما كان بمثابة جرس إنذار لكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس وسرايا القدس الجناح العسكري للجهاد الإسلامي .

وقد انتقل الإحباط إلى معظم سكان غزة بما فيهم جانب كبير من الفتحاويين عندما قال أبومازن في مقابلته مع (سي بي سي) أنه «عندما تتمكن الحكومة (من استلام مهامها) تعود الميزانية كما كانت»، وذلك في إشارة للأموال التي كانت تدفعها السلطة مقابل الخدمات المقدمة لغزة وكذلك بالنسبة لرواتب موظفي السلطة في القطاع والتي كانت قد تعرضت للتقليص أيضا في إطار سياسات الضغط على حماس وهو ما كان الكثيرون من الغزيين يتوقعون تغييره بمجرد بدء عمليات المصالحة وليس عند اكتمال فصولها والذي لا يدري أحد هل ستكتمل في هذه الأجواء أم لا .

وبعد الاجتماع الرمزي لحكومة الوفاق الوطني في غزة عاد الوزراء ورئيسهم إلى قواعدهم في رام الله دون أن يتم حسم القضايا الرئيسية مثل وضع أجنحة المقاومة ومصير ورواتب الموظفين سواء القدامى من فتح أو الجدد من حماس وكذلك كيفية إدارة المعابر وتنظيم الأمن بالقطاع على أن توضع هذه الملفات على طاولة مباحثات ممثلي الحركتين في القاهرة التي ترعى المصالحة مما جعل الأمل يتراجع في سرعان إتمام المصالحة رغم الضغوط المصرية والنوايا الطيبة الظاهرة من الجميع .

ويتبقى اكثر القضايا إثارة للجدل هي السيطرة على الأمن في قطاع غزة حيث تملك حماس جناحا عسكريا يضم قرابة 25 الف مقاتل لا يمكن أن تبدي استعدادا لتسليم أسلحتهم الى أي سلطة كانت حيث أكد كبار مسؤوليها ان الأمر غير مطروح للنقاش من أساسه رغم تحذير أبومازن بأنه لن يقبل هذا الوضع عندما قال: «لن أقبل ولن أنسخ أو استنسخ تجربة حزب الله في لبنان». وظاهريا يبدو أن مجرد الإثارة العلنية لمسألة سلاح المقاومة بالنسبة للكثير من الغزيين أمر كفيل بوأد المصالحة في مهدها خاصة إذا نظرنا أيضا لسلاح سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي والتي لم تكن يوما جزءا من الحياة السياسية الفلسطينية ولم تشارك في الصراع الداخلي ولا تعتمد على إيهما في تمويلها .

ومن وجهة نظر تحليلية فإنه لا بد من البحث عن حل توافقي لمسألة سلاح المقاومة الفلسطينية لأن جانبا كبيرا من الفلسطينيين والعرب والمسلمين لن يقبلوا بنزعه طالما بقي الاحتلال الإسرائيلي وبالتالي فيجب التركيز على التحكم في سلاح المقاومة وإدارته عن طريق قرار فلسطيني موحد وليس انتزاعه أو تدميره لأن مجرد المس به معناه انقلاب كتائب القسام على القيادة السياسية للحركة التي قبلت بالمصالحة ولو تعاون الجناحان العسكريين لحماس والجهاد الإسلامي فلن تعود غزة للسلطة الفلسطينية تحت أي ظرف حيث لا تملك الحكومة الفلسطينية أي قوة على الأرض في القطاع تستطيع أو تجرؤ على محاولة نزع سلاح كتائب القسام وسرايا القدس واللذين قد يتحدا في النهاية لمواجهة أي طرف يحاول المس بهما.

ومن ناحيتها فإن حماس مثلها مثل المواطنين العاديين في غزة تنتظر ان يقوم الرئيس الفلسطيني برفع الاجراءات التي فرضها خلال الاشهر الماضية على غزة، وبينها وقف التحويلات المالية الى القطاع، وخفض رواتب موظفي السلطة هناك، والتوقف عن دفع فاتورة الكهرباء التي تزود بها إسرائيل القطاع، ولكنها لا تتوقع أو تتخيل أن يصل الأمر لمرحلة المطالبة بنزع سلاح المقاومة لأن أقصي ما يمكن أن تستطيع تقديمه في هذه الحالة هو الوعد بعدم استخدام السلاح في أي مشاكل داخلية وكذلك عدم الانفراد باتخاذ قرار بإطلاق رصاصة واحدة في اتجاه إسرائيل خاصة وإنها ملتزمة منذ العدوان الإسرائيلي على القطاع في يوليو 2014 بمنع إطلاق الصواريخ أو القذائف من أي طرف كان بغزة وليس فقط من عناصرها وذلك لا يستغل الاحتلال هذا الأمر ذريعة لتدمير غزة مرة أخرى وزيادة معاناة أهلها حيث دمر الإسرائيليون أكثر من ربع مباني غزة في ذلك العدوان البربري غير المسبوق في عنفه على القطاع .

وفي تصور كمتابع للشأن الفلسطيني أن مسألة وضع سلاح المقاومة الفلسطينية يمكن أن تجد طريقها للحل في ضوء خبرة وحنكة أبومازن لأنه يعلم صعوبة بل الاستحالة حل الأجنحة العسكرية للحركات الفلسطينية خاصة حماس والجهاد الإسلامي ولذلك أتوقع أنه سيستخدم هذه الورقة فقط للضغط من أجل الحصول على أكبر ضمانات ممكنة من الحركتين بعدم استخدام السلاح تحت أي ظرف من الظروف إلا بناء على قرار سيادي من السلطة وليس قيادة الحركتين ولذلك فلم نستغرب عندما قال في حديث للقناة التلفزيونية أن حماس : «لم تخرج من ثوبها حتى بعد تعديل ميثاقها، نختلف معها بالأيديولوجيا، والسياسة (...) لكن وان اختلفنا، نحن جزء من الشعب الفلسطيني، وهم كذلك، لكن عندما يريدون الانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية، يجب ان يتواءموا ويلتزموا بسياستها».

ورغم رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أي مصالحة فلسطينية بدون الاعتراف بإسرائيل وحل الجناح العسكري لحركة حماس وقطع علاقاتها مع إيران إلا ان المرجح ان هذا الأمر سيكون بمثابة عائق أمام استئناف التفاوض مع السلطة الفلسطينية تحت الإدارة الأمريكية قريبا حيث رحبت الولايات المتحدة بحذر بعودة السلطة الى غزة، مشددة على وجوب ان تقوم أي حكومة فلسطينية بنبذ العنف والاعتراف بإسرائيل وقال جيسون جريبلات مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الى الشرق الأوسط على صفحته على «فايسبوك»، «يجب على أي حكومة فلسطينية ان تتعهد من دون لبس وبكل وضوح بنبذ العنف والاعتراف بدولة إسرائيل (...) والقبول بالاتفاقات السابقة»، مشيرا الى انه ستتم متابعة هذه التطورات من كثب.