1129357
1129357
المنوعات

د.سالم البوسعيدي لــ«عمان»: المفسرون ذهبوا بالقرآن بعيدا عن واقع الناس

09 أكتوبر 2017
09 أكتوبر 2017

صدور أول تفسير عماني عصري للقرآن الكريم في مجلد واحد -

نزوى: محمد الحضرمي -

التفسير الوجيز لكتاب الله العزيز كتاب جديد للكاتب د.سالم بن سعيد البوسعيدي صدر في مجلد واحد عن بيت الحكمة اللبنانية ومكتبة السيدة فاطمة الزهراء العمانية، وهو كتاب كما يعرف به مؤلفه في غلافه الأول أنه تفسير مترابط بلغة معاصرة، وأسلوب سهل، وطريقة مبتكرة؛ لتيسير فهمه للجميع مع تقديم إضاءات قرآنية. ينتقي أرجح الأقوال بما يوافق روح النص القرآني والسياق، ويلقي الضوء على بعض الإشارات العلمية في الآيات.

لا يخرج التفسير عن سياق الرسم القرآني، بحيث يقرأ القارئ الصفحة القرآنية، ومن حولها ينساب التفسير دون أي زيادة في عدد صفحات القرآن الكريم البالغ عددها 604 صفحات مع مقدمة كتبها المفسر في صفحتين متقابلتين تتصدران التفسير، وفهرس من صفحة واحدة في آخر التفسير، يوضح مواقع سور القرآن الكريم من الصفحات.

ويعد التفسير الوجيز الذي خرج من المطبعة هذا العام، وبيع منه حتى الآن أكثر من ألفي نسخة، ويعد أول تفسير عصري عماني متكامل، وبمناسبة صدوره أجرت «عمان» الثقافي حوارا مع الكاتب فإلى التفاصيل:

حدثنا عن بدايتك لتفسير كتاب الله العزيز؟

البداية كانت بسبب قراءاتي الكثيرة في التفاسير الموجودة لدي وفي مكتبتي المنزلية الخاصة، حيث راودتني فكرة أن أقدم لعموم القراء لكتاب الله تفسيرا قريبا منهم، يخاطبهم بلغة العصر، فبدأت بالتخطيط لتحقيق الفكرة، ووضعت لها ثلاثة معايير هي: أن يكتب بلغة معاصرة، وهي اللغة الواضحة والمتداولة بين الناس بحيث تحوي المصطلحات المعاصرة وأن لا يكون سطحيا، وأن يكون وسطيا معتدلا، تفسير يُعنى بتفسير العبارة القرآنية أكثر من عنايته بأمر آخر مما انشغل به المفسرون السابقون. هذه هي أهم الأسس التي انطلقتُ منها في تفسيري لكتاب الله، وحاولت فيها أن أضع أسسا لتحقيق تفسير معاصر للقرآن الكريم.

وكنت أتابع التفاسير الحديثة التي تنشر على أمل أن أجد ما يحقق ذلك، ولكنني لم أجد هذا التفسير؛ لذلك عملت جهدي أن أخرج هذا التفسير بالرؤى والأهداف التي وضعتها.

وكان لدي تجارب سابقة في التفسير هي تفسير: «نزهة المؤمنين» تفسير يقع في ثلاثة مجلدات للأجزاء الثلاثة الأخيرة، وتفسير «المعين» صدر في أربعة أجزاء، وهي الأعمال التي كانت مشجعة لي أن أخوض التجربة الجديدة، خاصة أنه لا يوجد تفسير عماني معاصر للقرآن الكريم.

الغوص في المعاني القرآنية

يوجد أكثر من تفسير وجيز وواضح صدرت في مجلد واحد، فما الجديد الذي تقدمه في تفسيرك، وهل ثمة إشكاليات ترى أن التفاسير السابقة وقعت فيها وحاولت تجنبها؟

في تفسيري هذا حاولت أن أتفادى أمرين: الأول أن لا يكون التفسير سطحيا، بمعنى أن لا يعطيك معنى العبارة فقط، رغم أن من أهدافه أن يكون به مترادفات لغوية، ولكن بالإضافة إلى الحصيلة اللغوية فمن أهدافه أيضا أن يقدم تفسيرا غير سطحي للمعاني القرآنية، وثانيا: أن يغوص في معاني العبارة القرآنية، ويقدم خلاصة ما قرأته حول الآية التي أفسرها بأقل ألفاظ ممكنة، وكنت أحيانا أرجع إلى قراءة ما يقرب من 40 تفسيرا لأجل أن أخرج بتفسير آية واحدة فقط.

وفي هذا التفسير حاولت أن أوائم بين الرؤى المذهبية في تفسير الآيات القرآنية، إذ لا يجب أن يؤخذ التفسير على منهج التعصب، بل على منهج التسامح؛ ذلك أن الآية تحتمل أكثر من معنى، ولو أن الإنسان قرأ القرآن قراءة حصيفة لوجد أن المعاني القرآنية عموما تدور حول معان سامية، تتركز حول قضايا جوهرية.

كيف تعاملت في تفسيرك مع الآيات العقدية، هل نظرت إليها برؤية مذهبية، أم كانت لك رؤية خاصة بها؟

هذا هو أول تفسير عماني معاصر للقرآن الكريم كاملا، ومن الأمور التي كانت محل اهتمامي أن أفسر الآيات التي لها أكثر من وجه، وفق ما يمليه علي السياق القرآني نفسه، وذهبت في تفسير هذه الآيات إلى الأقرب من المنطق، واعتنيت بتقريب الفكرة العامة للآية، بتقديم الفكرة العامة وربطها مع الآيات اللاحقة بحروف العطف، بحيث إن القارئ يستطيع أن يقرأ الآية بتلقائية وأريحية. هناك حروف عطف تربط بين اللفظ القرآني وبين التفسير، وهذا غير موجود في التفاسير الأخرى التي اطلعت عليها.

هل تشير في التفسير إلى رأي من سبقك؟

إذا كان الرأي مفردا فنعم، وأما إذ كان رأيا عاما فلا، ويوجد في أسفل الورقة حاشية تقدم انطباعاتي وآرائي الشخصية، وإيضاحات لبعض المعاني الواردة في سياق التفسير.

لم أهتم بالجوانب اللغوية

هل نقول إن تفسيرك لكتاب الله العزيز نسخة حديثة من تفسير الجلالين على سبيل المثال؟

لا .. لأنني لم أهتم بالجوانب اللغوية مطلقا، وإنما جاء اهتمامي بالفكرة العامة وأثرها في السلوك، ووجدت بونا شاسعا بين ما هو في ثقافتنا، وبين ما يريده القرآن الكريم، القرآن نطق بالتسامح وروح الوحدة والمحبة والاستقامة، وهذه المفردات الأربع هي رسالة القرآن للناس جميعا.

كما أنني لم أهتم بالقضايا النحوية على الإطلاق؛ لأنها ليست مجال بحثي، ولم أعتن بأسماء الأشخاص الذين نزلت فيهم الآيات، أعني أنني لم أتطرق إلى أسباب النزول مطلقا، وإنما اعتنيت بالرسالة القرآنية، وكيف يمكن ترجمتها اليوم في واقع المسلمين وأفكارهم، أو كيف نجعل من النص القرآني حياة نعيشها.

هناك أمر آخر، وهو أن التفسير أردته أن يكون ضمن صفحات المصحف الشريف، وهذا حدد له مساحة محددة لا يمكنني أن أتجاوزها، فاضطررت إلى الاختصار وكنز الأفكار ومقاربتها ببعضها، بألفاظ بسيطة ومختصرة، وكل من يقرأ التفسير سوف يلمس أنه حمل أفكارا عملية، وليست تفسيرا إنشائيا أو لغويا.

رغم المحاذير والاشتراطات الموضوعة للمفسر، وكيف استطعت أن تشرع في تفسير القرآن الكريم بلا خوف ولا تردد؟

لا أرى أن تفسير القرآن الكريم يمكن أن يحصر ويقتصر على أحد دون غيره، القرآن بحاجة إلى تفاعل، وعلماؤنا عاشوا برؤى خاصة بعيدة عن واقع مجتمعهم، وبعيدا عما يلامس هموم الناس، وهذا الأمر جعل بين تفسيرهم للقرآن الكريم وبين واقع الناس حالة من الهواجس تعيق التفاعل معها.

بالطبع من الضرورة بمكان أن يكون المفسر لديه حصيلة لغوية تمكنه من التعبير، ولكن الأهم من ذلك أن يحس بالقرآن في واقع الناس، ومما يؤسف له أن كثيرا من المفسرين ذهبوا بالقرآن بعيدا عن الناس؛ انتصارا لآراء مذهبية وسياسية ومصلحية أيضا. ولم يقرأ لله إلا فيما ندر. ويمكنني القول: إن القرآن اختطف بيد بعض المفسرين.

ما التفاسير القريبة منك روحيا ومعرفيا؟

هي التفاسير التي تناقش قضايا واقعية، وفيها تسامح إنساني وإسلامي، يمكنني أن أذكر من بينها: تفسير (من هدي القرآن) للمفكر الإسلامي السيد محمد تقي المدرسي، وكذلك تفسير (من وحي القرآن) لحسين فضل الله، و(تفسير المراغي)، و(في ظلال القرآن) لسيد قطب، هذه التفاسير كنت أفكر معها كثيرا.

خلال 8 أشهر فقط!

متى ابتدأت بتفسيرك للقرآن الكريم، حدثنا عن الفترة التي قضيتها لإنجاز هذا العمل؟

فكرة هذا التفسير مختمرة في داخلي منذ سنوات بعيدة، ولكني كتبته خلال هذا العام، في زمن قياسي جدا يبلغ 8 أشهر بمعدل 16 ساعة في اليوم، كان العمل مجهدا جدا، ولكني أحمد الله أني استطعت أن أنجز كتابته، وخرج مطبوعا في مجلد واحد.

هل عرضت تفسيرك لعالم مختص بالتفسير، حتى يبدي عليك ملاحظاته فتستفيد منها؟

كان الهدف من هذا التفسير هو أنه مخاطبة العوام من الناس، وأعني بكلمة العوام أي غير المختصين بتفسير القرآن الكريم والمشتغلين بعلومه، وأكثر من عرضت عليم التفسير هم العوام من الناس، لأني أخاطبهم فيه، والكل شجعني وأخذ بيدي، وتابع معي مسار التفسير ومشروع تحققه حتى إنجازه، وكنت كلما أنهي جزءاً من التفسير أعطيه لمجموعة من الناس.

وفي هذا التفسير أوضح للقارئ أني لم استرسل كثيرا في سرد الأفكار، وهو بمثابة نواة لتفسير آخر مطول، سيصدر في عدة مجلدات في قادم الأعوام بإذن الله، تفسير سيكون فيه بسط وشرح باستفاضة للأفكار. وما هدفت من تفسيري الوجيز للقرآن الكريم، هو أن المسلم حين يقرأ القرآن الكريم، يجد فيه المعنى العام للآية القرآنية. ولكن ليس المعنى العام السطحي، بل المعنى العميق، ليصبح متفاعلا مع النص القرآني.

هل أشكل عليك تفسير بعض الآيات؟

نعم، أشكلت علي المعاني المتضاربة في القرآن الكريم، فكثير من الآيات فيها تضارب في التفاسير لدى المفسرين، وهذا أعده من إعجاز القرآن الكريم، لأنه حمال أوجه.