أفكار وآراء

الأمم المتحدة ومسارات النظام العالمي

07 أكتوبر 2017
07 أكتوبر 2017

إميل أمين -

كاتب مصري -

[email protected]

الشاهد انه على عتبات المبنى الزجاجي للأمم المتحدة يجد المرء نفسه امام عدة تساؤلات جوهرية تتقاطع فيها الخطوط وتتداخل الخيوط عن دور الأمم المتحدة في حاضرات ايامنا من جهة ، وعن حال ومآل النظام العالمي من جهة ثانية ، وبينهما يتوجب السؤال .. الى أين يمضي العالم ؟

المؤكد ان السؤال أوسع وأشمل من ان يشمله مقال بعينه، لكنها محاولة لتحليل المشهد الآني وبخاصة في ضوء الكلمات التي ألقيت من زعماء العالم وممثلي الدول المختلفة، من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 72 الحالية .

يلفت الانتباه ان مساحات الافتراق في تلك الكلمات كانت اكبر وأوسع من مساحات الاتفاق ، حتى وان لم يظهر ذلك بشكل واضح ، لكن ازمات بعينها بدت مهيمنة على المشهد الدولي وفي المقدمة منها مشهد كوريا الشمالية الذي لفت الانتباه الى معضلة الأسلحة النووية حول العالم وإمكانية انتشارها ، سيما وأن ما تقوم به « بيونج يانج » قد يغري كثيرين اخرين بالمضي قدما في هذا الإطار .

ولعل الذين تابعوا كلمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على نحو خاص قد وقر لديهم ان الرجل يريد بالفعل اعادة حالة التوازنات الدولية حتى تستقر أحوال المسكونة ، ويلفت الانتباه انه لم يتوقف كثيرا عند الخلافات الدائرة بين الكونجرس وبين روسيا تحديدا ، فقد ركز على بقية الملفات الدولية ومر مرور الكرام على أوكرانيا .

هل كان ترامب يسعى لإعادة الثقة مع بقية الاطراف الدولية وعدم اشاعة حالة من الفوضى حول العالم ؟

الثابت انه ليس ترامب وحده الذي فهم من كلمته محاولات التهدئة على صعيد ملفات الخلافات التقليدية ، بل غالبية ان لم يكن كافة رؤساء العالم الذين ألقوا كلمات وجميعهم اتفقوا على اشكالية مزمنة واحدة تأتي في مقدمة كل الكوارث التي يتوجب التعاطي معها ، اي مشكلة الإرهاب وشيوعه وذيوعه حول العالم .

لقد بات الإرهاب في واقع الحال هو التحدي الأممي الأول والأخطر ، وهذا مرده ان العنف اصبح سمة دولية ، وفي ظل ما هو متاح ومباح من وسائل تكنولوجية حديثة ، لم يعد الإرهاب مسألة عنقودية تراتبية كما كان الحال مع تنظيم القاعدة ، حيث هناك زعيم للتنظيم يصدر الأوامر لبقية الأعضاء ، بل بات موجات فكرية تنتشر عبر الأثير ، ومن هنا يسهل التجنيد والتعبئة ، ومن هنا ايضا يسهل الحصول على أفراد ومتطوعين جدد ، ولعل آخر تقرير صادر عن اليوروبول « الشرطة الأوروبية الموحدة » يشير الى ان هناك نحو 50 الفا بين متطرف وإرهابي وقابل للعنف على الأراضي الأوروبية، ما يعني ان الانفجار قادم لا محالة .

غير ان السؤال ...هل الأمم المتحدة على حالها هذا قادرة على مواجهة ومجابهة معضلة الإرهاب الدولي ؟

الجواب ربما يذكرنا بمقولة رئيس وزراء بريطانيا الأشهر « ونستون تشرشل» .. «انت لا يمكنك ان تفاوض الى مدى ابعد من المدى الذي تصل اليه نيران مدافعك»، وهنا فإن علامة الاستفهام كم فرقة عسكرية تمتلك الامم المتحدة لفرض إرادتها الدولية ؟

واقع الحال انها لا تمتلك شيئا في هذا الاطار ، وجل ما يمكنها القيام به ، هو عمليات حفظ السلام هنا او هناك ، ولهذا شهدت اعمال هذه الدورة جلسة خاصة لمناقشة كيفية تطوير هذا الدور الذي بات مطلبا متزايدا وبخاصة في ظل تنامي الأزمات الدولية ، واحتمالات التشابك والتصارع القائمة في غالبية قارات الأرض الست .

ومما لاشك فيه ان مطلب اصلاح فكرة قوات حفظ السلام يقودنا الى الحديث عن اصلاح احوال الأمم المتحدة بشكل اكبر سيما وان النظام العالمي نفسه سواء الذي ولدت من رحمه او آلت اليه الأحوال قد تجاوز وضعها الحالي ..ماذا يعني ذلك؟

باختصار غير مخل ولدت المنظمة الدولية في الاصل من اجل حفظ السلام حول العالم ، بعد ان كبدت الحرب العالمية الثانية الجميع اثمانا باهظة وأريقت دماء اكثر من ستين مليون نفس بشرية حول الكرة الأرضية ، وقد استطاعت بصورة أو بأخرى تقديم الحد المطلوب لأن يتجنب العالم صراعا عسكريا عالميا سواء بالأسلحة التقليدية او النووية، وبخاصة طوال أربعة عقود او أزيد قليلا عمر الحرب الباردة .

حين ولدت الامم المتحدة كانت الدول الخمس دائمة العضوية المسيطرة الآن على مجلس الامن هي من بيدها مقدرات العالم ،غير انه وبعد سبعة عقود باتت الخريطة الأممية مختلفة بشكل جذري ،ويكفي النظر الى القوى والتجمعات الدولية الوليدة ، مثل البريكس وفيها الهند والبرازيل وجنوب افريقيا ، وجميعها قوى ناهضة وهذا اليوم تتساءل هل لا بد من اصلاح الأمم المتحدة حتى تكون فاعلة وناجزة على الصعيد الدولي؟

قبل بدء اعمال الجمعية العمومية بيوم واحد طرح الرئيس ترامب خطة لاصلاح هيكل المؤسسة الدولية وقد لاقى الامر ترحيبا واسعا لكن ليس اجماعا امميا ، فالجميع يتساءل ايضا هل ترامب يريد اصلاحات تمهد للسيطرة الامريكية المطلقة على العالم انطلاقا من رؤيته التي تحدث عنها خلال حملته الانتخابية الرئاسية تحت عنوان « أمريكا أولا » ام يريد إصلاحا حقيقيا يتسق وملامح ومعالم نظام دولي جديد يرى البعض انه يولد الآن ، في حين يقول البعض الآخر انه موجود لدينا بالفعل في صورة اخرى غير الصورة التقليدية المتعارف عليها من خلال رؤساء ورؤساء وزراء ووزراء خارجية وأمم متحدة عتيدة؟

مهما يكن من شأن طرح ترامب لإصلاح المنظمة الاممية ، فإن هناك واقعا دوليا جديدا قوامه يتجاوز ما تقدم ، وهو تركيبة عجيبة مثيرة وخطيرة في آن واحد ، قوامه منظمات ارهابية تعمل في قارات الارض الست لنشر عدم الاستقرار تحت رايات من القوميات والشوفينيات العرقية تارة والمذهبية تارة اخرى ، وهناك مجمعات الصناعات العسكرية وهؤلاء لم يعودوا أمريكيين فحسب بل جنسيات اخرى من حول العالم ، عطفا على غاسلي الأموال وتجار المخدرات والمتاجرين بالبشر سيما بعد موجات الهجرة القاتلة التي تصاعد مدها بسبب الحروب الأهلية في السنوات الأخيرة .

هناك عالم جديد من القراصنة الجدد للملكيات الفكرية وجميعهم يعملون من خلال الشبكات العالمية ، وكذلك تعمل الحكومات الى حد كبير ، إذ تتبادل شبكات المسؤولين الحكوميين مثل محققي الشرطة والمنظمين الماليين ، وحتى القضاة ومشرعي المعلومات بشكل متزايد ، وينسقون النشاط لمحاربة الجريمة ومعالجة المشكلات المشتركة على النطاق العالمي . والشبكات والحكومات ملمح أساسي للنظام العالمي في القرن الحادي والعشرين .

يمكنك ان تضيف الى كل ما تقدم من تحديات في طريق النظام العالمي ان هناك عالما سيبرانيا موازيا لا يقل اهمية او خطورة عن العالم الحقيقي الذي نعيش فيه ، بمعنى انه ليس هينا ولا يسيرا ان تجري معاملات على كافة الصنوف والألوان من وراء ظهر العالم الحقيقي ، وأكثر تلك الإشكاليات هولا هي التعاطي مع الارهاب الذي بات يتمدد وينتفخ وتصعب متابعته بشكل تقليدي ، وعليه تجد الأمم المتحدة نفسها وآلياتها القديمة غير قادرة على مجاراة عالم جديد ونظام عالمي غير واضح المعالم .

هل نحن في ظلال عالم جديد غير مرئي هو من يحرك العالم ؟

الشاهد اننا لا نريد الدخول في تفصيلات اكثر ازعاجا لكن من قرأ كتاب الكاتب والمحلل السياسي الاستراتيجي الامريكي الكبير دافيد روثكوبف المعنون«الطبقة الخارقة ... نخبة التسلط العالمي وأي عالم تبني» ، يدرك تمام الادراك ان هناك ستة آلاف فرد موزعون في انحاء العالم يتحكمون في مصائر ستة مليارات نسمة ، ويتسلطون على الكرة الأرضية ببشرها وثرواتها ، يوقدون حربا هنا وحربا هناك ، يغتالون زعيما ، يسطون على مناجم وآبار نفط ، من دون ان يحاسبوا او يحاكموا ، منهم رجال دين كبار جدا ، أمراء حروب ، إرهابيون ، ادباء ،فنانون ، قتلة محترفون .. ماذا يعني ما تقدم ؟

ببساطة يلقى ضوءا على ماهية العالم الجديد والذي يحتاج الى امم متحدة مغايرة لما هي الآن ، فالحقائق السابقة تلغي المفاهيم السائدة حول فاعلية رؤساء الدول وأعضاء البرلمانات ومجالس الشيوخ ، وتؤكد ان اختيارهم شكلي وتعيينهم حبر على ورق وإن السلطة الحقيقية حكر على الطبقة الخارقة حسب هذا الزعم .

قد يكون حديث الرجل هنا مبالغا فيه بشكل او بآخر ، لكنه في كل الاحوال لا يخلو من حقائق ما ، تفيد بأن نظاما عالميا جديدا واضح المعالم مسألة ليست قريبة في ضوء تضاد المصالح ، عطفا على الحاجة الى عدد جديد من المؤسسات الأممية الصغيرة والفاعلة بشكل أقوى من الأمم المتحدة الحالية .