1126868
1126868
المنوعات

نيابوليس ضحية تسونامي الكبير تعيد اكتشاف نفسها في قاع البحر

06 أكتوبر 2017
06 أكتوبر 2017

تونس «د.ب.أ»: على شواطئ الرمال الذهبية بتونس، تحتفظ مدينة نابل بموقعها المطل على البحر الأبيض المتوسط كمقصد مهم للسياح، مثلما كانت كذلك قبل نحو 2500 عام مقصدا للنبلاء الرومان حينما كانوا يتدفقون على حمامات نيابوليس للاستجمام.

ومدينة «نيابوليس» التي بنيت على أنقاضها نابل، تعني باللغة العربية المدينة الجديدة، وكانت حتى وقت قريب تعرف لدى المؤرخين بإحدى المدن الرومانية المزدهرة ولكن عاداتها وتجارتها ظلت موضع اختلاف إلى حين الكشف عن جزء من المدينة مطمورا تحت البحر.

تقع نيابلويس التاريخية على أجزاء من مدينة نابل الحديثة (70 كيلومترا جنوب شرق العاصمة) غير أن المعلومات بشأنها ظلت شحيحة. والسبب في ذلك في نظر المؤرخين أن المدينة دفعت ثمنا باهظا نتيجة لانحيازها إلى قرطاج في حروبها مع روما.

فقد عمدت روما بعد فوزها في الحرب البونية الثالثة، بجانب تدمير قرطاج عام 146 قبل الميلاد، إلى طمس نيابوليس وتهميشها، ما يفسر تغييبها في أغلب المراجع الرومانية القديمة.

أصبح اليوم الموقع القديم لنيابوليس مندمجا في النسيج الحضري لمدينة نابل، وهو يقع في صلب المنطقة السياحية، وكان قد اكتشف صدفة في عام 1965 بمناسبة أشغال ردم.

لكن الحفريات الجديدة تحت الماء وبمشاركة جامعة ساساري من جزيرة سردينيا الإيطالية جاءت لتكشف في يوليو 2017 عن مدينة ومؤسسات بأكملها في قاع البحر وشواهد عن صناعات قديمة كانت وراء شهرة حقيقية لنيابلويس الرومانية عكس ما تشيره المعلومات الشحيحة المتداولة حولها.

يقول منير فنطر المكلف بالبحوث في المعهد الوطني للتراث «الحفريات كانت مبرمجة وبدأت منذ العام 2010. مع تقدم الأعمال ثبت أن هناك جزءا كبيرا من المدينة التي تقع على مساحة تقدر بـ20 هكتارا وعلى عمق نحو 200 متر تحت البحر، كانت تعرضت إلى زلزال قوي في شكل تسونامي». ويرجح العلماء الذين يدرسون تاريخ المدينة أن الزلزال وقع في القرن الرابع ميلادي في البحر الأبيض المتوسط وتسبب في انحدار جزء من المدينة يقدر بنحو ثلثها إلى البحر.

ويبين فنطر أن النصوص الأدبية للمؤرخين القدامي ومن بينهم آمياس مارسيلين، كانت تحدثت عن الزلازل التي شهدتها المنطقة خلال فترة الحكم الرومانية، ومن بينها الزلزال الكبير الذي هز شرق حوض البحر الأبيض المتوسط في العام 365 ميلاديا، تحديدا يوم 21 يوليو.

وبحسب المؤرخين لتلك الحقبة، ضرب الزلزال بشكل عنيف جزيرة الكريت اليونانية ومدينة الاسكندرية في مصر لكنه ربما طال أيضا بحسب البحوث عددا من المدن غرب المتوسط، ومن المرجح ان نيابلويس كانت أيضا عرضة لهذا الزلزال الكبير.

وقال سامي مهني الباحث في عالم البحار «كان سكان نيابوليس كلما تحولوا إلى سوق المدينة لقضاء شؤونهم سرعان ما عادوا إلى منازلهم خوفا من حدوث زلزال شبيه بتوسونامي». ويشير الأستاذ الجامعي والباحث في علوم التاريخ والآثار فوزي محفوظ أنه من السابق لأوانه التأكيد على نظرية الزلزال في انحدار المدينة إلى البحر، مشيرا إلى أن الحسم في هذه المسألة يقتضي دراسة علمية دقيقة تعتمد على رفوعات هندسية وتحاليل للعينات من قبل علماء في علوم البحار والجيولوجيا، ويوضح منير فنطر «ليس لدينا بعد تأكيد بشكل تام حول هذه الحقيقة.

لكن البحوث لا تزال مستمرة مع مختصين في علم الزلازل وعلماء آثار ما تحت الماء». وحتى الآن كشفت الحفريات المستمرة منذ 2010 حول المدينة الغارقة، عن الميناء القديم لنيابوليس ومعبدا لآلهة الرومان جوبيتار وعلامات تدل على الأنهج والشوارع الممتدة في المدينة.

وتحدث فريق البحث عن حالة جيدة لعدد من المنازل والمحلات.

كما أثبت الاكتشافات بإشراف فريق من الباحثين الإيطاليين والتونسيين أن نيابوليس كانت مدينة تجارية رائدة في عصر الامبراطورية الرومانية اختصت في تمليح الأسماك وإنتاج «صلصة الجاروم» التي تستخدم كبهار، وهي من المنتجات المفضلة لدى سكان روما القديمة.

ويقول منير فنطر «توصلنا إلى الكشف عن حوالي 200 حوض تحت الماء مخصصة لتمليح وتصبير الأسماك.

يعتقد أن الطبقة الثرية في المدينة كانت تجني ثرواتها من هذه التجارة ». تستخدم الأحواض الكبيرة في تجميع أحشاء الأسماك وصغارها للنقع بغية إنتاج صلصة شبيهة بالصلصة الآسيوية.

ويمكن ملاحظة بقايا أسماك مصطفة، قد ملحت قصد حفظها مدة طويلة.

وبحسب وكالة إحياء التراث الحكومية يتعلق الأمر ببقايا مؤسسة كانت تصنع على نطاق واسع هذا المرق الشهير الذي كان يعجب الرومان كثيرا ويصدر جانب كبير منه إلى بلدان متوسطية أخرى، حيث أشاع الرومان استعماله. لكن بخلاف شهرتها التجارية فإن نيابوليس عرفت كغيرها من المدن التونسية القديمة، كحديقة خلفية لروما ومنتجعا للاستجمام للنبلاء والأثرياء.

وفي حال تأكيد نظرية تسونامي بشأن مصير نيابوليس، فإن فريق الباحثين التونسيين يرجحون إمكانية اكتشاف مدن أثرية أخرى غمرتها مياه البحر على الساحل التونسي بسبب ارتفاع منسوب الماء في مناطق مثل جزيرة جربة في الجنوب وأوتيك بولاية بنزرت في الشمال وكركر بولاية نابل.

ويقول منير فنطر «المعطيات التي تم كشفها في نيابوليس فريدة ويتوقع أن تمنح دفعة مختلفة للبحوث وعمليات الحفر في تونس وفي المنطقة المتوسطية».