أفكار وآراء

التاريخ .. هل يستعيد نفسه في ألمانيا ؟!

06 أكتوبر 2017
06 أكتوبر 2017

سمير عواد -

تساءل العديد من المراقبين عندما بدأت تظهر أحزاب يمينية متطرفة في أوروبا وتسعى للوصول إلى السلطة كما حصل في المجر وبولندا، لماذا لم يظهر مثل هذا الحزب في ألمانيا بالذات، المسؤولة عن حربين عالميتين؟ أما الآن، فقد تم ذلك، بعد فوز حزب «البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي الذي بدأ يغير الحياة البرلمانية الألمانية وأصبح ثالث أكبر حزب.

لم يكن نجاح حزب «البديل من أجل ألمانيا»، لأول مرة منذ تأسيسه في عام 2013 كحزب معارض لسياسة اليورو قبل أن يسقط القناع عن وجهه العنصري ويهاجم النظام السياسي الألماني وكذلك اللاجئين والإسلام، وينشر الكراهية والحقد بين الألمان، مفاجئا للمراقبين، فقد استطاع بسرعة كبيرة أن ينتشر في المناطق الألمانية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. ففي العامين الماضيين، تمكن من دخول برلمانات عشرة ولايات ألمانية وحصل في بعضها على عدد من الأصوات أكثر من الأحزاب التقليدية الكبيرة.

وكان حزب «البديل من أجل ألمانيا» قد فشل في الانتخابات العامة السابقة في دخول البرلمان، وكذلك الحزب الليبرالي الذي شارك في غالبية الائتلافات التي تشكلت بعد تأسيس ألمانيا الحديثة. ومن المؤكد أنه سوف يغير الحياة السياسية في ألمانيا ، ويخشى الكثير من المراقبين أن تنشأ في البلاد موجة من العنف ضد اللاجئين والمسلمين. ويعتقد البعض أن التاريخ قد يعيد نفسه، مشيرين إلى نجاح هتلر في الوصول إلى السلطة في عام 1933. لكن البعض يعتقدون أن الحزب المذكور قد لا يستطيع البقاء طويلا في البرلمان، نظرا لاختلاف الآراء بين قادته، فمنهم من يدعو إلى الاتزان، ومنهم من يتحدث بلغة هتلر.

ويعتقد المعلق الألماني المعروف «ياكوب أوجشتاين» أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، هي التي أنقذت حزب «البديل من أجل ألمانيا» من الزوال، بعدما فشل في الانتخابات العامة في عام 2013 ، وتبين أنه في طريقه إلى حظيرة التاريخ، ثم سنحت له فرصة تاريخية ساعدته في النهوض على قدميه، عندما سمحت ميركل بفتح أبواب ألمانيا أمام مئات الآلاف من اللاجئين، وبدأ الحزب يرفع شعارات «المسلمون قادمون لغزو ألمانيا»، ثم حملوها مسؤولية وقوع اعتداءات إرهابية في ألمانيا وأوروبا ، وفي مدينة «دريسدن» علق متطرفون ألمان تأثروا بهذه الشعارات المهينة لكرامة الإنسان، حبل المشنقة في الساحة العامة لميركل ونائبها زيجمار جابرييل. وانتقد «أوجشتاين» المستشارة الألمانية بشدة ، والتي تعرضت إلى الكثير من الانتقادات أيضا في دائرتها الانتخابية ، وخاصة من المعسكر المسيحي الذي تتزعمه، بسبب سماحها للاجئين دخول الأراضي الألمانية والأوروبية بدون أوراق ثبوتية، وقال بعضهم إنها حملت بعض الدول الأوروبية أكثر من طاقتها حيال اللاجئين. وفشل الاتحاد الأوروبي حتى اليوم في إجبار الدول الأعضاء على تقاسم 160 ألف لاجئ، وترفض دول أوروبية شرقية منتمية للاتحاد الأوروبي استضافة نسبة محددة منهم رغم تهديدها بفرض عقوبات ضدها.

وتجدر الإشارة إلى أن الحلفاء المنتصرون على ألمانيا النازية (الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي وفرنسا وبريطانيا) فرضوا شروطا على الحياة البرلمانية في ألمانيا الغربية منذ انتخاب أول برلمان بعد الحرب العالمية الثانية وذلك في أغسطس 1949، وحرصوا على عدم مشاركة أحزاب لها توجهات «نازية» في البرلمان، وكانت قد مرت سنوات قليلة على استسلام ألمانيا النازية في الثامن من أبريل 1945. وكان واضحا أن الحلفاء الأربعة يريدون تفادي عودة النازيين إلى الساحة السياسية من الباب الخلفي وعن طريق البرلمان، مما جعل بريطانيا كقوة احتلال، تمنع «الحزب الألماني» من المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأولى بسبب توجهاته اليمينية على الرغم من معاداته للشيوعية.

ويُعتبر حالة دخول حزب «البديل من أجل ألمانيا» إلى البوندستاج الألماني دليلا على انقسام المجتمع الألماني. فبعد أن ركز الحزب بعد تأسيسه على مناهضة اليورو، وراح ينتقد سياسة ميركل في دعم الدول المتعثرة في جنوب أوروبا، لم يجد مؤيدوه في ذلك سببا للتمسك به ، إلى أن ظهرت جماعة عنصرية في مدينة «دريسدن» تحمل اسم «بيجيدا»، أي «وطنيون مناهضون لأسلمة أوروبا»، وراح مؤسسوها ومنهم المدعو «لوكاس باخمان» وهو صاحب سوابق، يقيمون تظاهرات في مدينة «دريسدن» مساء كل يوم اثنين، ولفتوا الأنظار بحجة كلامهم وتهجمهم على النخبة السياسية في ألمانيا، واللاجئين ونشر المخاوف من اللاجئين والإسلام، وظهر العديد من قادة حزب «البديل من أجل ألمانيا» مرارا في مسيرات نظمتها «بيجيدا» العنصرية.

وساعد هذا التحالف في انتشار مشاعر الحقد لدى فئات غير قليلة من الألمان ضد اللاجئين والإسلام والنخبة السياسية في ألمانيا، وخلال الحملة الانتخابية قوبلت ميركل بالطماطم وصفير الاستهجان أحيانا، وكان ذلك في إطار حملة منظمة من قبل حزب «البديل من أجل ألمانيا» للتقليل من أهميتها والتعبير عن معارضتهم لها.

ويعتقد المراقبون أن المهاجرين الذين ساهموا في إعادة بناء ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ، وفي هذه الأثناء يعيش فيها أولادهم وأحفادهم، بالإضافة إلى اللاجئين وخاصة المسلمين، يخشون العنف والاضطهاد، وان لديهم ما يبرر قلقهم. فقد سبق وأن دعت مسؤولة كبيرة في حزب «بديل من أجل ألمانيا» إلى منع اللاجئين من دخول الأراضي الألمانية ، حتى لو تم الاضطرار لإطلاق النار عليهم. كما دعا العقل المدبر للحزب «ألكسندر جاولاند» أخيرا، إلى إبعاد وزيرة ألمانية من أصل تركي إلى موطنها في «الأناضول» والتخلص منها هناك. ولا يبدو أن مثل هذه الانزلاقات حالت دون قيام ملايين الألمان من أصل أكثر من 61 مليون ناخب، بالتصويت لصالح هذا الحزب المتطرف، بينهم مليون ناخب من معسكر ميركل ونصف مليون ناخب من معسكر منافسها الاشتراكي مارتن شولتس.