أفكار وآراء

ترامب بحاجة إلى ترتيب أولوياته في الشرق الأوسط

06 أكتوبر 2017
06 أكتوبر 2017

جون أولترمان -

ترجمة قاسم مكي -

بالنسبة للعديدين في الشرق الأوسط تشكل إدارة ترامب هواء منعشا جديدا. فتصريحات ترامب حول محاربة التطرف وتعزيز الوضع الراهن ولا مبالاته عموما بالأوضاع الداخلية في المنطقة مدعاة لارتياح كبير بعد أن اتبع الرئيسان بوش وأوباما استراتيجيات ربطت الأوضاع الداخلية بتغذية الأصولية. ولآخرين في المنطقة تشكل إدارة ترامب خطرا. فهم لا يعتقدون فقط أنها تتبع سياسات معادية للمسلمين (ومنحازة لإسرائيل) ولكنهم يرون أيضا أنها تدفع بالمنطقة نحو قدر أكبر من العسكرة والصراع. ولكن يتفق هؤلاء وأولئك على شيء واحد هو أن لدى إدارة ترامب العديد من السياسات الشرق أوسطية ولكنها تفتقر إلى استراتيجية واضحة. وذلك ما يزيد من صعوبة تعاون أي منهما مع الولايات المتحدة. لا يوجد شح في الأشياء التي ترغب حكومة الولايات المتحدة القيام بها في المنطقة. فمن اليمن إلى سوريا ومن إيران إلى ليبيا تطول القائمة. بعضها يتعلق بمحاربة الإرهاب ومحاربة التمرد ومحاربة الأصولية. وبعضها يتعلق بحل النزاعات بين الدول وأخرى بالنزاعات داخل الدولة الواحدة. كما يوجد حشد من القضايا ذات الصلة بموضعة القواعد والتخزين المسبق للمعدات العسكرية. لدى الولايات المتحدة مصالح قوية تتعلق بالطاقة في المنطقة وتجارتها الزراعية معها نشطة. كما أن الشرق الأوسط أيضا مكان هام لقضايا عديدة تعنى بها الولايات المتحدة دوليا بما في ذلك الإتجار بالبشر وغسيل الأموال وانتشار السلاح النووي. ولكن لا يمكن للولايات المتحدة التأكيد على كل هذه الأشياء في نفس الوقت. فهي عليها المفاضلة بينها. ويلزمها تأجيل بعض الأشياء التي تحب أن تعملها وعمل أشياء لا تريد عملها والسعي من أجل تحقيق الأشياء الأكثر أهمية التي هي بحاجة للقيام بها. ومن شأن الإستراتيجية أن تساعد على التوجيه في إجراء المفاضلات الضرورية والمطلوبة. لقد خصصت استراتيجية إدارة أوباما الأولوية، خصوصا في السنوات الأخيرة من عمرها، لتخفيف العداوات مع إيران من أجل تجميد البرنامج النووي ودفع طهران نحو علاقة أقل صدامية مع باقي العالم. وركزت إدارة بوش الثانية، خصوصا في أواسط سنواتها، على الإصلاح الداخلي الإقليمي كوسيلة لمواجهة دوافع الإرهاب. وهذه ليست الأشياء الوحيدة التي فعلتها حكومة الولايات المتحدة سواء في الشرق الأوسط أو حول العالم. لكن قليلين هم أولئك الذين شككوا في أهميتها الجوهرية. وبعد مرور تسعة أشهر من حكم ترامب لا تزال الولايات المتحدة بلا استراتيجية متينة. فهي متوجسة من التصرفات الإيرانية ولكنها، كما يبدو، لا تملك نظرية تفسر أسبابها أو خطة لتغييرها. وتحارب الإدارة الأمريكية جماعة داعش التي تحاربها روسيا وإيران أيضا، ولكن دون أن يكون لها تصور لنهاية هذه الحرب. وهي تريد تثبيت الاستقرار في العراق وإيجاد حل في اليمن وإنهاء الفوضى في ليبيا. وفي الأثناء يتحدث المبعوثون عن أهمية السلام العربي الإسرائيلي دون فائدة تذكر لجهودهم. ولا يعني أي من هذا التقليل من صعوبة بناء إستراتيجية. بل يعني التنبيه إلى العدد الكبير من السياسات المتناقضة التي هي بحاجة إلى ترتيبها والتنسيق فيما بينها. فأولئك الذين يبحثون عن النظام والتنسيق أصابهم الإحباط . لقد أبدت إدارة ترامب حرصا شديدا على إبقاء نواياها طي الكتمان. وحين كان ترامب مرشحا، انتقد بمرارة إدارة أوباما في أكتوبر 2016 لكشفها عن تخطيطها لشن هجوم على الموصل. وبعد أن تولى الرئاسة يبدو أنه يجد متعة في مفاجأة مستمعيه. فهو يريد إبقاء أعدائه في حالة ارتباك. ولكن حين يُسأَل مسؤولو الحكومات الحليفة - والمنظمات الدولية المساندة- في اللقاءات الخاصة عما يدور في البيت الأبيض يكتفون بهز أكتافهم والابتسام في ضيق. فهم لم يعتقدوا أبدا أن الانتخابات الرئاسية تتعلق بهم ولا يحاولون الدفاع مجددا عن نتيجتها. ولكنهم محتارون في الكيفية التي يمكن لهم بها مساندة الرئيس ومحبطون مما يبدو من عدم اهتمام من جانبه بمساندتهم. وليس واضحا لهم ماذا يعني ذلك كله بالنسبة لدور الولايات المتحدة في المستقبل. إنهم يتحدثون مع الدبلوماسيين الأمريكيين ولكن ليس لدى هؤلاء إدراك أفضل من إدراكهم بالاتجاه الذي تمضي نحوه السياسة الأمريكية. بل بدلا عن ذلك، ينهمك المسؤولون الأمريكيون في الخارج في مناقشات جادة حول: هل تمثل «تغريدة» تويتر سياسة الولايات المتحدة؟ ويتساءلون متى يتم شغل مناصب حيوية في وزارة الخارجية. والحال ليست أفضل بالنسبة للمسؤولين في واشنطن. وحين يتحدث الرئيس عن «جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» فهو يتحدث جزئيا عن استعادة الزعامة الأمريكية في العالم. ولكن يوجد عنصر حيوي لهذه الزعامة وهو أن أمريكا كانت قادرة علي تولي القيادة لأن الحكومة الأمريكية تدرك الهدف والعالم يدرك الوجهة التي تريد الولايات المتحدة أن تمضي فيها ويقبل العديدون حول العالم بتلك الوجهة. لقد كانت فترة الحرب الباردة أسهل إذا قارناها باليوم. ففي حين اختلف الناس وقتها حول أفضل السبل لمواجهة العدوان السوفييتي لم يكن هنالك خلاف يذكر في أنه يشكل الأولوية الأمنية الرئيسية. ولكن الجدل الراهن بشأن الأمن القومي تسوده الفوضى ليس فقط في الشرق الأوسط بل أيضا على نطاق أكثر اتساعا. هل ننشغل بالجيوش أم بالإرهابيين؟ هل ما يقتل البشر حقا هو المسائل البيئية أم قضايا الصحة التي لا تعرف حدودا. لقد ورِث الرئيس ترامب هذا العالم ولم يصنعه. إن عالم اليوم المعقد يزيد من أهمية شغل العدد الوفير من الوظائف الكبيرة التي لا تزال شاغرة في حكومته. ليس هذا فقط بل يلزمه أيضا صياغة حوارات مسؤوليه الكبار بحيث يمكن لمن يختارهم تقديم المشورة له حول القضايا التي تربكه. هذا ليس مسعى لاغتصاب سلطته أو جعله بلا حول ولا قوة. فهو من يتخذ القرار، كرئيس. ولكن لدى الولايات المتحدة نظام مُفصَّل يُقصَد به صياغة الخيارات للرئيس كي يختار من بينها ويطرح الأفكار الرديئة جانبا. لقد تفكك هذا النظام. فمن يقومون بتشغيله «مسؤولون بالوكالة» ويخشون من خسارة مستقبلهم السياسي بإغضاب الشخص ، الذي يمكن أن يدمر مستقبلهم السياسي. لقد كان ترامب، كمرشح، يستمرئ الخلاف. أما كرئيس فإن الأدوات الهائلة المتاحة تضعف حين لا يستطيع الناس الذين يشغلونها استباق قراراته أو تخمين تفضيلاته. تريد الحكومات حول العالم مساعدة الولايات المتحدة ولكنها لا تعرف كيف؟ فهي لا تفهم لا السياسة الأمريكية أو الوجهة التي تتجه إليها. ومن شأن الاستراتيجية تعزيز قوة الرئيس لا أن تزيد من قيوده.

• الكاتب نائب رئيس أول كرسي بريجنسكي في الأمن العالمي والجيواستراتيجيا ومدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن.